تركيزي ومحاولتي لفك طلاسم الكتابة اللي على صدر "يونس" قطعها بصرخة قوية رجت جدران الأوضة، واتنفض ليها جسمي، وجسم "أحمد" اللي حضن "يونس" بقوة وهو بيقرأ قرآن بصوت عالي، في الحقيقة كانت صرخة واحدة وعدت، لكن الواقع بقا الصرخة دي تبعها زئير من "يونس" بشكل مخيف وهو بيرفع عينه ناحيتي بنظرات كلها كراهية وحقد.أنا متأكدة إن كل اللي بيحصل ده غصب عنه، لكني فعلًا ما قدرتش أسيطر على خوفي اللي إتملك من كل ذرة في جسمي، والخوف ده اتضاعف لما نظرات "أحمد" اتحولت ناحيتي وكلها غضب قبل ما يقوم من مكانه يقف قدامي وهو بيضغط على دراعي بكل قوته وبيدوس بسنانه على كل حرف بينطقه :
- عملتي فيه إيه وصلتيه للحالة دي؟.. سحرتيله؟.. عملتي فيه إيه؟
هزيت راسي بخوف والكلام بيتحشرج في حلقي، والدموع اتحجرت في عيوني وأنا بقوله :
- ما عملتش حاجة.. والله العظيم ما عملت له حاجة؟.. هو اللي حاله اتبدل فجأة زي ما إنت شايف كده.
اتلفت "أحمد" براسه ناحية "يونس" اللي حالته ابتدت تسوء قبل ما يرجعلي بنظراته ويضرب الحيطة ورايا بقبضة ايده وهو بيقولي بتحذير :
- أقسم باللي خلقني وخلقك يا "نور" لو انتي السبب في الحالة اللي وصلها دي لأكون نافيك في مكان الدبان الأزرق ما يعرف يوصله، "يونس" ده اللي طلعت بيه من الدنيا، وهو اللي باقيلي من كل عيلتي.
حلقي نشف ونشف معاه كل الكلام اللي كنت عايزة أقوله، ما كانش مني غير إني هزيت راسي بموافقة وأنا ببص ناحية "يونس" اللي ابتدى يهدى بشكل تدريجي، واللي جري عليه "أحمد" ياخد كوباية الماية اللي على الكومود يقرأ عليها قرآن ويناولها له يشربها لحد ما هدى تمامًا ورجع لطبيعته.اتنفست براحة لما شفت الراحة والهدوء ظهروا على ملامح "يونس" رغم شحوبها، واتحركت من مكاني جنب الحيطة ناحيته وأنا رجليا بتترعش، عشان أقف قصاده وأنا بقوله بصوت خنقاه الدموع :
- مالك يا حبيبي.. إيه اللي حصلك، أبوس إيديك تطمن قلبي وتريح بالي.
بصلي "يونس" بنظرات طويلة، غامضة مقدرتش أفهمها، لكنها كانت جارحة، كشفت ستري قدام "أحمد" اللي بصلي بتحدي كبير، ارتبكت وشكي بقا يقين داخلي يمكن يأكده "يونس" أو ينسفه من جذوره، وده اللي كنت مستنياه، رصاصة الرحمة اللي بدعي ربنا ما تتأخرش أكتر من كده، وربنا فعلًا استجاب دعائي، و"يونس" اتنهد بقوة وهو بيبعد نظراته عني وبيروح بيها ناحية أحمد يقوله:
- إنت جيت هنا إزاي يا "أحمد"؟
طبطب "أحمد" على إيد "يونس" برفق وهو بيبصلي بثبات وبيقوله :
- "نور" اتصلت بيا، بس سيبك من كل ده، إنت إيه اللي وصلك للحالة دي؟
رفع "يونس" عينيه ناحيتي وهو بيتكلم بجمود :
- إن قلتلك إني عارف كل الحقيقة هكون بكذب عليك.
ونزل "يونس" بعنيه مرة تانية ناحية "أحمد" عشان يكمل كلامه :
- عارف لما تكون في غيبوبة بس حاسس بكل اللي حواليك، أو لما تكون متكتف بسلاسل حديد ومرمي في وسط البحر والهوا في الرئة عندك بيخلص، أهو ده بالظبط اللي بحسه وبعيشه.
ملامح الجدية والاهتمام تملكت من وش "أحمد" اللي اتعدل شوية في قعدته بكامل تركيزه اللي ما كانش يقل عن تركيزي وانصاتي لـ "يونس" اللي أخد نفس عميق كأنه بيرجع بالزمن لورا كام يوم :
- في يوم قومت من نومي اللي ما كملش ساعة، بعد ما كنت مطبق على المشروع اللي حكيت لك عنه، لقيت كل الورق متقطع ومحروق، كنت عامل زي المجنون اللي حبسوه في زنزانة قذرة، ريحتها بتستفزه وبتثير غضبه، ماكانش قدامي غير "نور" اللي أفكر فيها إنها تعمل كده، خاصة في حالتها النفسية السيئة من بعد موت باباها.
بلع "يونس" ريقة بمرارة وهو بيتكلم :
- اتخانقت معاها، العادي يعني بتاع الفترة الأخيرة في حياتنا.
رفع "أحمد" عنيه بسخرية يبصلي وهو بيسمع كلام "يونس":
- يومها لقينا صينية كتب كتابها ممسوح من عليها كل حاجة ومكتوب كلمة واحدة بس.
فضول "أحمد" استفزه إنه يروح بنظراته ناحية "يونس" ويسأله باهتمام شديد :
- كلمة إيه؟
- "وعـد".. كلمة مش فاهم معناها، ولا عارف سببها أصلًا.
ده اللي قاله "يونس" وهو بيطبق عينيه بقوة وبيكمل :
- "نور" سابتني ودخلت الحمام من هنا، ولقيت خبطة قوية على دماغي من هنا.
برقت بعينيا وأنا بقوله بصدمة :
- خبطة؟!
هز "يونس" راسه بموافقة وهو بيقولي :
- خبطة وقعتني على الأرض على وشي، وبعدها لقيت نفسي مرفوع لفوق، بيني وبين السقف مفيش كام ميللي، مش قادر أتنفس من قرب السقف ده، أو يمكن من خوفي.
التوتر والارتباك سيطر عليا، ورجليا ابتدت ترتعش لدرجة إنها مابقيتش قادرة تشيلني، فسندت على طرف السرير وقعدت قصاد "أحمد" و "يونس" اللي بصلي وكمل :
- كنت حاسس بكف إيد رافعني، أيوة.. كنت حاسس بيه تحت ضهري، حاولت أمسكه بإيدي معرفتش، في لحظة لقيت نفسي بتهبد على الأرض وكل حتة في جسمي بتوجعني، لحظة واحدة أخدت فيها نفسي وبعديها اترفعت واتهبدت في الحيطة، ومن الحيطة دي للحيطة دي وأنا بتخبط.
حرك "أحمد" راسه باستفسار وغضب :
- مين اللي عمل فيك كل ده؟
بصله "يونس" بخوف وهلع :
- شبح.
الصدمة سيطرت عليا أنا و"أحمد" وصرخنا في نفس اللحظة :
- شبح!
هز "يونس" راسه بتأكيد وهو بيقول :
- مفيش تفسير تاني غير كده، لأني ماشوفتش قدامي أي حد، بس القوة اللي كنت بتزق بيها قوة جبارة، ماشوفتهاش على بني آدم قبل كده.
بصتله بخوف وجسمي كله بيتنفض، وأنا بقوله :
- والخربشة اللي كانت على جسمك، والكلمة اللي اتكتبت دي.
قلب "يونس" شفايفه بحيرة وهو بيقولي :
- أنا أغمى عليا من كتر الضرب، وهدومي كانت سليمة زي ما هي، لكني كنت حاسس بنار بتمشي جوا جسمي، لحد ما فوقت والباقي إنتي عارفاه.
بصينا إحنا التلاتة لبعض باستغراب لكل اللي بيحصل واللي إتقال، وعقلي أنا رافض الكلام اللي بيقوله "يونس" طب أنا ليه ما حسيتش ولا سمعت الدربكة اللي بيحكي عنها والمسافة بين الحمام والمكتب مفيش تلاتة متر، وبعدين يعني إيه شبح يعمل فيه كده، ما إحنا عايشين في الشقة دي بقالنا ست سنين عمرنا ما شوفنا ولا سمعنا فيها أي حاجة، أكيد دي تهيؤات من "يونس"، بس لو تهيؤات الجروح دي جت منين؟! معقولة هو اللي عمل في نفسه كده؟.. طب إزاي وليه؟اللي خرجني من تفكيري وصراعي ده صوت "أحمد" اللي سأله بكل ثبات :
- طب والنهاردة؟.. إنت تعرف إن فيه ساعتين محسناش بيهم، أو أنا على الأقل ما حسيتش بيهم، إيه اللي حصل فيهم يا "يونس"؟
اتعدل "يونس" في قعدته ومعالم الوجع ظاهرة على ملامحه اللي جعدها بألم، وبص لـ "أحمد" وقال:
- بس أنا ما حستش إنهم ساعتين، كل اللي حسيت بيه حد بيغيرلي هدومي، وبعدين شميت ريحة البرفان بتاعي، وبعدين حسيت بقلم جامد نزل على وشي، خلاني فتحت عينيا من قوته ورجعلي كل تركيزي، بعدها البونيات نزلت على ضلوعي، ونفس الخبط في الحيطان وفي السقف، وكنت بستنجد بيك وأنا شايفك قاعد على الكنبة هناك وبتبصلي ومش متأثر ولا بتساعدني.
نطق "أحمد" بصدمة :
- أنا؟!.. أنا شفتك وإنت بتضرب؟
رد عليه "يونس" بحزم :
- أيوه.. إنت كنت قاعد على الكنبة وماحاولتش تساعدني ولا تمد إيدك ليا، حتى ما شفتش أي وجع ولا تأثر عليك وأنا بتوسلك تغيثني، بس مش ده المهم.ضيق "أحمد" عنيه باستغراب وهو بيهز راسه بتساؤل عشان يجاوبه "يونس":
- بعد الضرب ده كله، اترميت على السرير وحد قطع قدومي وأنا صاحي وعيني في عينه ، وخربشني بضوافره اللي كانت سكاكين مسنونة بتحرق في جلدي.
نطق "أحمد" بلهفة وبكل تركيزه :
- يعني شُفت اللي عمل كده يا "يونس"؟هز "يونس" راسه بإيجاب :
- شوفته.
سأله "يونس" بلهفة كبيرة :
- مين؟.. مين يا "يونس"؟
رفع "يونس" عينيه ناحيتي بكل غضب وهو بيجاوبه بغيظ شديد :
- "نـور"#يتبع
#فجوة_زمنية
#تعويذة_الهوى
#فاطمة_علي_محمد
#روائية_الراديو
#بلغني_أيها_القلب_السعيد
#كلمة_ع_الماشي
أنت تقرأ
فجوة زمنية (تعويذة الهوى ) للكاتبة /فاطمة علي محمد
Fantasyإنسية تدخل فجوة زمنية ومنها إلى العالم السفلي، لتكتشف أن زوجها وحش شيطاني، بينما ملك الجان كان ملاكًا حارسًا لها.