' بَرقاء '

422 24 0
                                    

بسم الله يلا نبدأ:

' الباب السادس '

هبطت به الحمامة على إفريز نافذة حُجرة صغيرة توجد في قمة برج حجري شاهق الارتفاع وحين أطل برأسه لداخل الحُجرة وجد فتاة تدفن وجهها في راحة كفيها وتبكي....

قالت الحمامة له:

تلك هي ' بَرقاء ' اذهب واطلب منها بعضَ زُعافها هيَّا....

وهنا طفح كيله وفاض صبره:

أنا لم أخبركِ عن اسم الفتاة ولم أخبركِ بأني جئتُ أطلب زُعافها، كُل الذي قُلته لكِ فقط أن مصير أصدقائي مرتبط بذهابي للقلعة، فكيف عرفتِ كُل هذه المعلومات؟!

قالت الحمامة وهي تدفعه برأسها نحو فتحة النافذة:

اذهب وسأخبرك بكل شيء لاحقًا....

مستعينًا بالنتوءات الدقيقة في الجدار تسلق الحكيم هبوطاً لأرضية الحُجرة، ثم واصل زحفه متجهًا صوب ' بَرقاء '....

عندما وصل إليها لم يكن يعرف كيف يبدأ معها الكلام ففكر أن يكون مرحًا حتى يكسر حاجز اللقاء الأول بينه وبينها فقال بلهجة مشاكسة:

مرحبًا أيتها الحلوة!!

رفعت ' بَرقاء ' رأسها من راحة كفيّها لتنظر من المتكلم وحين شاهدت أمامها فأرًا يحمل أنبوبًا على ظهره اشمئزت وزحفت بمؤخرتها متراجعة للخلف ولكنها استبعدت أن يكون ذلك الصوت صادرًا منه....

فقال وهو لا يزال يرغب في كسر حاجز اللقاء الأول بينه وبينها:

أنتِ جميلة جدًّا حدَّ أني لو كنت رجلًا لخطفتكِ....

صرخت ' بَرقاء ' بكل صوتها تطلب النجدة من حرّاس البرج ليأتوا ويخلصوها من ذلك الفأر المتكلم القليل الأدب....

ومع تلك الصرخة أدرك ' الحكيم ' مدى حجم غبائه فقال لها جادًّا وقد بدأ يسمع أصوات أقدام الحراس وهُم يصعدون درجات السلم ويقتربوا من الحُجرة:

أرجوك يا ' بَرقاء ' اعذري لساني الطويل، سأخبركِ بكل شيء ولكن لا تستدعِي الحرس!!

إلا أن ' بَرقاء ' كانت في حالة من الخوف والهياج لا تسمح لها أن تستوعب ما يُقال من حولها....

تدخلت الحمامة عندما أدركت أن الحرّاس اقتربوا جدًّا من الحُجرة:

هيا أيها ' الحكيم ' تعال إنهم قادمون دعنا نهرب....

لم يعد ثمّة مجال لإقناع ' بَرقاء ' بتغير رأيها....

فاستدار ' الحكيم ' وركض نحو الحمامة بقوائمه الأربع القصيرة، ولكن قبل أن يصل إليها ويلوذ بالفرار مدت ' بَرقاء ' يدها بغتة وألقت عليه القبض....

الحرّاس وهم يدخلون الحُجرة:

ما الأمر يا سيدة ' بَرقاء '؟!

' بَرقاء ' وهي تدس يدها خلف ظهرها:

لا....

لقد خُيل إليّ فقط أني رأيتُ شيئًا....

وأردفت:

عودوا لأماكنكم وأغلقوا الباب خلفكم....

حين ذهب الحرّاس وفتحت ' بَرقاء ' قبضة يدها قال لها ' الحكيم ' متعجبًا:

لماذا غيرتِ رأيك؟!

تجاهلت سؤاله وركزت نظرها الخيوط الشعر التي كانت تُثبت القارورة الزجاجية خلف ظهره سحبت من تلك الخيوط شعرة وشمتها ثم سألته:

من أين لك هذه الشعرة؟!

قال لها:

لقد حاولت أن أقول لكِ إن ' أُوس ' ابن ' الشيذمان ' هو من أرسلني إليكِ، ولكنكِ لم تعطيني فرصة لأتكلم....

حين سمعت اسمه بدا وجهها يصبح أكثر اشراقًا وكأن شمسها للتو تجلّت بعد ليالٍ طويلة من العتمة:

وكيف هو؟!

أجاب:

بخير ولكن والده في حالة حرجة....

أنزلت ' الحكيم ' من يدها وتمتمت بغضب:

كُل المصائب التي حدثت بين عشائرنا وقبائل الُمستذٌئِبين كانت بسبب ذلك الكهل اللعين الذي جاء قبل أسابيع لزيارتنا....

سألها وقد اكتسى وجهه بالجدية:

أي رجل هذا؟!

أخبرينا ما الذي حدث؟!

قالت تفتتح قصتها:

منذ قديم الزمن وعشائرنا تعيش بسلام مع قبائل الُمستذٌئِبين بفضل اتفاقية ترسيم حدود مناطق الصيد التي حددها الأسلاف....

ولكن قبل عدة أسابيع جاء لزيارتنا كهل غريب وطلب الاجتماع بشيوخ عشائرنا....

سألت الحمامة:

وماذا دار في الاجتماع؟!....

الحمد الله كده خلصنا.

الجَساسة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن