الفصل الخامس عشر✿ «ليلةٌ مميزة»

127 11 17
                                    

في القاهرة
حيث مكان لم نره من قبل ولكن مالكه مألوف لنا، تجلس امرأة تعدت الخمسة وأربعين عامًا على كرسيٍ اسفنجي مرتديةً حِلَّة مريحة ممسكةً بهاتفها تعاود الاتصال على زوجها الذي تشفق عليه وعلى تفكيره الذي سيؤدي به للهلاك وتلومه على أفعاله وأثرها على الغير.

بلغت عدد محاولات اتصالها به الثلاثون دون ردٍ يبرد قلبها، أيعقل أن بعد تلك الخطب التي تلقيها على مسامعه يذهب إليها مرة أخرى؟؟

قطع محاولاتها دخوله بملامح واجمة وأكتاف متهادلة، ركضت نحوه وهي تأخذ من يده أدواتها من مفاتيح وهاتف ووضعتها جنبًا وهي تسأله بلهفة وسرعة: كنت فين يا أشرف؟ اتصلت بك يجي تلاتة وتلاتين مرة ومكنتش بترد قلقتني عليك؟

زفر بملل وضجر من وصلة أسئلتها التي لا تنتهي ولا تمل من ترديدها فور رؤيته، جلس على إحدى المقاعد الموجودة في غرفة الضيوف الكبيرة وهو يقوم بتوسيع رابطة العنق قائلًا: منال، عشان خاطر أغلى حاجة عندك تسيبيني في حالي أنا مش ناقص زنك.

ردت منال عليه باصرار: أنت كنت فين يا أشرف؟ كنت عند أختك مش كده؟
أمسك كوب زجاجي موضوع بجانبه وألقاه أرضًا حتى أصبح فتاتًا وقال بصوت صاخب: يوووه ما قُلت مش ناقصك في إيه؟ لازم أزعق يعني؟؟؟؟

أجابته بيأس من أفعاله: روحت يا أشرف مادام اتعصبت كده يبقى روحت لها، وبعدين معاك يا أشرف كلامي مش بيأثر فيك، خلاص جنون الفلوس والجاه سيطروا عليك للدرجة دي؟ حرام عليك اعتقنا لوجه الله، ابنك اللي كنت مصمم إنه يتجوز بنت أختك طفش من البيت بسببك، وأختك عمال تلاحقها عشان تاخد منها حاجات مش من حقك تاخدها، أنا خلاص فاض بيَّ مش هقدر أعيش معاك يوم واحد كمان على الحال ده.

رمقها بابتسامة استفزاز وهو يشير بكفه نحو الباب قائلًا بهدوء بارد: يا ألف أهلًا وسهلًا، الباب عندك أهو يفوت مليون جمل وراكِ، شيفاني ماسك فيكِ يعني؟

احتل الحزن ملامح وجهها ودموع غطت أعينها، استقام من جلسته وهو يمسك ببدلته قائلًا: أنا طالع أنام اليوم مكانش ناقص دوشتك.

تركها صاعدًا درجات السلم متوجهًا لغرفته، حاوطت وجهها بكفيها وأخذت تبكي بنحيب حتى صدح رنين هاتفها وأمسكته سريعًا لتعلم من المتصل وأجابته بنبرة متحشرجة: أبوك رجع يا يزيد رجع وهيطلع لي روحي.

انتفض يزيد على الجهة الأخرى فزعًا وهو يقول: ليه يا ماما عمل لك إيه وكان فين؟
تنهيدة طويلة أخرجتها مع دموع لم تتوقف عن السيل وقالت: أبوك كان عند عمتك للمرة اللي معرفش عددها من يوم ما سافرت.

مسح وجهه بيأس لم يكن مشدوهًا من ذلك فتلك لم تكن المرة الأولى ولكن كان على أمل أن يتغير والده ويكف عن أفعاله تلك لا يعلم من أين جاء ذلك الأمل، ربما لأنه ليس من عادته اليأس فيزيد انسان حالم يأبى القيود بكل أشكالها، وهذا ما جعله يترك القصر الواسع ليذهب ساكنًا في شقة مأجورة في بلد تبعد بالساعات عن حضن أمه.

وهَوى القلبُ في هَواهَاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن