٢٨. لا يُرى

31 2 51
                                    











إلى أين قد تؤدي الأخطاء الصغيرة؟
ما هي نهايتها وماذا قد يكون نتاجها؟

ما نتاج رفة جناحي فراشة؟

ماذا قد يؤدي لكل هذه الفوضى؟

تساءل سيهون وهو يرتعش أمام باب الشقة الصغيرة التي يصدر منها كل هذا الصخب. تساءل في كل ليلة وفي كل مرة ينصت بها لصدى تهشم زجاجات الخمر وصدى الصراخ الهستيري الذي يرجف حواسه ويربكها.

تساءل وشد على ذراعي حقيبته مخفضا وجهه ومحاولا التقاط صوت أخته من كل هذه الضوضاء.

حاول التيقن بأنها حية دون أن يدخل.
وقوبل بانفتاح الباب واندفاعها للخارج توصده بالمفتاح بكف مرتجف.

وقف يحدق بجسدها المتخبط المتألم، للكدمات المتناثرة على ذراعيها ووجهها وللدموع التي تلهب كل جراحها.

نظر إليها بقلب مغصوص، وتركها تتقدم الخطوة الفاصلة بينهما لتحتوي وجهه بين كفيها وتقابله بطيف بسمة فاترة.

"لا أظن أن أبي بخير.. هل.. هل يمكنك المبيت لدى صديقك اليوم؟"

سألته بصوت متهدج خافت، صوت متجرح مكسور قابله هو بزم شفتيه بقوة والنفي.

"الليلة فقط عزيزي.. الليلة فقط"

لم يكن الأمر بانه يعاندها.
لم يكن عناده سببا هذه المرة..

بل كان خوفه هو سبب الرفض المستمر.
كان جوناثان يبقيه في بيته في غرفة خاصة به، يطعمه ويشتري له الثياب.

ويكسر عظامه..

لقد كان حيوانه الأليف كما لقبه.
وهو يكره ذلك.

يكره أنه يخفي الألم عنها كي لا تشعر بالذنب، يكره أنه لا يملك أي صديق يرحب به بين جدران بيته عدا جوناثان.

جوناثان الشاب العشوائي الذي قرر إبقاءه رغم أنه لا يعرفه.

فاحتقنت عينيه بالدموع، نفى متوسلا البقاء معها. البقاء حولها وحول أبيه ليعتني بهما أيضا.

وقوبل بالنفي والتوسل والبكاء.
قوبل بعينيها المكسورتين وهما تتوسلانه إلى جانب ثغرها الذي تمتم بالكلمات لتهرب من بين شفتيها المرتعشتين.

"أرجوك أنصت إلي.. بقاؤك هنا سيؤذيك.."
"لكنك.. أنت تتأذين أيضا.."

تمتم عله يفتح عينيها على حالها، لكنها نفت.
كذبت عينيه وقررت التشبث بكلمتها.

كذبت كل الندوب والكدمات.. وقررت بأن تتشبث بكذبتها وحسب.

"أنا بخير.. سأعتني بأبي وسيكون كل شيء على ما يرام.."

لم يصدقها.
لكنه عاد لجوناثان.

لأنه وبأعوامه الاثنا عشر لا يملك مكانا آخر يحتويه.

𝚄𝙽𝚂𝙴𝙴𝙽 || لا يُــرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن