"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك"
كيفَ لقلبٍ ظننتهُ يومًا موطني، أن يتحوَّلَ إلى منفى لروحي؟..
كيف لمن أحببتهُ حبَّاً يفوقُ الوصف، أن يزرعَ في داخلي هذا الكمِّ من الألم؟كنت أراكَ نورًا يضيءُ عتمتي، فإذا بكَ تصبحُ ظلًّا يلتهمُ ضيائي..
كنت أظنُّك سكينةً وسلامًا، فإذا بكَ تحملُ لي عاصفةً لا تهدأ..آهٍ من خيبةٍ جاءت ممَّن كان القلبُ يظنُّهُ الأمان..
خيبةٌ لا تُداوى، لأنَّ الجرحَ جاءَ ممَّن اعتقدتُ أنَّهُ الملاذ..كنتَ كلَّ أحلامي، فإذا بكَ تصبحُ كلَّ أوجاعي..
كنتَ كلَّ حياتي، فإذا بك تسرقُ منِّي حتى شغفَ البقاء..ما أقسى أن تكونَ سبب ضعفي هو ذاتك،
وما أصعبَ أن أبحثَ عن الشفاءِ من جرحٍ لا أريدُ نسيانهِ لأنَّهُ منَّك.أحببتكَ بكلِّ ما فيَّ، ولكن يبدو أن الحبَّ وحدهُ لا يكفي..
ربَّما أنا المخطئ، وربما أنتِ، لكن ما أعرفه أنَّ هذا الألمُ سيبقى شاهداً على حبٍ لم يُكتب له أن يكتمل.بمنزل ميرال
قاطعهُ صوتُ إلياس كالرعد، ونطقَ بنبرةٍ قاسيةٍ تحملُ من الغضبِ ما يجعلها ترتعش..نبرة قاسيةٌ في التحكُّمِ بكلِّ شيءٍ حوله:
"إن شاء الله هتسمِّيها...جثَّة"
اخترقت الكلمةُ دفاعاتها كطعنةٍ وشعرت بألمٍ يجتاحُ قلبها، حيث كانت تظنُّ أنَّهُ لن يفعلَ شيئًا بوجودِ أخيها، رفعت عينيها إليهِ وهو يقتربُ منها بخطواتٍ ثقيلةٍ باردةٍ كالليلِ الموحش، شعرت بثقلها يطبقُ على صدرها كصخرةٍ لا تُحتمل..كلَّ خطوةٍ يقتربُ منها تشعرُ بأنَّ الهواءَ يهربُ من رئتيها، دبَّ الرعبُ في أوصالها، وارتجفَ جسدها كطيرٍ صغيرٍ عالقٍ بين أنيابِ مفترس..تطلعت إلى نظرات عينيهِ التي يحرقها بها..فالتفتت إلى يزن وظنَّت أنَّ وجودَه سيكونُ حصنها بأوقاتها العصيبة، لكن نظراتهِ حطَّمت ماتبقَّى من أمانها..حدَّقَ بها كوحشٍ يتلذَّذُ بفريسته، وبصوتٍ جافٍّ كالسياطِ همسَ وهو يحاوطُ خصرها:
- مافيش حفلة رقص النهاردة...لمَّا نعمل حفلة، هبقى أجيبك تحيي الليلة."
كلماتٌ ماهي سوى كلمات ولكنَّها تحملُ في طياتها إهانة، بل سهامًا مسمومة، اخترقت أعماقها وأحالتها رمادًا..شعرت بالدموعِ تخنقها، لكن كبرياءها أصرَّ على ألا تسقط أمامه..تعلقت الأعين بتحدي ولكن ضغط على خصرها بقوة آلامتها ومازالت أنفاسه الحارقة تقتلها
-هحاسبك بعدين ...
اقتربَ يزن وابتسامةٌ لعوب وهو يرى غيرةُ إلياس الجنونية، وخاصَّةً حينما لفَّ ذراعيهِ يقرِّبها إليهِ، وهمساته و كأنَّهُ يحاولُ أن يبعدها عن عيونه، وصلَ إلى وقوفهما ثمَّ رفعَ يديهِ يمسِّدُ على خصلاتها، رمقهُ إلياس بعينينِ مشتعلتينِ بالغضب، وقاطعهُ بصوتٍ كالزئير:
"لو لمستها، هقطعلك إيدك."
صُعقَ من تهديدهِ الذي شعرَ به كالقنبلةِ انفجرت في المكان..فتوقَّفَ مذهولًا، غير قادرًا على تصديقِ ما يسمعه..لكنَّ إلياس لم يعطهِ فرصةً للاعتراضِ وأمسكَ بذراعيها بقسوةٍ جعلت الألمُ يندفعُ كتيَّارٍ كهربائيٍّ يصعقُ جسدها، حتى غُرزت أناملهِ في لحمها، أطبقت على جفنيها لتكبحَ آلامها، كانت تعلمُ ثورانهِ ولكن لم تكن تعلم أنَّهُ سيصلُ لتلك الدرجة،
رسمَ ابتسامةً باردةً على ملامحه وأردف:
-ميرال مكنتشِ تعرف إنَّك هنا، معلش يايزن هتطلع تلبس حاجة، ماهو انت لسة مهما كان غريب عليها
قالها وهو يرمقها بالصعودِ للأعلى، لكنها تحدته قائلة:
-بس يزن أخويا..قاطعها قائلًا:
-على فووووق..نطقها بنبرةٍ جافَّةٍ، وعيناهُ تقدحانِ شررًا يريدُ أن يخرجهُ ليحرقَ كلَّ ما يقابله.
صعدت بخطواتٍ سريعة، قلبها ينبضُ بعنفٍ في صدرها، وكلُّ نبضةٍ تهدِّدُ بأن تنفجرَ من رهبةِ حديثه..أغلقت البابَ خلفها بكفَّينِ يرتجفان، وعيناها تكادُ تدمعان..
يا لهوي عليك يا إلياس..معقول دي غيرة ولَّا جبروت؟
انتقلت بخطواتٍ ثقيلةٍ نحو المقعد، حاولت أن تلتقطَ أنفاسها، لكن كلَّ زفيرٍ كان يشعلُ نارًا داخل صدرها..فكَّرت في كلِّ ما فعلته، أرادت أن تراهُ يغار، أن يشعرَ بما تشعرُ به، أن يراها كما تراه...لكن يبدو أنَّ الأمرَ خرجَ عن نطاقِ السيطرة.
وفي تلك اللحظة، دُفعَ البابُ بعنف، وانفجرَ إلياس في الغرفةِ كإعصار..رمقها بعينينِ تتوهجُ بالغضب، وبدونِ أن يمنحها فرصةً للحديثِ اقتربَ منها بسرعة، وقبضَ على شعرها بشدَّةٍ ورفعها بعنف، فشعرت بكلِّ عضلةٍ في جسدهِ مشدودة، كجزءٍ من عاصفةِ ثائرة..جزَّ على أسنانهِ يهدرُ بعنف، وهي ترى ارتفاعَ وهبوطَ صدره:
- بتعاندي مين؟ مش قولتلك قبل ما أنزل لمِّي المحروق دا..
لم تستطع الرد..كأنَّ الكلماتَ لم تجد الطريقَ إلى شفتيها، ولم تكن قادرةً على تبريرِ ما فعلته، حتى وإن كان ما فعلتهُ لم يكن سوى محاولةٍ مستميتةٍ للاقترابِ منه.
لم يتوقَّف عند حديثهِ اللاذع ، بل مدَّ يديهِ لينزعَ عنها الرداءَ بعنف، حتى وقعت يداهُ على جسدها، حينها شعرت وكأنَّ قبضتهِ كالسلاسلِ التي تكبِّلُ روحها، صرخَ في وجهها كالصاعقةِ التي تضربُ قلبها:
- عايزة تخلِّيني مجرم ؟ قولي لي كام مرَّة اتخانقنا علشان الموضوع دا؟
نظراتهِ إليها بالاشمئزازِ كانت كطعنةٍ في صدرها، حينها شعرت وكأنَّها تتناثرُ كالزجاجِ المنكسرِ تحت قدميه، لتشعرَ بالعجزِ عن النطق...فاقت من مأساةِ مافعلت على دفعها على الفراش، فاستسلمت وكأنَّها فقدت قوَّتها بالكامل..والغضبُ يلتهمُ ملامحَ وجههِ كما لو أنَّهُ لا يستطيعُ التخلُّصَ من النيرانِ التي تشتعلُ في قلبه من نيرانِ الغيرة.
نهضت ببطء، اقتربت منه، واحتضنتهُ من الخلفِ تهمسُ له بنبرةٍ خافتة، وهي تشعر بأنَّ الحروفَ تتناثرُ من فمها بصعوبة:
- ممكن تهدى...من فضلك، علشان خاطري؟ أرجوك اهدى..أنا آسفة واللهِ كلِّ اللي فكَّرت فيه إنِّي أغيظك، أعمل إيه وأنا شايفة كلِّ كلماتك أوامر، عارف لو بس وقفت وقولت لي بغير عليكي، مش عايز حدِّ يشوفك كنت هبقى أسعد واحدة..
رغم قولها لتلك الكلماتِ البريئة، لكنَّها لم تكن كافيةً لتطفئَ لهيبَ الغضبِ في قلبه..
استدارَ إليها بسرعة، وتطايرت نظراتهِ كالسكاكينِ التي تشتعلُ بالغيرةِ وقبض على ذراعيها بشدَّة:
-أوامر!! شايفة خوفي أوامر، شايفة لمَّا أخاف على أهلِ بيتي ومابقاش راجل ديُّوث يبقى أوامر، فيه حاجات ياهانم ماينفعشِ فيها الرأي، لازم تتنفِّذ من غير مناقشة.
-بس دا أخويا، مش غريب والفستان مكنشِ مصيبة لدرجة إنَّك تعمل كدا، ماغادة بتقعد قدَّامك بجيب شورت، ولا مرَّة اعترضت.
-غادة مش مراتي، وأنا مش من النوعية اللي أبص لأختي..إنتي مجنونة دي مش زي دي.
-بس دا اخويا..عادي لو قعدت قدَّامه كدا حتى لو من غير هدوم، إنتَ جوزي وهوَّ أخويا، يعني مش غرب.
لحظةُ صمتٍ قاتلة، ليرمقها بعينينِ تشتعلُ كالنار، وقعت عيناهُ إلى صدرِ فستانها المكشوف، وكانت نظراتهِ تلتهمُ كلَّ جزءٍ فيها..
عادي لمَّا تقعدي جنبِ أخوكي اللي لسة عرفاه من أسبوعين كده؟ كأنِّك مش شايفاني؟
هزَّت رأسها محاولةً إقناعه، لاتعلم أنَّ كلماتها أشعلت نيرانَ أوردته، لم يرد عليها، بل دفعها بقوَّةٍ على الفراشِ مرَّةً أخرى ثمَّ قال بصوتٍ خافت:
-لو لسة باقية عليَّا ابعدي عن غضبي ياميرال، علشان لو غضبت عليكي بجد هخلِّيكي تكرهيني، وأنا مش عايزك تكرهيني، فيه بينا طفل، احترمي علاقتنا إنِّك مامته وأنا باباه.
توقَّفت مقتربةً منهُ تنظرُ إليه بألمِ قلبها الذي يتفتَّتُ من الوجع:
-بس أنا مش عايزة علاقتنا علشان ابننا ياإلياس، أنا عايزاك إنت.
-استدارَ يواليها ظهرهِ وأردفَ قائلًا حتى لا يقعَ تحت وطأةِ عشقه المؤلم:
-اجهزي ياميرال، أخواتك تحت...قالها وخطى بخطواتٍ سريعة، هرولت خلفهِ تمسكُ ذراعيه:
-إلياس لو سمحت بلاش القسوة دي..
نظرَ إلى كفِّها المتشبثِ بذراعهِ ثمَّ رفعَ عينيهِ إلى عينيها:
-مجروح وموجوع منِّك، مينفعش..
صمتًا ثقيلًا بأنفاسها المتقطِّعة، ودموعها التي خانتها دون توقُّف، ابتعدَ بخطواتٍ يشيحُ بنظرهِ عنها، يخشى أن يضعفَ أمامَ عينيها، حاول الهروبَ منها.
- "إلياس...بالله عليك بُصِّلي، ما تخلِّينيش أحسِّ إنِّي واقفة قدَّام واحد غريب."
قالتها بصوتٍ متحشرج، وكلَّ حرفٍ يخرجُ منها كطعنةٍ بصدرها.
رفعَ رأسهِ ببطء، ونظرَ إليها نظرةً واحدةً كانت كافيةً لتفقدها توازنها الداخلي.
"ميرال...أنا تعبت منِّك، تعبت من وجعي على إيدك، إنتي هدمتي كلِّ حاجة بإيدك."
قالها بصوتٍ خافت، ورغم خفوتهِ إلَّا أنَّ داخلهِ كألفِ عاصفةٍ تدمِّرُ كلَّ ما يقابله.
أنت تقرأ
شظايا قلوب محترقة
Mystery / Thrillerهو المغرور نصف وزنه كبرياء والنصف الآخر قصة لايفهمها العقول الصغيره،بحر متلاطم من الأفكار لا يبحر فيه السطحيون ، متمرد ولا يعجبه شى ،.بل متفرد مختلف لايرضيه اى ذوووق هي المزاجيّه المحكوم عليها بالفهم الخاطئ دوماً ، المتهمه بالغرور ، تداوي نفسها ذا...