البارت 59

13 0 0
                                    

كانت إليف متسطحه على الأريكه في الشرفة من ساعه ونصف تحملق في السماء المظلمة الموشحة بنجوم تتراقص حول القمر، وكأنها ترسل رسائل لم يفهمها سواها. تنهدت بصمت، وكأن قلبها يخاطب النجوم، يخبرها عن ذاك القريب البعيد، الذي ينام خلف الجدار المجاور. شعرت بالمسافة التي تفصل بينهما رغم قربهما، وكأن الغرفة التي تفصلهما عالم كامل من الغموض.
همست لنفسها: يا قمر، لماذا تبدو بعيدًا وأنت هنا؟ كأنك تعكس حال قلبي... قريب منه، لكنه بعيد. هو هناك، خلف الجدار، ينام بسلام بينما قلبي لا يعرف النوم. أنا غاضبة منه، لكنني أشتاق إليه بجنون. أريد أن أضمه كما تضم السماء نجومها، أن أدفن رأسي في صدره.
ثم نظرت إلى النجوم مجددًا، وكأنها تطلب منهن المساعدة، وقالت: أيها النجوم، لو كنتن رسائل حب، فاحملن له شوقي، وأخبرنه أنني لا أستطيع مقاومة هذه المسافة الصغيرة بيننا. أريده الآن... أريده كما أريد أن أتنفس.
تنهدت بعد صمت، وهي تراقب النجوم التي تتلألأ في السماء الهادئة، وكأنها ترسم لوحة من الأمل بين العتمة. كانت عيناها تحملان بريقًا من الحزن والحنين، وهي تتابع تلك النقاط اللامعة التي لم يخفت ضوؤها رغم الليل الطويل. شعرت وكأن النجوم تهمس لها سرًا خفيًا، رسالة تطمئن قلبها المرتبك: لا تخافي... هذا الحب سيبقى مضيئًا مثلنا، مهما حاولت سحب الغضب أن تغطيه.
أغمضت عينيها للحظة، متأملة ذلك الشوق الذي يزداد مع كل لحظة تمر. ثم فتحت عينيها من جديد، تحملق في القمر المتربع في السماء، بضيائه الذي يعكس شيئًا من صبرها المكبوت. حتى القمر... فكرت في نفسها: يواجه الغيوم لكنه لا يتلاشى. الحب كذلك، ربما يحجبه الغضب أحيانًا، لكن نوره الحقيقي يظل حاضرًا، ينتظر اللحظة المناسبة ليضيء من جديد.
ابتسمت بخفة، ودمعة صغيرة شقت طريقها على خدها، وكأنها تعترف أخيرًا بضعفها أمام هذا الحب الكبير الذي يربطها به، ذاك الحب الذي يجعلها
تنسى كل شيء، وترغب فقط في أن تكون قريبة منه، بين ذراعيه، تتنفس دفء قلبه وتنسى العالم بأسره.
كان أندرو جالسًا على الأريكة الجلدية الداكنة في غرفة المعيشة الفسيحة، متكئًا بظهره على الوسائد، بينما كان ضوء الحاسوب أمامه يعكس وهجه الخافت على ملامحه الجادة. كان منشغلًا كليًا في عمله، أصابعه تتحرك بخفة على لوحة المفاتيح، وعيناه تتابعان الشاشة بتركيز. الساعة تشير إلى 10:50 مساءً، وهو يعلم أن الوقت يمر بسرعة، لكنه لم يكن يفكر كثيرًا في الساعة. كان ذهنه منشغلًا، متأكدًا أن إليف قد استسلمت للنوم منذ فترة طويلة في الغرفة المجاورة.
بينما كان يعمل، تحركت عيناه فجأة نحو الباب عندما رآه يُفتح ببطء. ظهرت إليف وهي تدخل الغرفة بهدوء، ترتدي بيجامة حريرية بلون أزرق فاتح،
كانت ملامحها ناعسة للغاية، وعيناها نصف مغمضتين، وكأنها قد استيقظت للتو من غفوة قصيرة. كانت خطواتها خفيفة، بالكاد تسمعها على الأرضية الخشبية، وشعرها الطويل المتناثر حول وجهها وكتفيها جعلها تبدو كطفلة صغيرة أضناها النعاس.
أندرو لم يستطع منع نفسه من الابتسام عندما رآها. كان هناك شيء في مظهرها هذا يلامس قلبه، شيء يجعلها تبدو أكثر لطفًا وبراءة من أي وقت مضى. نظر إليها وهي تقترب منه، وبدت وكأنها تكافح للبقاء مستيقظة.
توقفت إليف أمامه، تفرك عينيها بكفّيها الصغيرين بحركة بطيئة ولطيفة. قالت بصوت منخفض مبحوح قليلاً بسبب النعاس، ونبرة حزينة أثارت شيئًا من القلق في قلبه: أندرو... لا أستطيع النوم... أشعر بالخوف.
رفع أندرو حاجبيه قليلاً بدهشة، لكن نظرته بقيت هادئة كما هي عادته. ابتسم ابتسامة جانبية، تلك التي تعبر عن الحنان المخفي خلف قناع الجدية، وقال بصوت هادئ عميق: يمكنك النوم على السرير. على كل حال، لن أنام الآن.
أومأت له برأسها بصمت، دون أن تضيف شيئًا، وكأن كلماته كانت كافية لطمأنتها. استدارت بخطوات بطيئة نحو السرير الكبير الذي يحتل زاوية الغرفة. كان السرير مغطى بأغطية بيضاء ناعمة، يبدو وكأنه واحة مريحة وسط المساحة الواسعة.
صعدت إليف على السرير، حركتها كانت بطيئة ومليئة بالخمول. دخلت تحت الغطاء الزغبي الناعم، تسللت إلى عمقه حتى غطت جسدها بالكامل تقريبًا. لكن قبل أن تغلق عينيها، رفعت رأسها قليلاً من تحت الغطاء، ووجّهت نظرها نحو أندرو.
كانت نظرتها هذه المرة مختلفة، كانت مزيجًا من الامتنان والراحة. قالت بصوت ناعم بالكاد يُسمع، لكنها وضعت فيه كل لطفها: تصبح على خير.
أندرو، الذي لم يرفع عينيه عنها طوال الوقت، ابتسم مرة أخرى، وهذه المرة كانت ابتسامته أكثر دفئًا. لم يقل شيئًا، فقط أومأ برأسه بخفة، وكأنه يخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام.
عادت إليف تحت الغطاء، اختفت تمامًا باستثناء خصلات شعرها الطويلة التي انتشرت على الوسادة البيضاء. كان شعرها الأشقر يبرز بشكل جميل تحت الضوء الخافت القادم من المصباح الصغير بجانب السرير.
أندرو أعاد نظره إلى الحاسوب، لكنه لم يستطع التركيز بعد الآن. وجد نفسه ينظر بين الحين والآخر نحو السرير، حيث بدت إليف وكأنها غارقة في النوم العميق. كانت تنفّسها هادئًا ومنتظمًا، لكنه كان يشعر بوجودها، ويشعر أنه مسؤول عن حمايتها حتى وهي نائمة.
مرت دقائق قليلة، والساعة قاربت على الحادية عشرة. ترك أندرو الحاسوب بهدوء، استند إلى الأريكة، يراقب السرير للحظات أطول، وكأنه يتأكد أنها حقًا بخير.
همس لنفسه بصوت منخفض: تصبحين على خير، إليف.
ثم جلس بهدوء في مكانه، مستعدًا للسهر طوال الليل إذا تطلب الأمر، فقط ليطمئن أنها لن تشعر بالخوف مجددًا.
كان أندرو قد عاد إلى عمله بعد أن تأكد من أن إليف استقرت على السرير وغطت نفسها جيدًا. جلس على الأريكة، مستندًا بظهره، وعاد للتركيز على الشاشة أمامه. أصابعه كانت تتحرك بخفة على لوحة المفاتيح، يراقب الأرقام والمستندات المعروضة وكأنه في سباق مع الزمن لإنهاء مهامه.
الساعة تشير إلى الحادية عشرة وربع تقريبًا، والهدوء كان يسود الغرفة تمامًا، باستثناء صوت خفيف جدًا ينبعث من الحاسوب. كان يظن أن إليف قد نامت، لكن خطوات خفيفة مترددة قطعت ذلك الصمت، جعلته يرفع عينيه بهدوء.
رآها تقترب منه مرة أخرى، حافية القدمين، بيجامتها الحريرية تتمايل مع خطواتها الناعسة. عينيها نصف مغمضتين، وشعرها الطويل يتناثر. بطريقة عشوائية تضيف لمسة طفولية لمظهرها. لم تقل شيئًا، فقط تقدمت نحوه بخطوات خجولة وبطيئة.
قبل أن يتحدث، وجدت نفسها تجلس في حضنه مباشرةً. التفَّت ساقاها حول خصره بشكل طبيعي، وكأنها تبحث عن مكان آمن لتستقر فيه، ووضعت رأسها على كتفه. شعرت وكأنها قد وجدت راحتها أخيرًا، بعيدًا عن أي خوف أو قلق.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: 6 days ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

𝑰 𝑾𝑨𝑵𝑻 𝒀𝑶𝑼 𝑭𝑶𝑹 𝑴𝒀𝑺𝑬𝑳𝑭 𝑶𝑵𝑳𝒀 ❀حيث تعيش القصص. اكتشف الآن