مجرد ما حط الكاهن شرط إن يكون الدم اللي لازم تشربه الخريطة مختلط، هز "خوان" رأسه بعدم فهم وهو بيقوله :
- يعني إيه؟
اتنهد الكاهن بقوة وهو بيبص للخريطة بتأمل شديد لكل ميللي فيها كأن خطوطها مرسومة قدام عينيه وهو بيقوله :
- خليط بين الدمين الإنسي والجني، ممكن طفل ناتج من حالة جواز بين إنسية وجني أو العكس، المهم الدم يكون حامل لصفات العالمين.
تابع "خوان" كلام الكاهن بتركيز شديد وهو بيحاول يجمع أفكاره، ويفتش في كل المعلومات الخاصة بأهل المملكة واللي متأرشفة في دماغه، بيحاول يدور فيها على أي حالة تزاوج نتج عنها أطفال، لكنه فشل في ده، اتنهد بيأس وهو بيقوله :
- لازم من مملكتنا؟
لف الكاهن الخريطة مرة تانية وهو بيقوله بثبات :
- أو مملكة "نيرون" لأنها كانت جزء من مملكتنا، المهم نلاقي الدم ده بسرعة عشان حالة جلالة الملك "فولاك" هتسوء أكتر من كده.
ضيق "خوان" عينيه بتركيز غاضب اتهزت له أجراس المعبد بقوة، وهو بيردد بشرود :
- مملكة "نيرون"؟!
وراح بنظراته للطبيب اللي كان مستنى أوامره بلهفة، وقاله :
- حاول تسكن آلام جلالة الملك بأي أعشاب، وأنا مش هتأخر، هجيب الدم وآجي.
انحنى الطبيب بتقدير صامت، عشان يخرج "خوان" بسرعة كبيرة وكل اللي شاغل تفكير البحث في سجلات عشيرة "نيرون".**********
الوقت ما كانش طويل لأن الفاصل بين المملكتين كام ميل طارهم "خوان"، لكنه مجرد ما وصل انحرف عن الطريق الرئيسي، والبوابة الرئيسية للملكة واتوجه ناحية الجهة الغربية من السور ، ووقف عند شجرة ضخمة وابتدى يدور حواليها خمس دورات قبل ما تتفتح فجوة سرية كبيرة في جذعها، دخل منها "خوان" واتقفلت مباشرة.اتلفت "خوان" براسه يتأكد من قفل المدخل قبل ما يدور مرة تانية وهو بيطوف الأوضة الواسعة اللي موجود فيها، واللي كان واضح من هيئتها إنها أوضة ملكية فخمة، وده واضح من الأثاث اللي فارشها والحرير اللي بيرفرف فوق أعمدة السرير الدهبية.
اتنهد "خوان" بحنين واشتياق قوي صاحب نظراته اللي وقعت على وشاح أحمر محطوط على طرف السرير، واللي مشي ناحيته بخطوات تقيلة قبل ما يمسكه بين إيديه يتأمله بحزن قوي، حزن قطعه الصوت الأنثوي اللي جه من وراه:
- لسه فاكر الأوضة دي؟!سحب "خوان" نفس قوي حرق بيه كل الحنين، والاشتياق، والحزن، وزرع مكانهم جمود، وقسوة، ولا مبالاة وهو بيرمي الوشاح مكانه مرة تانية وبيدور بكل جسمه ناحية صاحبة الصوت، اللي كانت غاية في الجمال والفتنة بشعرها الأسود الفاحم، وعينيها اللي أشعة الشمس دوبت كل نورها ونارها فيها، وجسمها اللي كان فاتن لأي إنسي أو جني واللي كانت مغطياه بوشاح أبيض فضفاض مسكت طرفه بقبضتها بقوة كأنها بتتحامى فيه من نظراته اللي اخترقت خيوطه ووصلت لكل إنش منه، واللي حافظاه عن ظهر قلب.
اتنفس "خوان" أنفاس مشتعلة رغم برودة كل ملامح وجه وهو بيجاوبها بثقة :
- إنتي عارفة إن مفيش حاجة مرت في حياتي حتى ولو صدفة إلا لما أكون فاكر كل تفاصيلها.
قربت منه بخطوات مهزوزة زي نظراتها بالظبط اللي كانت بتحاول تخترق لوح الجليد اللي مغلف نظراته ليها وهي بتقوله بشجن :
- عارفة.. وعارفة أكتر من كده كمان.
نبرة صوتها ونظراتها ليه للحظة كانوا هينجحوا في هدفهم، لكنه تمسك برداء البرود وهو بيبعد عنها بنظراته وبيقولها بثبات وكلامه بيغير مجراه:
- بس الأوضة لسه زي ماهي، مفيش فيها أي حاجة اتغيرت.
درات حواليه عشان تكون مقابلة لاتجاه أنظاره، ونظراتها ليه اتضاعف فيها عشقها وهي بتقوله :
- اتغيرت.. بقت أبرد بكتير، حيطانها بقت طابقة على نفسي، فرشها بقا شوك، حتى الهوا اللي فيها بقا نار بتحرق فيا.
جمدت نظراته الباردة لوقت تتصارع مع نظراتها المشتعلة في حرب ضارية، مصرح فيها باستخدام كل الأسلحة من عتاب، للوم، لقوة، لضعف، لاعتراف، وغفران، أسلحة لازم تستخدم بترتيب منطقي وإلا الهزيمة هتكون هي النتيجة الحتمية للحرب دي، لكن "خوان" كان واخد قراره، ومحدد المرحلة اللي هيقف عندها بكل قوة، فمجرد شعوره بالضعف، ارتدى رداء القوة مرة تانية وهو بيتنحنح بحشرجة وبيقولها :
- أنا عايز منك خدمة يا "هيرينا".
غمضت "هيرينا" عينيها بقوة تداري ضعفها بأنفاس قوية للحظات قبل ما تفتحهم مرة تانية وهي بتقوله بشموخ :
- خدمة إيه؟
أجابها بسرعة :
- عايز ابن من أبناء المملكة يحمل دمائنا ودماء إنسية أو إنسي.
ضيقت "هيرينا" عينيها باستغراب قوي وهي بتسأله:
- ليه؟!
بصلها بثبات وقالها :
- من غير ما تسألي لإن مفيش إجابة، أنا كان ممكن أدور بنفسي لكني فعلًا معنديش وقت، عشان كده اخترتك، لأني متأكد إنك هتساعديني ومن غير ما أقولك الأسباب.
اتنهدت "هيرينا" بقوة وهي بتهز رأسها بموافقة وتأكيد على كلامه :
- أكيد هساعدك طبعًا، وهدور معاك على الطفل اللي إنت عايزه، لكن بره مملكتنا لإن المملكة هنا نقية كل نسلها أصوله جنية.
الصدمة واليأس فرضوا سطوتهم على ملامح "خوان" اللي نظرات التوسل احتلت جمود عينيه وهو بيقولها :
- دوري تاني، أكيد هتلاقي جنية عشقت إنسي واتجوزته وخلفت منه، أو حتى جني عشق إنسية وحملت منه وخلفت، لو فين أنا مستعد أقلب الدنيا وأجيب الطفل ده، بس دوري كويس.
هزت راسها بتأكيد لكلامها وهي بتقوله :
- مفيش أي حالة من الحالات دي في مملكة "نيرون" كلها، لكن أكيد هتلاقي في الممالك اللي حوالينا، دقايق وكل خادماتي تنتشر وتوصل للي إنت عايزه.
زفر "خوان" زفرة قوية وهو بيقولها بنبرة حادة قبل ما يسيبها ويمشي:
- مش هينفع.
وخرج من الأوضة بنفس الطريقة اللي دخل بيها، لكنه ساب وراه أنثى فضولها استحوذ على كل كيانها، فقررت إنها تشبعه بالحقيقة.
**********
حالة "فولاك" ازادت لسوء لدرجة إن جسمه ابتدى يضمر بشكل قوي، جسمه اللي كان عبارة عن عروق نار لهبها بينطفي بشكل تدريجي، شكل أول مرة يشوفه الأطباء اللي كانوا بيعملوا المستحيل بالأعشاب والعقاقير اللي يعرفوها واللي حاولوا يصنعوها بخبراتهم؛ حتى لو لأول مرة، لكن الوضع اللي قدامهم ما كانش يبشر بأي خير على الإطلاق، كلهم ثقة إن الملك هيعيش، لكن خوفهم من الحالة اللي هيعيش عليها واللي كبرياءه أكيد مش هيتحملها.
أنت تقرأ
فجوة زمنية (تعويذة الهوى ) للكاتبة /فاطمة علي محمد
Fantasyإنسية تدخل فجوة زمنية ومنها إلى العالم السفلي، لتكتشف أن زوجها وحش شيطاني، بينما ملك الجان كان ملاكًا حارسًا لها.