٢٩. مستَحَق

22 2 19
                                    








يكاد سيهون يفقد عقله مما جرى.
عيناه تتخبطان ما بين الثقب المحفور بصدره، وأخته التي جثت أمامه تجهش بالبكاء بعجز وضياع.

لقد أصبح وحيدا أمام الكون برمته..
بات هو وحده أمام الجميع.

لقد تركها تحصل على حياة منفصلة عن انتقامه، تركها تمضي وتحب كريستوفر، تركها تتزوجه مع تكذيبه إياها حين وضحت بأن هذا جزء من خطتها.

قابلها مسبقا يتوسلها المساعدة ليعتقه كريستوفر ويسمح له بالرحيل حين كان لوهان حبيس المشفى، وما إن ضمته ولزمت الصمت...

هو عرف أنه يكاد يخسرها إلى جانب كل شيء.

وأثبتت هي الآن فقط أنه قد خسرها بالفعل، وأنها قررت التشبث بكل شيء عداه.

كان حبها للمجرم الذي تسبب بضياع حياته أكبر. كان حبها لعائلتها الجديدة أكبر من حبها له.

وقلب سيهون انكسر ونزف دماءه البالية بحرقة في تلك الثواني التي تلاقت بها أعينهما قبل أن ينفي باستماتة هامسا.

"هذا ليس عدلا.. هـ..هذا ليس عدلا.."
"أنا آسفة"

همست في المقابل بمرارة وعيناها تنحدران عن وجهه المذعور إلى الجرح الذي لازال ينزف.

تبا لكفيها المرتعشين..

"لـ..لكن.. حياتي.."

همس سيهون مجددا بحرقة، بحسرة كمحاولة يائسة لإيضاح قسوة الشعور الذي يقبض قلبه إلى جانب الجرح الذي لازال يلتهب..

لكنه لم يستطع وصف كم الألم.

لقد كرس حياته لينتقم، ضاعت أعوامه كلها وهو يخطط ويدقق وينخر ويبحث عن الأسباب التي لا ترى.

لم يتخذ الخطوة إلا حين تيقن بأن الألم الذي سيتسبب به مستَحق.

أضاع نفسه وهو ينتقم لأجلها..!
لأجل والديهما ولأجل نفسه آخرا..

و.. انتهى ذلك؟
هكذا فقط؟

رصاصة واحدة هدمته؟

هل كانت الرصاصة حقا أم شعور الخيانة الذي كسر كيانه؟

هل كسرته الرصاصة أم حقيقة أن أخته هي من أطلقتها؟

تساءل بضياع وهو يستمر بالنفي بتعب.
استمر بالتوسل بعينيه.

توسل القدر بأن يستفيق على واقع أكثر رفقا من هذا. أن يستيقظ على حقيقة هو قادر على التعايش معها.
توسل أن يعود للماضي وحسب.

ليس لينتقم مجددا.. بل ليعانق والده جيدا قبل أن يموت لأنه يعرف الآن أن مستقبل ماضيه كان معتما وخاويا.

سيهون ذو الثمان أعوام لم يرسم مستقبلا مشوها كهذا.

وما إن صدح صوت صافرات سيارات الشرطة والاسعاف هو استجمع ما بقي من قوته ونهض مبتعدا عنها يترنح إلى الشرفة فيلقي بنفسه عنها متهربا من الفوضى التي تكاد تعم حياته.

𝚄𝙽𝚂𝙴𝙴𝙽 || لا يُــرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن