المشهد 6

8.3K 284 15
                                    

#شوال_البطاطس 😍

#مشهد 6 
خرجت من الحمام بعد فترة طويلة وقد وصلت باعصابها إلى منتهى الاسترخاء بعد حمام طويل من المياة الدافئة وبعض الزهور العطرية التي تحب دوما أن تتمتع بها فتكون مهدئا لطيفا لأعصابها،
أفلتت منها تنهيدة حزينة وهي تقف أمام المرآة تتأمل نفسها ،  فتاة قصيرة شاهقة البياض بشعر قصير شديد السواد بتمويجات عديدة، و عيون سوداء واسعة ، و فم صغير بشفتين رقيقتين مرسومتين بدقة تُحبها، وأخيراً أنف طويل بعض الشيء لم تحبه يوما لكنها نجحت في التعايش معه بسلام ، زينت رقبتها بعقد ذهبي صغير  وارتدت ثوبا صيفيا خفيفا بلون أسود منقط بنقاط بيضاء مع إطار مزخرف من الذيل الذي لم يكن قد تجاوز ركبتيها و بوسطٍ مزموم أظهر منحنيات جسدها الغنية .
تنهدت مرة أخرى وهي تمسد ثوبها بيديها وقد تذكرت تلك النبرة المتسلطة لزوجها المستقبلي وهو يحذرها من الأثواب القصيرة كادت أن تفكر في تبديله لكنها تراجعت حين  تذكرت صورة تلك الحسناء الطويلة وهي في أحضانه  لتزم شفتيها في غضبٍ  بينما تتجه إلى باب غرفتها  لتبحث عن أي صحبة لعلها تشكل لها إلهاء يريح دماغها التي أوشكت في الانفجار  خاصة وقد فقدت سبيل هروبها الذي كانت تتقنه فلم تستطع أن تنام .

وجدت والدتها كما عادتها في الصالة الرئيسة تجلس بأناقة تليق بها وهي تتابع برنامجا بدا لها مملا جدا ، لكنها تقدمت لتجلس على أريكة مجاورة تحاول مجاراتها في متابعة التلفاز باهتمام مصطنع،
طال الصمت بينهما حتى رفعت عينيها فوجدت والدتها تتفحصها بتركيز قبل أن تسألها حين التقت أعينهما
"ما بك يا سدرة ؟! "
أرادت أن تجري إليها وتدس رأسها في حضنها لتتذوق ذلك الحضن الذي لا تعرف كيف من الممكن أن يكون ولتشكو لها كل شيء ، كل وجع الخيانة ، وكل مرارة الخوف  ، …
لكنها تمالكت نفسها كما تعودت دائما فحضن والدتها لم يكن متاحا يوما  لتقول بهدوء ظاهري تتقنه بمهارة
" لا شيء أمي ، أنا بخير "
صمتت والدتها قليلا لتقول بعد فترة  قصيرة بتردد وكأنها محرجة من الكلمات
" مبارك لك الزواج سدرة ، هذا الفتى رائع يبدو أن السعادة ستكون من نصيبك يا طفلتي ، تمسكي به هو و أحبيه لو استطعتي، ولا تسيري خلف والدك في أي شيء ، أنا لا أفهم ما يخطط له لكن كوني حذرة ولا تنساقي وراءه أبدا  ، تحرري من قيودنا جميعا فكلنا أنا  والدك وكل من هنا لا يهتم سوى لنفسه وحسب "
نظرت سدرة إليها بصدمة وهي تستوعب مرارة الكلمات وذلك الوجع المغروس، فيها أرادت أن تواسيها لكنها لم تفهم و لم تعرف ماذا من المفترض أن تفعل ، سلمت نفسها لغريزتها فاقتربت بهدوء لتجلس على نفس الأريكة التي تجلس عليها والدتها  وتمد يدها فتلامس كف والدتها دون كلمات وقد تلاقت الأعين  في لفتة مواساة متوترة الأجواء ، زادت صدمتها وفقدت قدرتها على الاستيعاب  حين وجدت والدتها تجذبها إلى حضنها ، كان تلامسا خفيفا لكنه سرى في قلبها كمسكن لكل آلامها و بلسم لروحها وملجأ للراحة لم تعرف بوجوده من قبل ،
ابتعدت كلتاهما سريعا  في خجل من المشاعر الجديدة التي تسيطر على الأجواء لكنها ظلت متمسكة بكف والدتها
" يكفيك أنك لن تذوقي مرارة الخيانة يوما ، مرارتها كالأشواك في الحلق ، تعجزك عن التنفس وعن الكلام وعن كل شيء حتى الحياة ، قاتلة هي لكنهم ينكرونها فتظلين معدودة من الأحياء وأنت بلا نبض .."
وجدت نفسها تندفع إلى حضن والدتها وقد سقط قناع التماسك وانهار السد فانهمرت دموعها بقوة وهي تقاطعها قائلة من بين شهقات بكائها
" لكنه فعل يا أمي …."
ابعدتها والدتها عن حضنها بينما تقاطعها و تمسكها من أعلى كتفيها قائلة بحزم لم تره منها من قبل
" لا ، لن يفعل إياك أن تصدقي ذلك عنه ، أنه ابن أبيه  ، عمك كان نهرا من الوفاء ، حين ماتت زوجته الجميلة ظل وفيا لها لم يقبل ضغوط جدك وأبيك له ليتزوج بأخرى ، حتى أنه أخذ أولاده وهرب بعيدا لكي لا يفعل ، … لن يخون أنا على يقين من ذلك يا سدرة "
أخذت تنظر إلى والدتها بضياع تحاول أن تفكر في كلماتها لكنها تشتت وهي ترى تلك الدموع التي سالت على وجنتي والدتها فاسالت كحلها وأفسدت تلك المثالية التي لم تفارقها  كانت صورة غريبة جدا عليها وبدت أقرب إلى قلبها كثيرا ، فقط للحظة قبل أن تنتفض والدتها بعيدا وكأنها قد شعرت بما تفكر فيه وتنهض مغادرة بسرعة وتقول
" أنا سأغادر أحتاج أن أعيد تجهيز نفسي عندي اجتماع بالجمعية بعد ساعة الآن "
اكتفت بهزة من رأسها وهي تدفع نفسها لتستند إلى ظهر الأريكة وترفع قدميها وتحتضن نفسها وتحاول تمالك أعصابها فهذه المصارحة العجيبة قد استنفذت طاقتها سترتاح فقط لبعض الوقت ثم ستصعد لتبحث عن هاتفها وترى ماذا ستفعل .

يتبع

أسيرة بلا قيد ( شوال_البطاطس 😅)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن