الفصل الرابع✿ «يتوعد بالإنتقام»

151 11 28
                                    

قبل منتصف الليل وكعادته كل ليلة يجلس على كرسي مكتبه وذكرياته البغيضة تحوم في رأسه، يسترجع ما مرَّ من حياته.
وكيف مرت عليه محاولات فاشلة لأخذ مكانة أخيه منذ صغرهم حتى وفاته، قطع حديث عقله صوت خادمه وهو يقول: تؤمر بحاجة يا عزت باشا؟
أدار الكرسي الذي كان يولي ظهره للباب ونظر لخادمه وقال: لا مش عايز روح وتعالى بكرا بدري.

أومأ الخادم بطاعة ثم خرج وأغلق الباب خلفه بهدوء ليعود مجددًا لدوامة ذكرياته التي تزيد غشاوة قلبه من حقد وكره.

-----
منذ أكثر من خمسين عامًا.

كان لا يزال صغيرًا في مرحلته الإعدادية ويرتدي الزي الرسمي لمدرسته وأخوه الصغير "عبد الرحمن" الذي يرتدي ملابسًا مشابهةً له في كل شئ ولكن لمَ تبدو عليه أجمل وأنسق؟

هذا هو حال أخيه الصغير دائمًا متألقٌ رغم صغر سنه، جاذبٌ وملفت للأنظار رغم بساطته، يحبه الناس دون تكلفٍ منه، والأخر يبغضه بشدة فلماذا ليس مثله؟

رغم أنه في الشكل هو الأوسم وفي الشخصية هو الأقوى والأفضل فما سبب تفضيل كثيرٍ من الناس لأخيه أكثر منه؟

"عزت، يا عزت استنى"
التفت عزت لمصدر صوت عبد الرحمن وهو يناديه، فنظر له ببغضٍ كان واضحًا وقال بضيق: عايز إيه يا زفت؟

تحولت ملامحُ عبد الرحمن من السعادة للعبوس فهو بعقله الصغير لا يستوعب ما سبب كره الأخر له فقال بنبرة زال منها المرح: كنت عايز أديك مصاصة بطعم الفراولة عشان عارف إنك بتحبها، مشتريتش لنفسي حاجة وقلت اشتري لك إنت عشان بحبك أوي.

نظر عزت له بتقزز وأمسك الحلوى بعنف من أخيه وألقى بها في الأرض ودعسها بقدمه بينما الأخر ينظر له بحزن بلغ منتهاه وبتعجب أكبر، لِمَ فعل ذلك؟ لقد اشترى له الحلوى كي يسعده فلماذا اصدر تلك الفعلة الغير متوقعة منه؟

حول عزت عينيه لـعبد الرحمن مجددًا وقال بسخط: إنت إيه يا بني أدم؟ غبي؟ جايب لي مصاصة! ليه شايفني عيل زيك ولا بتستهزأ بيا؟

فـنظر له الصغير بأعين ملئتها دموع الخوف والرهبة، لم يزجر بوجهه أحد من قبل حتى أبويه والأن يعلو صوت أخيه عليه لسبب لا يفقه!

فـرد عليه بخوف طفوليٍ منه: أنا مقصدش والله أعمل لك حاجة وحشة أنا كنت جايباها لك عشان إنت بتحبها، مكنش قصدي أزعلك والله.

ظلت الدموع الساخنة تنجرف على وجنتيه بحرارة بينما الأخر لم تهتز شعرة واحدة منه بل أكمل زجره قائلًا: أنا أه كنت بحبها بس ده كان زمان أيام ما كنت عيل تافه زيك لكن دلوقتي كبرت وبقيت عاقل ولازم تحترمني أنا أخوك الكبير اللي لما يقول لك كلمة تقول حاضر مش تقاوح وتبرر عملتك، فــــاهم؟؟

وهَوى القلبُ في هَواهَاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن