"حنين"
بخطواتٍ مهتزة خطا داخل غرفتهما التي شهدت على ليالي هزيمته ورضوخه للحب الغالب، العقاب داخله وشهدت عواطف مشتعلة وقف يتأمل سريرها المرتب يصارع داخله رغبتان إحداهما تستنشق رائحتها التي تعبق بها الجدران ويستشعر أثرها في المكان.
والأخرى تدفعه ليواجهه ذلك ليس شوقًا إليها! إنما ليثبت لنفسه أن عبيرها أبداً لن يؤثر فيه!
يستنشق الهواء ويحبسه داخله عينيه تجوبان الفراش المرتب الذي تمرغت فيه بين ذراعيه، متلهفًا لعبق أنفاسها، وملمس بشرتها، سماع دوي قلبها لقربه.
يصم أذنيه عن أصواتٍ تعصف بذهنه لذكرى محفورة داخله لأول مرة أخذها فيها، لحظة امتلاكها وإعلان تسيده لحياتها.
ذكرى تأبى أن تختفي، تأوهاتها وكلمات الحب التي انهالت من بين شفتيهما تعكس مشاعرهما المتأججة، خجلها الكاذب الذي ظنه حقيقيًا وقتها فتمهل وهو ينزع ثيابها بتأنٍ يتماسك لئلا يخيفها ويرعبها منه.
سار ببطءٍ نحو فراشهما وتطلع إلى ذلك الانبعاج الخفيف على الوسادة مكان رأسها، جلس على حافة الفراش يقاوم مشاعره كما يقاوم ذكرياته.
رغمًا عنه خانته يداه ومسدت مفرش السرير الحريري الأبيض كما يفترض لمفرش عروس أن يكون، عروس لم تكن تستحقه، عروس خائنة.
هكذا ظل يردد داخله حتى يقسي قلبه عليها، حتى لا يحن إليها أكثر، حتى لا يفقد عقله لفراقها، أتراها تبكيه الآن؟
تمدد على الفراش وأسند رأسه مكان رأسها يغرق وسط الأغطية الناعمة مثلها، كأنها أصيبت بعدوى النعومة منها، تلك التوبازية، والعينان اللتان ضربتاه في مقتل.
أدار جسمه يستنشق وسادتها يزفر ببطءٍ يرغب بحبس رائحتها داخل صدره، كما يرغب بحصرها في حياته.
إنه يحبها لا يزال يحبها مهما أنكر أو قسا بقلبه يظل حبها الراسخ بقلبه حقيقة لا جدال فيها. قلبه الخائن الذي لم يطاوعه، لم يستجِب لإرادته، ها هو يموت وجعًا لفراقها.
ها هو كالمجنون يبحث عن رائحتها، جزعًا لتصوره أنها لن تنام أمام عينيه اليوم، ستكون بعيدة لا يراها لا يجيب نداءها.
نهض ملوعًا لا يحتمل فكرة بعدها عنه. يريد الهرب من المكان كله لا يطيقه دونها، ندم على دخوله من الأساس، ربما ينبغي له بيع الشقة بما فيها من فرش.
سار بخطًا حائرة تجاه المطبخ يفكر بصنع كوبِ قهوة لكنه تراجع عن ذلك خشية أن يظل ساهرًا يتعذب من الحنين.
تذكرها وهي تعد كوب (النسكافيه)، تخيلها تجلس على الطاولة تتناول طعامها في غيابه، خطا ببطءٍ يتفحص الطاولة لعله يعرف أيًا من الكراسي مفضل لديها. صداع برأسه ووجع بقلبه. وجع لا يعرف كيف يداويه.