الفصل الرابع

369 19 2
                                    

من الليلة إياها و "يونس" حاله اتبدل،  دخل في صدمة نفسية وعصبية معرفش يخرج منها، قاعد طول الوقت سرحان في الحيطة قدامه مابينطقش حرف، والأكل يدوب لقمة بسيطة تساعده إنه يعيش ، أما الجروح اللي في صدره فابتدت تسود بشكل غريب، ماعملتش قشرة زي أي جرح طبيعي، بالعكس ده الجلد لحم مباشرة لكنه كان جلد إسود مكون لاسم "وعـد" وبنفس الخط اللي في الصينية.

مجرد ما كنت أدخل عليه الأوضة كان وشه يصفر ويتخطف لونه، وعينيه تبرق بشكل مُخيف، ويهز راسه بقوة ترعبني، فكنت أخد بعضي وأخرج وأنا قلبي متكسر مليون حتة عشانه، حاولت أتحداه أكتر من مرة وأفضل معاه في الأوضة لكنه كان بيصرخ برعب ويحدف فيا أي حاجة إيده تطولها، جاهدت كتير إن أحل الموضوع مع نفسي لكن جوزي اللي بيدبل قدامي بالشكل ده ووجعي عليه هو اللي خلاني أتصل بـ "أحمد" ابن عمه، صاحبه وأقرب حد ليه.

الصراحة "أحمد" ما كدبش خبر، مجرد ما اتصلت بيه وقولت له "يونس" تعبان، ما سابليش فرصة أشرحله وقفل معايا ونص ساعة وكان قدام الباب.

أقل من دقيقة وكان "أحمد" في الأوضة مع "يونس" اللي مجرد ما شافه دموعه نزلت بحور وباستنجاد، وصوت عياطه ابتدى يعلي تدريجي بشكل عصر قلبي أنا و" أحمد" اللي جري عليه وحضنه بقوة وسمى عليه وهو بيطبطب وبيقوله :
  - أهدى يا حبيبي، فيك إيه يا "يونس"؟

حضنه "يونس" بقوة وكتم شهقاته في كتفه وكتم معاها صرخة شقت قلبي نصين بسيف نارها، رجليا ما كانتش شايلاني وأنا شايفة حب عمري منهار قدامي، وفي لحظة حسيت بالذنب إني ممكن أكون أنا اللي عملت فيه كده في الوقت الضايع مني، مش ممكن ده أكيد، طب أنا عندي شيزوفرينيا وبتحول لشخصية مؤذية وأذيته، ولا بيتلبسني جن عاشق وبيئذيه هو، بس أيًا كانت الطريقة، أنا السبب في اللي حصل لحبيبي.

ابتديت أهز جسمي تدريجي وأنا متأكدة إني اللي أذيت "يونس" في شغله وفي جسمه ونفسه وأعصابه، ابتدى صوتي يعلى بكل الكلام اللي بفكر فيه ده وأنا بقول لـ "أحمد":
  - أنا اللي أذيت ابن عمك يا "أحمد"، أنا اللي وصلته للحالة اللي هو فيها دي.. أنا السبب.

اتلفت "أحمد" بوشه ناحيتي باستغراب وهو بيقولي :
  - مش فاهم.. أذيتيه إزاي؟

هزيت راسي بهذيان وأنا بقوله :
  - معرفش.. بس أنا اللي أذيت جوزي.
 
حب "أحمد" لـ "يونس" وخوفه عليه يخليه يعادي أي مخلوق على وش الأرض حتى لو أقرب حد ليه، مجرد إحساسه إني ممكن أكون السبب في الحالة اللي وصلها "يونس" خلى عنيه تطق شرار وهو بيبصلي بتفكير شديد :
  - سيبينا لوحدنا لو سمحتي يا "نور"، بس ياريت تطلعي هدوم لـ "يونس" عشان أغيرله الهدوم دي.
 
قمت من مكاني من سكات وروحت فتحت الدولاب وطلعت هدوم نضيفة لـ "يونس" وحطيتها جنبهم على السرير وأخدت بعضي وسيبتهم وخرجت، وقفلت الباب ورايا.

الوقت عدى عليا لحظة، أو ده اللي أنا حسيته، لكن الوقت الفعلي من ساعة ما خرجت من الأوضة لساعة ما رجعت لها تاني وحسب الساعة اللي قررت أكتب وقتها في مفكرة الموبايل من وأنا بقفل الباب ورايا ساعتين بالظبط من واحدة لـ تلاتة، وده قراري إني لازم أراقب نفسي بكل الطرق الممكنة، حتى لو وصلت إني أركب كاميرات في كل ركن في الشقة.

فتحت الباب بحرص شديد وحذر أشد، وعنيا عارفة مكانها بالظبط، السرير اللي كان قاعد عليه "أحمد" جنب "يونس"، "يونس" اللي لقيته نايم على السرير وهدومه اللي لسه مخرجاها من الدولاب جنبه متقطعة، وجروح جديدة مغطية صدره.

اكتسبت مناعة للصدمات، وجريت ناحيته بثبات أقعدني جنبه وأنا باخد تيشيرت ليه أنضف بيه جروحه اللي كان عندي يقين إنها هتكون جلد زي القديمة، دورت بعنيا على "أحمد"  اللي لقيته قاعد على الكنبة نايم، نديت عليه بصوت ثابت :
  - "أحمد".

صوتي كان منبه قوي لكل حواس "أحمد" اللي بص ناحيتي باستغراب وهو بيقولي بصوت محتد :
  - إنتي لسه هنا ليه يا "نور" مش قولتلك عايز أقعد مع "يونس" لوحدنا.

رجعت بنظراتي ناحية "يونس" اللي نايم جمبي على السرير وأنا بقوله :
  - إنت بقالك ساعتين قاعد مع "يونس" لوحدكم، هات البرفان اللي على التسريحة دي وتعالي نفوقه.

نظرات "أحمد" اتملت غل وغضب واتنفض من مكانه بقوة، وجري ناحيتي يبعد ايدي عن "يونس" وهو بيقولي :
  - ابعدي عنه يا "نور".. ابعدي.

اتنفست بهدوء وأنا بقوم من مكاني عشان ياخده "أحمد" اللي ابتدى يضرب خد" يونس" بخفة عشان يفوقه، لكن ماكنش فيه أي نتيجة، قعدت قصاد "أحمد" وأنا ببصله بنظرات متوسلة وبقوله :
  - إيه اللي حصل يا "أحمد"، مين عمل كده؟، أنا؟.. بالله عليك جاوبني، إنت اللي كنت موجود معاه في الأوضة، وأكيد شفت كل حاجة.

نظرات الغضب اللي في عيون "أحمد" اتقلبت لسخرية وتهكم وهو بيقولي :
  - إنتي ما سيبتناش أكتر من خمس دقايق يا "نور"، يدوب غيرت هدوم "يونس" ولقيتك قدامي أهو.

غمضت عينيا بيأس مجرد ما إتأكدت إن "أحمد" كمان دخل الفجوة الزمنية، بصيتله ودموعي سابقة كلامي :
  - أنت بقالك ساعتين مع "يونس" يا أحمد، فات ساعتين بالظبط من وقت ما سيبتكوا.

رفع "أحمد" حاجبه بعصبية وهو بيقوم من مكانه يشوح بإيده وبيقولي:
  - إنتي مجنونة يا بنتي انتي؟!.. بقولك معداش غير خمس دقايق تقوليلي ساعتين.

هزيت راسي برفض وأنا بقوله بصوت عصبيته ابتدت توضح :
  - افتح تليفونك يا "أحمد" وشوف الساعة، وشوف وقت مكالمتي معاك اللي كانت اتناشر ونص، وعلى ما وصلت كانت واحدة، ودلوقتي الساعة تلاتة وعشر دقايق، شوف تليفونك.

ابتدى التوتر يظهر على ملامح "أحمد" اللي طلع تليفونه من جيبه وشاف ساعته اللي كانت بالظبط تلاتة وعشرة، توتره اتضاعف، وارتباكه كانت واضحة كل علاماته وهو بيرمي الموبايل من ايده وبيجري ياخد إزازه البرفان يفوق "يونس" اللي فعلًا ابتدت همهمات الوجع تخرج من حلقه وهو بيهز راسه بألم شديد.

مجرد ما فاق "يونس" إفاقة كاملة سنده "أحمد" وساعده يسند ضهره وهو بيحط وراه شوية مخدات.

المرة دي "يونس" كان مستسلم تمامًا، أو يمكن طاقته كانت خلصت، أو الرعب اللي شافة وعاشه كان أكبر من  قوة تحمله، أيًا كان السبب في سكون "يونس" واستسلامه فأنا لازم أوصله وده اللي خلى نظراتي تحاول تكتشف جروح "يونس" عايزة توصل لنا إيه.

ضيقت عينيا بتمعن أحاول أفك طلاسم الكلمة اللي جروحه كونتها، لكني فشلت، لأنها كانت مكتوبة بحروف غريبة أول مرة في حياتي أشوفها.

#يتبع
#فجوة_زمنية
#تعويذة_الهوى
#فاطمة_علي_محمد
#روائية_الراديو
#بلغني_أيها_القلب_السعيد
#كلمة_ع_الماشي

فجوة زمنية (تعويذة الهوى ) للكاتبة /فاطمة علي محمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن