الفصل السادس عشر من الجزء الثاني

400 24 12
                                    

#فجوة_زمنية (تعويذة الهوى ) الجزء الثاني.
الحلقة السادسة عشرة.

"نيرون" كعادته كل يوم، بيروح يحكي تفاصيل وأحداث يومه لجسد "مويرا"، لكنه ولمرة من المرات القليلة فوت يوم من غير ما يشوفها، وده كان لظروف المحاكمة واللي حصل فيها، فأخد قراره إنه يبتدي يومه الجديد برؤيتها، وفعلًا راح لمكانها، وجري عليه بلهفة،وجواه صراع قوي بين أفكاره، وكل مشاهد يومه، خاصة بعد غضبه من نجاة "فولاك"، وانتحار "يونس" بالشكل المريب ده، واللي ما كانش لاقي ليه أي مبرر منطقي، فالإنسي "يونس" ماعندوش أي كبرياء عشان ينتقم له، زي  ما عملت الأميرة "مويرا"، لكنه ما كانش فارق معاه بالأساس، فهمه الأكبر لقاء "مويرا" والحديث مع جسدها، إلا أنه ما كانش يعرف إن اللقاء المرة دي مختلف تمامًا عن كل المرات السابقة.

دخل "نيرون" الغرفة وقفل الباب وراه كعادته وهو بيردد حروف اسمها بتنهيدة حارة:
  - "مويرا".
 
وكالعادة قصد الكرسي المقابل لتابوتها المحاط بستاير بلاستيكية باردة وظيفتها الحفاظ على برودة جسدها، عشان يقعد وهو بيكمل بنفس نبرته الحارة :
  - كل يوم بتوحشيني، بس النهاردة كان شوقي ليكي أكبر بكتير، يمكن عشان فوت يوم من غير ما أشوفك.. أو يمكن عشان الوغد "فولاك" لفظ اسمك بلسانه قدامي وبكل وقاحة، أو عشان الإنسي الجبان اللي عشقتيه وضحيتي بكل حاجة عشانه، كان بيتحاكم إمبارح، وكان بيفتخر بحبه ليكي قدامي.. يعني كل حاجة في يومي كانت مُصرة تجيبني ليكي وبأقصى سرعة.
 
وزفر زفرة نارية قوية، وهو بيصك على أسنانه بغيظ قوي ارتجفت له شفايفه وهو بيقول :
  - كنت رايح المحاكمة ملهوف إني أني أشوف "فولاك" مذلول قدام الكل، أشوفه راكع بيطلب العفو والغفران، أو أشوفه محكوم عليه بالموت، أو حتى بالسجن.. كان جوايا سعادة الدنيا وأنا بنزل المملكة اللي كبرت فيها، واللي كنت هتمكن منها بعد محاكمته، واللي كنت هذل أمه فيها وهي مطرودة منها زي الحثالة.
 
وارتفعت نبرة غضبه وهو بيهتف بعصبية مفرطة:
  - لكنه هد كل أحلامي في لحظة، وزي كل مرة، وبدون أي مجهود، وبحركة واحدة قدر يغير دفة الأمور كلها لصالحه، قدر يتحول من متهم لمجني عليه، قدر يمحي طلب محاكمته، ويعيد محاكمتك، ويفتح الجرح اللي في قلبي، ويمد ايده جواه يعصره بكل حقد وغل، وكل ده عشان ينقذ الإنسية اللي حبها.
 
"مويرا" كانت قاعدة في تابوتها في حالة ضعف عام، حاسة إن راسها تقيلة على جسمها، اللي كان متغطي بقطعة خفيفة من الشاش، لكن سمعها كان بكل قوته، فكانت سامعة كلام "نيرون" كله، لكنها ما كانتش قادرة ترفع راسها مع علي حرف التابوت اللي كانت ساندة عليه، ولاحتى قادرة تربط خيوط كلامه ده ببعض، عشان يكمل "نيرون" بوعيد :
  - بس وحياة مرارة هزيمتي قدامه في كل مرة، لأخلي كل الجاي من أيام جحيم، وآخد تاري وتارك منه، وأحسره على حبيبته.
 
وقام من مكانه كالعادة، يدخل المنطقة الآمنة ليها عشان يلقي عليها نظرة قبل رحيله، وفعلًا ميل الستارة بطرف ايده عشان يتنفض جسمه بقوة وهو بيرجع للخلف بهلع شديد، وبيردد بخوف مجرد ما لمح "مويرا" قاعدة قدامه:
  - "مويرا"!
 
همست "مويرا" بوهن :
  - "نيرون".
 
ارتجف جسم "نيرون" مرة تانية، وهو بيحاول يمد راسه ناحية فتحة الستارة اللي حركها، وردد بلجلجة:
  - إنتِ رجعتي من الموت؟
 
سعلت "مويرا" بضعف وهي بترفع ايديها تبعد خصلات شعرها الفضية المبللة عن وجهها، عشان تكشف عن ملامحها الفاتنة رغم شحوبها وهي بتردد بخفوت:
  - خرجني من هنا.
 
جاهد "نيرون" لتمالك نفسه وهو بيمد ايده ناحية الستارة يبعدها عنها، لحد ما اتأكد من حقيقة وجودها، فزفر زفرة قوية براحة وهو بيشد جسمه وبيقرب منها بلهفة وبيسألها:
  - إنتِ صحيتي إزاي؟.. دا إنتِ بقالك شهور طويلة جثة في تابوت، تقومي فجأة ترجعي كده من الموت.
 
اتنفست"مويرا" بهدوء وهي بتجاوبه :
  - عايزة هدوم، وخرجني من هنا.
 
اتلفت "نيرون" حواليه يدور عن أي ملابس بلا أي نتيجة، عشان ينزل بأنظاره ناحية قفطانه، اللي ابتدى يفك زرايره وهو بيقولها:
  - مفيش غير القفطان ده.
 
ماكانش فيه أي رد فعل من "مويرا"، لأن حالتها مش حمل نقاش ولا جدال، عشان ينزع "نيرون" عنه قفطانه ويلفه حوالين جسم "مويرا" الشبه عاري، ويحاوطها بإيديه الاتنين ، ويرفعها من التابوت يخرجها، وجري بيها ناحية الكرسي حطها عليه وعينيه بتطوف كل ملامحها بشوق قوي، وذهول أقوى، عشان تهمس له بضعف :
  - أنا جعانة قوي.
 
طاف "نيرون" بأنظاره في كل المكان مرة تانية وهو ساند على ركبتيه قدامها وبيقولها:
  - مفيش هنا أي أكل، لكني هروح أجيب لك أكل وهدوم وكل حاجة ممكن تحتاجيها.

فجوة زمنية (تعويذة الهوى ) للكاتبة /فاطمة علي محمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن