٢٣. الحاضر لن ينسيني

39 1 33
                                    












كان على أحدهم أن ينسى.
كان على الحاضر أن يُنسي.

ولوهان لم يغادره الماضي ولم ينسيه الحاضر ولم يعد المستقبل برمته يعنيه.

لقد عاش لأنه لم يجد خيارا سوى أن يعيش.
لم يتمكن من تمزيق رسغيه لأن الكون برمته حال بينه وبين ذلك. سقوطه عن الدرج كسر عظامه ولم يمته.

عانى من قلب مكسور وجسد محطم لبضع أسابيع طويلة حاول بعدها أن يشنق نفسه.

لكن البراغي التي تثبت الأثاث بالأرض حالت بينه وبين ذلك أيضا.

لقد كان وحده في كل هذا.
كان مضطرا لمعايشة الواقع والمضي به لأنه لم يستطع الموت.

ومغادرته للمصحة كانت نهاية كل محاولاته.
لازال يريد الموت، لكنه لا يستطيع.

حاول إيجاد الأسباب ليبقى، بحث عن كل المعاني بكل الأشياء ليبقى، ليتشبث بالحياة أكثر.

الشمس ساخنة حتى في الشتاء، البرد قارص حتى بأوج الصيف. الطرق كلها فارغة والمباني كلها تتمايل لتتهاوى على رأسه.

البيت يضيق الخناق عليه ويكاد يقتله لشدة ضيقه، والسرير يبتلع جسده المشوه حين يستلقي عليه.

جوليا تنظر إليه بشفقة ووالده.. لا يبدو أن الأمر يعنيه حقا.

كان كل شيء قاتما، كل شيء رمادي ومعتم.
وهو موجة زرقاء من البؤس والضياع.
قطرة من الألم في محيط المعاناة.

حياة لا تريد الحياة.

"صغيري.."

نادى كريس بعطف بعد أن أمضى ربع ساعة بدقائقها وثوانيها يقف قرب أبواب مكتبه وينتظر منه أن يغادر رأسه ويلحظ وجوده.

وحتى بعد أن ناداه، استغرق لوهان وقتا إضافيا ليتمكن من استيعاب صوته والنظر إليه أخيرا بأعين ذابلة خاوية فقدت رغبتها بالبقاء.

"لقد تأخر الوقت.."

أضاف كريس أثناء شده على الشال الموضوع على كتفيه وترقبه التفات لوهان البطيء لينظر إلى العتمة الغامرة في محيطه، ليشهد عتمة الأجواء من الجدار الزجاجي خلفه ويرى بعينيه أن الأضوية الخافتة الباقية هي أضواء المدينة.

حتى القمر قرر التلاشي بهذه الليلة ليجعلها أشد عتمة وسوادا.

"يكفي ما فعلت اليوم صغيري، لقد قمت بعمل جيد"

لكنه.. لم يقم بشيء.
لم يفعل أي شيء.

لقد كان ينوي إنهاء هذه المستندات على الأقل لكن الملف لازال فارغا أمامه على شاشة جهازه.

لم ينجز أي شيء، غرق برأسه مجددا ومضى اليوم عليه دهرا ولم يدرك منه شيئا.

"كنت شاردا مجددا؟"

𝚄𝙽𝚂𝙴𝙴𝙽 || لا يُــرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن