"عشق الغجرية"
...............................
ركض مسرعًا يتتبع أثر صرختها، لا يعرف كيف نهبت قدماه الأرض سريعًا لكن حين عم الصمت المكان شعر بالرعب يملأ قلبه أكثر، لم يكن يتخيل قط أن رعب الفقدان مؤلم إلى هذا الحد، مروع.
تخيل الخسارة، فما بالك بمرارة عيشها؟ يخشى أن يراها وسط بركة من دمائها هامدة الجسم ساكنة النبضات، أن يضمها لجسمه فاقدة للحياة، لكن ما أذاها وما دفعها إلى الصراخ؟! من تخيلاته المروعة فقد طريقه ولف حول الشجرة مرتين، هدر مرتعبًا يريد سماع صوتها ليطمئن قلبه الهلع:
ـ "نانسي" هل أنتِ بخير؟
أتاه صوتها سريعًا يهدئ رعبه:
ـ أنا بخيرٍ "راجي" لا تقلق.
وصل إليها بعد أن أنهت جملتها متتبعًا صوتها، وقف أمامها يكاد يحجبها بجسمه عما أرعبها، لكن يحميها من أي اتجاه؟
نظرة واحدة تفحصها بها تأكد من كونها بخير رغم الشحوب المعتلي ملامحها، كانت واقفة سليمة قطعة واحدة، لا دماء، لا آثار لأقدامِ حيواناتٍ في الأرض لكنها متوترة.
جابت عيناه المكان حولها ربما يوجد شيء أخافها وهو لا يراه لكنه لم يجد شيئًا يخيف، فقط حفيف الأوراق وزقزقة بعض العصافير:
ـ ما الأمر؟ لمَ خفتِ وصرختِ؟
ابتلعت ريقها وأمسكت بكفها ذراعها الآخر كمن يعانق نفسه وقالت بحرج:
ـ لا شيء "راجي".
رفع حاجبه بتوجس ونظر إليها غير مصدق لما تقوله، عاد يبحث بعينيه عن أي شيء يتحرك يكون قد أثار ريبتها وقد تذكر أنها رأت أمس شيئًا يتحرك بالفعل وقت كانت فوق الشجرة.
سألها بقلقٍ معربًا عن أفكاره:
ـ هل رأيتِ شيئًا يتحرك؟
هزت رأسها نفيًا تؤكد بضيق:
ـ لا "راجي" لا يوجد شيء يتحرك هنا غير الأغصان وورق الشجر كما ترى.
هدر مغتاظًا يحاول تثبيت خافقه بيده لئلا يخرج من صدره، لشدة نبضاته القافزة:
ـ لمَ صرختِ إذن إن لم يكن هناك شيء؟ أتتلذذين بإرعابي؟
هدرت تخفي حرجها:
ـ أتلذذ بإرعابكِ! أتصدق أنت ما تقول؟ أتعرف أنت الكلام معك خسارة.
حدجها باستهجانٍ مغتاظًا؛ لأنها لم تشرح له حتى الآن سبب صراخها الذي جعله ينكفئ على وجهه مسرعًا لا يرى أمامه حتى الآن.
سمع حفيف أوراق الشجر فنظر إلى مصدره الذي هو تلك الشجرة المورقة خلفها فاستنتج أنها خافت من حركتها وخجلت أن تقول، لكن الشك عاوده وهو يراقب عينيها القويتين تتحداه بنظراتها، لا يعقل أن تكون خافت إلى حد الصراخ من حركة الأغصان.