الفصل الثاني والعشرون✿ «كأسٌ يدور»

125 5 22
                                    

قدماه لم تتوقف عن الطواف في كل أركان الغرفة، يضرب بيده المتكورة كفه غير عابيء لما يسببه من ألم، وأمه تراقبه ببرودها المعهود ثم تحدثت قائلة: نفسي أفهم البنت دي طالعة من عينك ليه؟ مش كنت مش طايقها ولفيت القاهرة كلها عليها لغاية ما لقيتها عشان ترد لها الضربة؟ قلبك حن لها!

جثى على ركبتيه أمامها وقال وهو يلهث: عمرك ما هتفهميني، شهد دي كانت أول غاية في حياتي معرفش أخدها، أول واحدة تقول لي لأ، ورغم اللي عملته عشان أنتقم منها وأوجع قلبها لسه متعلق بها كنت فاكر إني نسيتها بس لأ هي عمرها ما غابت عن بالي.

استقام وقال بغل: والنمرود اللي هي اتجوزته ده لو كان واقف قدامي مكنتش عارف هعمل إيه فيه.
نظر لها مرة أخرى وقال: واللي زاد وغطّى العجوزة اللي متجوزها قرفت منها ومن العيشة معاها، واحدة مشوفتش أحقر منها.

قامت ووقفت أمامه وقالت بحزم: طب وأنت ساكت وكاتم في قلبك ليه، مش مضيتها على الشركة طلقها وأعمل الواجب.
تنفس بقوة وكان صدره يعلو، أغمض عينه بتروٍ يحاول ضبط أنفاسه ليفرق جفنيه مرة أخرى وهو يعزم بكل ما أوتي من قوة بانهاء علاقته مع تلك الحثالة الصفراء.
----------❥

أصدر الهاتف في جيبها اهتزازًا يعلمها بوجود اتصال لتقوم بعد استئذان تجيب على المتصل من رقم شعرت بأنه مألوف، لحقت نادين بها وهي تشعر أن هذا الإتصال وراءه شيء حيث شعرت أن شهد مضطربة نوعًا ما فقررت ألا تتركها.

صعدت شهد إلى الغرفة المجهزة لهما وتفاجئت بدخول الأخرى وراءها لتسألها باستغراب: إيه اللي جابك ورايا؟

تجاهلت سؤالها لتبادر بسؤال غلفه الفضول: مين بيتصل بكِ.
نظرت شهد للهاتف لترى أن الرنين قد انتهى ثم نظرت لنادين بنظرة متخبطة وقالت بنبرة متلجلجة: رقم غريب بس حاسة إني عارفاه، حاسة إنه رقم ماما.

وضعت نادين كفها باسطًا على فمها تكتم شهقة صُدرت منها ليصدر رنين الهاتف مرة أخرى لتقول نادين بنبرة سريعة متلهفة: ردي بسرعة يا شهد يلا.

ابتلعت ريقها وأجابت المتصل: ألو.
"أيوا يا شهد." هذه هي، هذا صوتها، لا يمكن أن تكون مخطئة به، لا يمكن أن يختلط عليها الأمر، صوتٌ لم تسمعه منذ ما يقارب التسعة أشهر، صوتٌ رغم بُعد صديقتها إلا أنه تحفظه، يشتاق القلب قبل الأذن لسماعه.

امتلأت عيناها بالدموع أثر الشوق تجاهها وابتسمت باتساع، لم تسنح لها الفرصة بأن تقول شيئًا حتى نزلت أمها على أذنها ببوابل حديث لم تتوقع سماعه يضربها في قلبها كخنجر مسموم فقد قالت بنبرة لاذعة: أخبارك يا هانم يا مشرفاني، اتجوزتِ من غير علمي؟

ظنت أن والدتها قد غضبت لمنعها من مشاركة فرحتها، لم تسمح لها مرة أخرى بقول شيء لتبوح بما أمات قلبها ألمًا: الناس تقول عليّ إيه؟ بنت ناهد الرفاعي بتتجوز من ورا أمها؟ وأسر مضايق أوي واضح إنك لسه مسيطرة على عقله لغاية دلوقتي.

وهَوى القلبُ في هَواهَاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن