مشهد 23

4.9K 214 15
                                    

#مشهد 23

أغلقت باب السيارة خلف خالة معاذ بعد أن ساعدتها بالجلوس وقد تطوعت لتوصيلها بسبب انشغال معاذ المفاجىء ، استدارت بطء حول السيارة وهي مغمضة عينيها وقد أخذت تستنشق الهواء بقوة ثم تخرجه زفيرا بطيئا في محاولة لتخفيف التوتر الذي يفتك بأعصابها ، لقد عرضها معاذ لهذا الموقف عامدا ، ليضعها في قمة الحرج وهي التي كانت قد جاءته لتنهي كل شيء وتعيد الأمور إلى نصابها ، لكنه بلا عدل هاجمها وأنتزع أسلحتها بسهولة مغيظة وهو يجبرها على الاعتراف بحبها بلا هوادة ثم يشرع كل قوته وأسلحته في وجهها بساحة معركة لا تناسب فيها ولا توازن بين الجانبين ، معركة لا خاسر فيها سواها .

بعض الحب كساد للروح...

ليتني انفضك لأستعيد نضارة قلبي..

بعيدا عن طيفك..

وعن وهن روحي وشوقي إليك

كانت ضربته التالية وهو يطلب منها إيصال خالته، تلك المرأة الحنون الودود التي سلبت لبها ببساطتها وجمالها الطبيعي الأخاذ، والتي حتما سيكون ابلاغها أو التلميح لها بأن الانفصال بينها وبين معاذ أمر حتمي- هو كارثة حقيقية  لن تتقبلها مهما حاولت تهذيب كلماتها .

لمسة خفيفة على كتفيها جعلتها تجفل لتجد الخالة تنظر إليها باستغراب بينما تقول
-بسم الله عليك يا ابنتي ما بك ، لماذا فزعت هكذا .

ردت بحرج 

-لاشيء خالتي لا شيء مطلقا ….. كنت قد سهوت فقط .
عادت اللمسة بحنان كان يستنفد طاقة تماسكها

-ماذا فعل لك ذلك الأحمق الغشيم،  لا تهتمي لكلماته الغاضبة إنه يحبك في أعماق نفسه لكنه يقاوم فقط.

ضحكة ساخرة كادت تخرج من شفتيها لكنها ابتلعتها في داخلها في اللحظات الأخيرة وبقيت بلا رد لتردف الخالة بضحكة رائقة

- أنت لا تصدقينني، حسنا لك كل الحق فأنت لا ترين معي النجوم التي تلمع في عينيه حين أسأله عنك.

هنا لم تعد تستطيع كتم ضحكتها فخرجت صافية برغم بعض المرارة فيها وهي تقول من بينها 

-لا أستطيع تركيب النجوم ومعاذ في جملة واحدة خالتي،  ألم تري كيف كان سيأكلنا حين جدّ له ذلك الاجتماع المفاجئ.

ضحكت الخالة وهي تغمز بعينيها قائلة

-سيأكلك أنت وحدك حبيبتي لن يحتاجني بشيء،  لكن أحرصي على أن ينتظر إلى ما بعد الزفاف.

شهقة خرجت منها ووجنتيها تشتعل بحمرة الخجل حتى أنها كادت تفقد سيطرتها على السيارة لتقول الخالة بهلع 

-اهدئي حبيبتي ستقتليننا،  لا عليك مني سأصمت حتى نصل فذلك الأحمق لا يستحق أن نموت فداه.

تنفستا والضحكات الخفيفة تنساب بينهما بهدوء لا يقطعه سوى توجيه الخالة التي كانت ترشدها لمكان بيتها بطريقتها الظريفة.

حين وصلتا ووقفت السيارة بهما التفت لها الخالة قائلة وهي تسحب يدها لتمسكها بين كفيها بحنانها الغامر

-سدرة جميلتي الصغيرة،

أريد أن تعرفي شيئا من الماضي لعلك ترسمين مستقبلا أفضل لك ولمعاذ

تأكدي أنه يحبك حقا لكنه مشوش جدا، فمازالت ظلال الماضي تهلكنا جميعا، 

أمه كانت  جميله جدا لطالما كنت أغار منها يا فتاة، لو  كانت هنا لأحبتك كثيرا، اه لو كانت عاشت لهذا اليوم، لكنه قدرها والحمد لله، 

أريد فقط أن أحكي لك شيئا، هناء أم معاذ كانت شاعرة حالمة تتبع مشاعرها وتسير في اندفاعها دون إدراك للعواقب، 

حين كانت بعامها الأول بالكلية أحبت أستاذها الشاعر الموهوب المتمكن ، ثم فاجأتنا بأنه يريد أن يتزوجها ولم يستطع أحد منا الوقوف في وجهها،  لم تكن طامعة به كانت مبهورة جدا ولم تعط نفسها وقتا لتتبين مشاعرها إلا بعد أن كانت الريم قد أتت، طلقها الاستاذ حين علمت زوجته عن زواجه السري ، 

بعد عامين تعرفت على والد معاذ في الكلية أيضا ، كان شاعرا كذلك وأغدق عليها بأشعاره حتى غرقت في هواه،  لم يحبها أحد في عائلتك، كانت فقيرة مطلقة وأما لطفلة صغيرة، كل ذلك لا يعني سوى أنها طامعة وصولية لكنها كانت عاشقة وحسب. أقسم لك أنها أحبته كما لم أرى حبا من قبل،  كانت تشرق في وجوده كأنه شمسها الأبدية، وكان معاذ بذرة هذا الحب،

ثم انطفأت فجأة أنا لا أفهم ولا أعرف كيف ولماذا، ولم يمنحني القدر وقتا لأفهم فقد غادرتنا إلى بارئها وغادر عمك هربا من العالم بأسره.

ظلت الريم معي حتى أخذها أخوتها بعد. وفاة والدها،  بينما لم أستطيع الوصول إلى معاذ حتى تواصل معي بعد وفاة عمك، وجدته يطلبني ويكلمني ثم بعدها بفترة وجدته هنا على باب بيتي منهارا لا أعرف ماذا حدث له بقي هنا مريضا لأيام يعاني من الحمى ويهلوس بالكثير عن أمه وأبيه والشعر والحب ، حتى استفاق أشد مرارة مما عرفته أبدا.

لكن صدقيني لم أرى ابتسامته صافية كما أراها حين أمازحه عنك أو أذكرك له، إنه يحبك صغيرتي وأنت أرى في عينيك حبه صريحا واضحا،

إياك أن تسمحي للماضي أن ينال منكما، اجعلي من حبك وحبه سدا لا يوهنه ماضٍ قاتم ولا مستقبل مجهول.

كانت الدموع تتساقط بلا هوادة وصوتها يعلو بالبكاء وهي تقول من بين شهقاتها

-الجميع يحارب الحب يا خالتي أبي ورامي وجدتي والماضي حتى معاذ نفسه يحاربه بكل قوته، لقد أخبرني بصريح العبارة أنه يكرهني.

ضربتها الخالة ضربة خفيفة على كتفها قبل أن تسحبها في حضنها قائلة 

-أيتها  الغبية أم تقرأي ولو لمرة رواية من الروايات  الرومانسية لتجدي البطل وهو يقول لبطلته أنه يكرهها بينما هو يعني أنه يحبها  ؟!

يا إلهي يبدو أنه كتب على أن أعاني كثيرا،  لقد كنت متكفلة باثنين من الحمقى معاذ وريم، لكن لا بأس سأضمك إلى قائمتي معهم. 

تعالت ضحكاتها من بين الدموع وهي تدس نفسها في ذلك الحضن الدافئ لتقول 

-يسعدني أن أكون حمقاء إذا كنت ستأخذينني في كنفك وحضنك هذا خالتي.

#أسيرة_بلا_قيد
خلود عزالدين

#تراتيل_البنفسج
#شوال_البطاطس 🍠😁

أسيرة بلا قيد ( شوال_البطاطس 😅)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن