3

5.9K 267 2
                                    


ظلت ديما تحدق في الصورة التي تجمع بين باسل وزوجته الثانية بوسي ، كانت ديما ذات ملامح هادئة جمالها طبيعي يخلو من تدخل الكيماوييات ، يجذبك سكونها وبراءتها على عكس بوسي ذات الجرأة الصارخة في كل ما يخصها ،لقد أحبته أكثر مما يستحق هكذا كانت ميرنا تخبرها بعد انفصالها عنه مباشرة ، قد تكون محقة ولكن حتى هذه اللحظة وبرغم تفضيله لأخرى عليها إلا أنها لا تشعر بأن حبها له أكثر مما يستحق بل تشعر بأنه يستحق أكثر من ذلك ، قد يكون المثل القائل بأن " مراية الحب عامية " صحيح ، أحبه رغم كل شئ رغم كرامتي التي جرحت على يديه و رغم الخنجر الذي أشعر به ينغرس بين ثنايا قلبي ليمزقه كلما تخيلت أنه يمكن أن يكون بين أحضانها مثلما كان بين أحضاني ، شردت بخيالها متذكرة أول لقاء لهما معا ...
-----------------
إلتفتت ميرنا إلى ماري قائلة بتأفف: يلا يا ماري ولا هنبات هنا يعني ؟
ماري: طب أعمل إيه يعني؟ ما هو شريف هو اللي اتأخر
- يوووه ... ما كنا روحنا لوحدنا وهو جه ورانا على راحته
قال شريف غاضباً وقد وصل: لا مافيش واحدة فيكوا تمشي من غير ما أكون معاها أنتوا فاهمين ؟
أجابته ماري بدلال: طبعاً ... احنا لينا مين غيرك ؟ .. وأكتر حاجه بأحبها فيك هي شهامتك ورجولتك دي
هدأ شريف وقال بحب: وأنا بأحبك كلك على بعضك كدا
قاطعتهم ميرنا متنحنحة: إحم إحم ... نحن هنا يا سادة
شريف: طب يلا بقى عشان ما تتأخروش أكتر من كدا
انطلقوا جميعا متخذين وسيلة النقل العامة التي لا تكلف الموظفين خصوصاً أخر الشهر قرشا واحداً إنها "الموتورجل" ، كان شريف يسير معهم لكنه يتقدمهم بخطوتين ويتابع الحديث حتى توقف يشتري شيئاً لتأكله ماري فهي دائماً وأبدا ستبقى "ماري مجاعة" .
وقفت ماري بصحبة ميرنا منتظرين عودة شريف ، عندما تقدم منهم أخر شخص توقعت أن تراه ... رامي !
نظر لها رامي بشوق استغربته هي: إزيك ؟
أجابته مذهولة: الحمدلله ... أنت بتعمل إيه هنا ؟
ابتسم لها إبتسامته الساحرة: لو قولتلك وحشتيني هتصدقيني؟
نظرت كلاً من ماري وميرنا إليه باستغراب شديد فتابع: توقعت إنك مش هتصدقي ... خلاص وحشتني غلستك يا ميمي
اشتعل الشرار بداخلها بسرعة البرق ، قالت بغضب: ميمي! أنت هتصاحبني ولا إيه؟ ... روح إلعب بعيد يا شاطر
اتسعت إبتسامته وقال مغيظاً إياها: ولو عايز ألعب هنا هتعملي إيه ؟
اعتدلت في وقفتها وقالت بثقة: هأخلي شريف يعلمك إزاي تلعب هنا بعد كدا !
تغيرت ملامح وجهه بالكامل وقال بضيق: الواد اللي كان ماشي معاكوا دا صح ؟
- واد مين ؟... لتكون تقصدني أنا بالواد مثلاً ؟
إلتفتت الفتاتان فوجدتا شريف يقف خلفهما ، وظلتا تنظران تارة إلى شريف وتارة إلى رامي وكلاً منهما يحمل في عينيه نظرة تصميم عندما قال رامي بتحدي: كنت باتكلم مع ميرنا مش أكتر
شريف بشك: وتتكلم معاها بصفتك إيه؟ ... وأنت مين اصلاً ؟
أجابه: أنا رامي فريد رجل الأعمال
نظر له شريف بسخرية قائلاً: أيوه وبعدين ؟ أعملك إيه يعني؟
ابتسمت ميرنا من رد شريف ونظرت بتحدي لرامي ، شعرت ماري بتكهرب الأجواء فخافت أن يتأذى خطيبها من جراء تحديه لرامي فهو رجل أعمال ذو نفوذ كبير فقالت مسرعة: دا شريف خطيبي يا أستاذ رامي ... شريف الأستاذ لما شافنا واقفين جه يسلم علينا مش أكتر مافيش حاجه يعني.
تنهد رامي براحه كأنه شعر بحمل كبير ينزاح عن كتفيه ، مد يده مبتسماً لشريف: تشرفت يا أستاذ شريف
تقبل شريف تحيته ببعض الشك: أهلاً بيك
رامي: شكلكوا مروحين ... ما تيجوا أوصلكوا ؟
شعرت ميرنا بالضيق فهي لا تريد أن تبقى معه دقيقة أخرى لذلك شعرت بالراحة من رد شريف الحازم: لا معلش مرة تانية
لاحظ رامي نظرة الراحة في عيني ميرنا فزاد إصراره على إصطحابهم: لا لازم أوصلكوا عشان أحس إنه أنت سامحتني على الطريقة البايخة اللي كلمتك بيها دي
ابتسم شريف بطيبة خاطر قائلاً: لا ما حصلش حاجه يا أستاذ رامي
عاتبه رامي قائلاً: لا أستاذ ايه بقى؟ خلينا صحاب وقولي رامي وهأقولك شريف تمام؟
وافق شريف بترحاب: تمام
رامي بحزم: خلاص ما دام بقينا صحاب يبقى لازم أوصلكوا يعني مش معقولة يبقى عندي عربية وأسيب صاحبي يمشيها لا وكمان معاه بنتين ومش لازم نتعبهم ولا إيه؟
أومأ شريف موافقاً وكأنه أعلن إعدام ميرنا فقد ارتجف جسمها وشعرت بالحنق على ذلك المدعو رامي ولكن ما باليد حيلة !
----------------
ذهبت لزيارة مراد الشناوي ، ذلك الرجل الذي يبلغ السادسة والخمسين من عمره ، لقد أحبته كثيراً وتعلقت به بشدة منذ أن تعرفت عليه عندما كان بصحبة والدها أثناء زيارته لها في لندن حيث كانت تكمل دراستها الجامعية ، لقد دخل قلبها فقررت أن تبقى دائماً على اتصال معه وبالفعل هذا ما حدث ، حتى توفي والدها فانقطعت على العالم لفترة ليست بقصيرة ، هكذا هي عندما تفقد شخصاً عزيزاً على قلبها تنعزل وتحيا على ذكراه ولو لفترة قصيرة من الزمن ، ولكن عند عودتها إلى القاهره وعلمها بمرض مراد ذهبت إليه وكأنه تخاف أن تفقده كما فقدت والدها.
ما إن وصلت حتى سحبتها الخادمة قائلة بارتباك: إنتي اتأخرتي كدا ليه؟ باسل بيه ما بيحبش حد يتأخر عن معاده ... بصي أهو المكتب ادخليله وربنا يستر بقى
لم تفهم ما يحدث حاولت أن تشرح لها أنه بالتأكيد حدث سوء تفاهم لكنها لم تمهلها ، فقد طرقت الباب قبل أن تدفعه وتدفعها إلى الداخل ، حيث وقفت متسمرة من الصدمة ، أول ما رأت فيه كان ظهره المستقيم وشعره الأسود الناعم وسمعت صوته الجهوري وهو يقول غاضباً: ساعة ونص تأخير ؟ ... ليه كل دا ؟
حاولت الحديث ولكن الكلمات خرجت متقطعة فظهر عليها إحساس بالذنب أو هكذا رأه : أكيد فيه حاجه غلط أنا ....
قاطعها بقوة: مافيش داعي تقولي مبررات ... مهما كان المبرر بتاعك قوي فأنا أسف ما عنديش شغل ليكي تقدري تمشي
صدمها موقفه المتعجرف وشعرت بالشفقة على تلك التي يخصها بحديثه فهي ستخسر وظيفتها بسبب تغجرفه وغروره ، لم يشعر بمغادرتها فإلتفت إليها لتلتقي نظرتهما وينظر كلاً منهما في عين الأخر بقوة وفي تلك اللحظه فُتح الباب
- في إيه يا باسل؟.... صوت واصلي الأوضه فوق !
باسل بإعتذار: أسف يا بابا على الإزعاج بس الهانم كان معادها من ساعة ونص ولسه فاكرة تيجي دلوقتي
نظر الأب إلى الفتاة الواقفة ثم هتف بسعادة: ديما ! ديما أنا مش مصدق نفسي أني شوفتك تاني ... تعالي تعالي
اتجهت ديما إليه بسعادة من ترحبيه الشديد بها على عكس ما حدث لها منذ قدومها إلى هذا المنزل ، علت الدهشة وجه باسل فقال مستغرباً: أنت تعرفها يا بابا ؟
أجاب الأب بثقة : أيوه طبعاً دي ديما بنت صديقي شهاب الدين الفاروق ... أقدملك يا ديما ابني باسل
تقدم باسل إليهم فاستطاعت رؤية ملامحه بشكل أوضح وعينيه شديدتي السواد وقد نظرت بضع خصلات من شعره البني الناعم فوقها محاولة إخفاء سحرهما بفشل ، شعرت بدقات قلبها ترتفع فأخفضت بصرها مسرعة فقد تذكرت حديث الرسول صلّ الله عليه وسلم " العينان تزنيان ، وزناهما النظر ".
مد يده ليسلم عليها فأحمرت خجلاً قائلة: أسفة ما باسلمش على رجاله
صدم من كلماتها فكيف هي ابنة صديق والده التي يذكر أنها تدرس بالخارج وترتدي الحجاب بملابس واسعة محتشمة بالاضافة إلى أنها لا تسلم على الرجال ... إنها عملة نادرة في هذا الزمان ، شعر بأنه أحرجها فحك رأسه معتذراً: معلش أنا افتكرتك الممرضة اللي أتأخرت عن معادها
هنا تذكرت طريقته في الكلام معها عندما ظنها الممرضة فقالت بحنق: بصراحة طريقتك في الكلام غير مريحة وما ادتنيش فرصة اتكلم والحمد لله إنه مش هي اللي سمعت الكلام دا لإنه أكيد واحدة شقيانة وتعبانة وكلام زي دا هيزود عليها تعبها ، ياريت تبقى تديها فرصة للكلام يمكن تقدر تقنعك وإذا ما كانش يفرق معاك أنت إذا كانت هي أو غيرها يشتغل فهي أكيد هيفرق معاها حاجه زي كدا ! ... وياريت ما تعملش اللي بيشتغلوا عندك كأنهم عبيد لإنهم بشر زيك وإفتكر إنه الدنيا دواره وإنه إنهارده ليك بس بكره مش بعيد يبقى عليك.
صدم من مهاجمتها له بتلك الطريقة وبدأ الشرار يتطاير من عينيه لكن والده استدرك الموقف قائلاً: إنتي رجعتي إمتى يا ديما ؟
تنهدت ديما فقد انقذها من ذلك الموقف الذي وضعت نفسها فيه: من يومين .. يدوب ظبطت أموري وقولت لازم أشوفك خصوصاً لما عرفت إنه حضرتك تعبت
ابتسم لها بفرحة: ربنا يكرمك يا بنتي ويحميكي من كل شر والله فيكي الخير أنا لما لاقيت أخبارك اتقطعت قولت نسيتيني ومش هأشوفك تاني خلاص
امسكت يده بقوة بين يديها وقالت مبتسمة: هو أنا اقدر بردو ؟ .. انا انعزلت عن الدنيا كلها مش عنك بس
كسى الحزن وجهه بعد أن جلس وقال متنهداً: الله يرحمه .. شكلي هاحصله قريب
اسرعت ديما لتجلس بجانبه وقالت بفزع: أوعى اسمعك بتقول كدا تاني دا أنا حسيت إني اتعرفت عليك عشان ربنا يعوضني بيك يا بابا
نظر إليها والسعادة تشع من عينيه: وإنتي أحلى بنت في الدنيا
قال باسل مقاطعاً: مش معاد الدوا جه ولا إيه يا بابا ؟
نهض الأب: طيب هاروح أخده ... تعالي معايا يا ديما أخد الدوا ونكمل كلامنا عايز أعرف أخر أخبارك بالتفصيل
غادرا المكتب حيث ظل الأب يتحدث إليها ويخبرها بما حدث له ، ولكنها ظلت تفكر في باسل متذكرة عينيه السوداوين وحركته الطفولية عندما حك رأسه مبتسما كأنه طفل صغير يشعر بالذنب فعلت وجهها الإبتسامة ...
أفاقت من شرودها على ظل يغطيها فنظرت لأعلى مندهشة ثم نهضت قائله: أستاذ نعيم!
ابتسم لها قائلاً: أتمنى تكون رؤيتي فرحتك ما زعلتكيش
أجابته مسرعة: طبعاً طبعاً دا أنت تشرف اتفضل استريح
جلس ونظر لتعلو ملامح وجهه الجدية قائلاً: من غير لف ولا دوران هأكلمك بصراحة شديدة وخصوصاً إنه مصلحتك تهمني
أومأت موافقة وقد شعرت بالقلق للهجته: إنتي بعيدتي كتير وأخدتي جنب بزيادة أعتقد المدة اللي فاتت دي كافية عشان ترجعي تعيدي حساباتك من تاني وكفاية أوي الفترة اللي فاتت دي ... بس أكتر من كدا إنتي كأنك بتدوسي برجلك على كل اللي بناه والدك -الله يرحمه- وكأنك بتقوليله اللي أنت تعبت فيه وبنيته في سنين أنا هأهده في ثواني
بدأت الدموع تتساقط من عيونها لذكر والدها -رحمه الله- ولكنه تابع دون أي تأثر: إنتي انفصلتي عنه وهو شاف حياته وإتجوز غيرك وشركته عماله بتكبر وإنتي شركتك بتتدهور إن ما كانش أكتر من كدا ولو ما رجعتيش تمسكي الشركة من تاني وتثبتي وجودك هتفلسي
شعر ببعض اللا مبالاة في ملامحها فأضاف: مش مهم الفلوس أنا عارف إنها مش بتهمك بس تعب باباكي -الله يرحمه- ؟ هين أوي في نظرك؟... وإن كان هين الناس اللي بيشتغلوا في كل الأملاك بتاعتك دي تقدري تتحملي ذنبهم لما الشركة تفلس ويبقوا في الشارع من غير شغل ؟ ... وفيه منهم اللي سنه ما يسمحلوش يدور على شغلانه مع إنه كان ضامن معاش التقاعد ؟ ... فكري كويس أوي يا ديما قبل ما تاخدي أي قرار ووقت ما تقرري إنتي عارفة هتلاقيني فين ! عن إذنك
انصرف دون أن يعطيها فرصه للرد ، يريدها أن تنفرد بنفسها لتفكر بشكل صحيح لإن قرارها لا يخص حياتها وحدها بل يخص حياة عائلات أخرى ، استمر التفكير يدور بها بين الرفض والقبول حتى تذكرت صورة باسل وهو يضم زوجته من خصرها ويضحكان سوياً ، فشعرت بمدى غباءها فهي ظلت وفية لحب زوج خائن ، ألا يكفي أنه دمر حياتها لتدمر هي حياة أخرين؟ ... نهضت من مكانها وأخذت حقيبتها قبل أن تتجه إلى غرفة المدير فأخيراً قد حسمت أمرها ولن تتردد بعد الآن !

ツ ツ ツ

اصدقائي قنبله ذريه بقلم/  ساره محمد سيفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن