المشهد 29

4K 178 13
                                    

صباح البنفسج 🌸💜

#مشهد 29  
تقف على باب غرفة ابنتها في المستشفى بانتظار خروج الطبيب ، تنظر أمامها بنظرة خاوية وعينين لا يصدق من يراهما أنهما قد نبضتا بالحياة يوما ، حين رفعت رأسها لمحته هناك يقف في انكسار لم يرف له جفنها بل لربما زادها حقدا عليه ، فليس عليه أن يفتعل تأثرا لا يعنيه ، خاصة وهي على يقين أنه وراء كل ما حدث لابنتها، ربما هي مذنبة لكنه هو المذنب الأول في القائمة التي تطول وتطول، فابنتها لم تنل في حياتها سوى الخذلان من كل من كان من المفترض أن يساندها يوما ، 

 اقتربت إليه في تحفز وشرارات الغضب تتطاير من عينيها توشك أن تحرقه، خاصة وقد رفع وجهه إليها يقابلها بنظرات ضعيفة مذنبة لم تؤثر بها فأكملت اقترابها بثبات ظاهري حتى وقفت بجانبه تماما في مواجهة كانت هي الأقوى فيها ربما للمرة الأولى في حياتها لتقول له بصوت يبدو هادئا لكن حدة التهديد والقوة فيه كنصل مميت
-حذرتك وأخبرتك أن تترك أبنتي وشأنها فلم تستجب ، لا تظن أنني ضعيفة لأنني عشت دهرا أقبل بما تتكرم علي به من فتات الحياة، كن متأكدا يا مراد أن حياتك لن تكفيني ثمنا لانتقامي إذا أصاب ابنتي مكروه !!
رد وهو ينظر  إليها مجيبا بعنف
-إنها ابنتي كما هي ابنتك ، وأنا لم أكن لأوذيها عامدا أبدا
لم تستطع تمالك نفسها فخرجت ضحكتها عالية لفتت الانتباه من حولهم لتعلو نظرات الاستنكار الوجوه فلا تأثر فيها للمرة الأولى بحياتها بينما تقترب منه أكثر وتقول بصوت أقرب إلى الهمس
-هل تخدع نفسك يا مراد أنت مجرد أناني لعين حتى المرأة التي أحببتها يوما لم تسلم منك وماتت أو ربما قُتلت ثمنا لأنانيتك !!!
ثم التفتت تاركة إياه ينظر في اعقابها بعينين مفتوحتين  في ذهول مخيف وكأنهما تكادن تخرجان من محجريهما لتخرج هي الهاتف وقد استعادت هدوءها وعزمت على إجراء مكالمة تأخرت عنها كثيرا.

أوشك على الاصطدام عدة مرات وهو يقود بجنون لم يستطع تجاوزه وقد باءت كل محاولاته لتمالك أعصابه بالفشل، لم يعد يهمه سوى أن يصل إلى المشفى سريعا دون اصابات ، حين وصل بأعجوبة قفز بسرعة من السيارة متوجها إلى الداخل وهو يعيد الاتصال بوالدة زوجته التي كانت قد طلبته منذ ما يقارب الساعة .

حين كان في مكتبه كالعادة يتابع عمله بحيادية تامة وتركيز عالي وكأنه لم يُرفض بمنتهى الإهانة منذ بعض الوقت ، ثم دق هاتفه برقم لم يمر عليه من قبل وحين تجاهله كما يفعل مع الارقام الغريبة دوما ، زاد المتصل إلحاحا وإصرارا ليضطر في النهاية للرد ويفتح الخط دون كلام
فليصله صوت ارستقراطي شديد البرودة شعر لوهلة أنه ليس غريبا عليه
- معاذ معي ؟!
فيرد بحذر
-نعم ....
لحظات مرت ثم سمع تنهيدة لم يستطع تخيلها تخرج من نفس ذات الشخص مع كل البرودة التي غلفتها ويأتيه الكلام كقذيفة تعرف هدفها جيدا فينقبض قلبه قبضا وهي تقول
-أنا والدة سدرة ..
هناك أمر حدث وأنا أكيدة أن لا أحد سيهتم ليخبرك ، لكنني أظن معرفتك مهمة جدا حتى برغم قرار سدرة الأخير بالإنفصال....
كانت تتحدث ببرودة أصابته بقشعريرة لا يجد لها وصفا سوى أنها شنيعة وكأن الصقيع تناثر من حوله حتى يكاد نبضه يتوقف بردا

تحفزت كل خلية في جسده في انتظار القادم والذي كان أشد وجعا مما ظن يوما
-وقع حدث ما لسدرة وهي الآن بالمستشفى اطمئن ليست هناك اصابات لكنها لم تفق بعد منذ سقوطها بالأمس .

لا يستطيع استيعاب ما حدث بعد ذلك هل انهى المكالمة ام لم يفعل بل وكيف عرف عنوان المستشفى كل ما يعرفه أن في صدره انقباضة قوية تؤلمه ، تولمه للغاية ألما لم يذق طعمه من قبل وهو الذي فقد الكثيرين من حوله ، لكن فكرة فقدها مميتة ، نعم هذا الوصف المناسب تماما لما يشعر به الآن وهو يطوي الأرض تحت قدميه ليصل إلى حجرتها وكأنه يترقب لحظة الحكم عليه إما بالموت أو الخلاص .

حين وصل كان المكان هادئا ولا أحد هناك إلا عمه مراد والذي كان يجلس بإنهاك على كرسي بجوار الغرفة ، لم يتجرأ للدخول مباشرة وقد اعترف لنفسه أنه كان خائفا مما قد يجد لذلك اقترب من عمه ليسأل بجفاء
-ما وضعها الآن هل أفاقت ؟!
رفع عمه إليه عينين ضائعتين لا حياة فيهما قائلا
-لا .. ...
صمت للحظات منتظرا تعقيبا أو توضيحا وحين لم يجد أضاف بنزق
-وماذا قال الطبيب عن وضعها ؟!
حين طال الصمت وبدا أن عمه ليس في وعيه على ما يبدو جازف أخيرا بالاقتراب من الغرفة داقا الباب فيصله صوت حماته قائلا

- أدخل
دخل بتوجس ليجد حماته واقفة في هدوء ولا شيء يوحي بتأثرها  لولا لطخة خفيفة من كحل عينيها يبدو أنها سالت مع دمعة خائنة لوثت وجهها لأقسم أنها بهندامها وشكلها هذا في اجتماع عمل لا في غرفة ابنتها المريضة التي لم تفق منذ الأمس
لم يطل النظر إلى حماته وعيناه تبحث عنها،وقد دله قلبه على مكانها

علت دقات قلبه حتى كادت تصم أذنيه وهو يقترب منها بخطوات مرتعشة وقد رآها تتوسط سرير الغرفة وتغط في نوم وديع يليق بها لولا شحوب وجهها وبعض الأسلاك الموصولة بيديها لكان قال أنها فقط منهكة في قيلولة بعد جولة سباحة مرهقة أو ربما بعد مكالمة جافة مؤذية من مكالماته التي طالما ضايقها بها 

سأل بصوت جاهد ليخرجه ثابتا دون ارتعاشة كالتي تهز روحه 

-ماذا قال الطبيب؟!
جائه صوت حماته من خلفه قائلا بهدوء
-لا شيء عضوي بها ويرجح الطبيب أن الأمر نفسي...
انتفض قائلا
-جبانة تهرب كالعادة ...
علا صوت حماته وقد تخلله العزم وغلفته البرودة من جديد
-ابنتي ليست جبانة وأنا واثقة أن ما حدث لها كان فوق طاقتها ، ثم يا سيد معاذ لا تتشدق برميها بالجبن لتخليص نفسك من ذنبها ...
التفت إلى حماته بغضب وهو يقول
-أنا لم أفعل لها شيئا بل لم أرها ولم أكلمها منذ مدة ؟!

ضحكت ضحكة مريرة لا مرح فيها وهي تقول
-ما حدث لها ليس وليد الأمس وحده يا معاذ إنها تراكمات ما فعلتموه بها،  لكنكم جميعا تجيدون ارتداء ثوب البراءة فوق قذارتكم تلك.
أراد للحظة أن يصيح بها وأن يوقفها عن التطاول لكن أوقفه منظر هذه المسكينة التي تنام بلا حراك هنا وذلك الشعور المخزي بالذنب وهو يتذكر صوتها المتألم في آخر مرة حدثته بها ليسأل متجاهلا كل ماقيل
-من كان معها حين سقطت بالأمس ؟!
جاءه الجواب بما جعل أعصابه تفور وهو يسمع والدتها تقول
-والدها ورامي على ما أظن ..
التفت إليها بحدة عاقدا حاجبيه قائلا
-رامي وماذا كان يفعل معها رامي ؟!
نظرت إليه والدتها بقوة وثبات بينما تقول
-قلت لك والدها ورامي ورامي إذا كنت لا تذكر فهو ابن عمها كما أنت ابن عمها تماما
خرج صوته مرتفعا بلا إدراك منه
-أنا زوجها ولست ابن عمها وحسب ، أما ذلك البغيض فحسابه معي أنا فيبدو أنه يحتاج حقا من يوقفه عند حده وأنا له .
قبل أن يميل إلى سدرة فيقبل جبينها ويهمس لها قائلا
-لن أتأخرعليك أفيقي يا صغيرتي الحمقاء ريثما أعود.....

#خلود

أسيرة بلا قيد ( شوال_البطاطس 😅)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن