الفصل الخامس والعشرون

7.1K 385 23
                                    

رواية "أحيا بنبضها".
"الفصل الخامس والعشرون".

الجدران أنتهت و الآلام لم تنتهي.

إجتمع كل فرد من أهل القرية مجددًا؛ يشاهدون ذلك الشخص الذي يقف على منصة خشبية صغيرة، و يداه في الأعلى، وتم ربطها حتى لا يفلت، وكذلك قدميه، لم يفهم أحدهم من ذلك الشخص، وما هي جريمته، كان الجميع يتهامس ويتسائل حتى ظهر الفرعون وهو يمسك السوط الذي أحضره خصيصًا له، إبتلع "حمزة" ريقه بصعوبة وعيناه تنظر إلى ذلك السوط برعبٍ حقيقي، لكن إزداد رعبه حينما رأى إبتسامة "هارون" تتسع بقساوة مُخيفة قبل أن يقول له:
-كنت متخيل إيه يا حمزة؟ ده إنت لو في بطن الحوت، هجيبك؟
نظر له "حمزة" بقلق وهو يخبره:
-أنا ماليش دعوة، نائل هو إللي عمل كل حاجة، هو إللي طلب مني أخدر مراته وأنام جنبها على السرير من غير ما ألمسها، مقابل مادي عشان يعمل مسرحية على الكل أنها خانته، أنا مالي بقى؟
رد عليه "هارون" بحدة و هو يدنو منه:
-كون إنك وافقت، تبقى شريكه في اللعبة الـ(...) دي، وأنا مبرحمش، وأظن إنت عارف ده كويس.
كاد أن يبكي من فرطِ خوفه وهو يهمس:
-يادي المصيبة، روحت في داهية يا حمزة.
كان كل فرد يتابع ذلك الحدث يعتريه الذهول، ونظرات الخوف كانت هي النظرات الغالبية التي ينظرها الكل، وهم يتابعون ما يحدث بقلب مرتجف، في حين ظهر "فادي" وهو يمسك بـ"روفان" التي كانت تسير ببطء، حتى وقفا في الصف الأول، يشاهدان ما يحدث بنظراتٍ مغلولة نارية يملؤها غضب لا نهائي له.
وقعت عيناي "هارون" على "روفان"، وكذلك هي لتتعانق نظراتهما، وهو يبعث لها بتعبيرات وجهه رسالة صغيرة، لم تستطع أن تفسرها، لوهلة شعرت أنه يبتسم لها، قبل أن يدير وجهه نحو "حمزة"، وقف قبالته ليطالعه بنظرات قوية حادة مليئة بالهيبة المخيفة، زفر معقبًا ببطءٍ ومتعمدًا الضغط على كل كلمة يتلفظ بها:
-جنيت على نفسك لما فكرت تتجاهل وجودي وقوانيني، وتمس واحدة ست بشرفها، وعقابك هيكون زي عقاب نائل بظبط.
توسعت عيون "حمزة" بهلع وهو ينظر لـ"نائل" الذي يجلس بتعب على الأرض، بسبب عدم قدرته على الوقوف لفترة طويلة؛ من بعد ما حدث له من العقاب، ليصرخ برجاء:
-لأاااا، لأ يا سيدنا، أنا راضي بأي حاجة، لكن بلاش السوط ده، بلاش.
ضحك "هارون" بخفة وهو يعلق على توسله بسخرية:
-سبحان الله، كأني شايف نائل هو إللي بيتكلم.
أظلمت عيناه بقساوة وهو يتحرك بهدوء بطيئ كي يُثير مخاوفه أكثر وأكثر، وبالفعل ظل يهدر "حمزة" برجاء وعيناه تلتمعان بالفزع:
-توبت يا سيدنا، والله توبت، سامحني يا سيدنا، سامحنـ... آآآآه.
صرخ فجأة بألمٍ حينما هبط السوط على ظهره، و"فادي" يبتسم بإنتصار وداخله يحترق بشدة، و"روفان" تنظر لما يحدث بقلب موجوع، حزينة على ذاتها بشدة، فـ مهما فعلت في هذه الدنيا، كانت لا تستحق ذلك أبدًا.
وبقبضة يدها تمسكت بقميص أخيها، ليضمها إليه أكثر بدفئ، و"هارون" لايزال يهبط بالسوط على ظهر "حمزة"، وصرخاته ترتفع بالمكان أكثر، حتى لم يعد قادرًا على الصراخ، وبدا فاقدًا لوعيه حينما أنتهى "هارون" وقد ألقى بالسوط، قبل أن يهدر للجميع بلهجة ترتجف لها الأبدان:
-الكل يعرف، إن طول ما أنا موجود على وش الأرض، أي حد هيمس واحدة ست بأذى، يبقى هو الجاني على روحه.
وبطرف عينه نظر لـ"روفان" ليصدم الجميع بقوله الغريب العميق:
-وبذات لو حد مس روفان.
تهامس الجميع على كلماته تلك، ليتجهم وجه "فادي" بشكل ملحوظ وهو يدير وجهه نحو "روفان" يرمقها بعينين حادتين، لكن لم يستطع أن يخمن ما تفكر فيه، فـ كانت عيناها باردتان وهي تنظر لـ"هارون"، الذي ظل واقفًا ينظر لها بوجهٍ حاد.. مبتسم لها بتحدٍ، قبل أن يغادر من تلك البقعة، تاركًا خلفه الكثير من التساؤلات.
*****

أحيا بنبضها - أميرة مدحتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن