14

4.5K 231 2
                                    


ركض رامي خلف باسل محاولاً إيقافه: استنى بس يا باسل
باسل غاضباً: سيبني لوحدي ... أنا عايز أتمشى شوية وخد أنت العربية
توقف رامي متنهداً وهو يتابع إنصراف باسل بسرعة ، تركت ميرنا ما بيدها واتجهت إلى رامي ، سألته: مضايق؟
نظر لها بضيق ولم يجبها ، توجهت إلى ماري وتناولت حقيبتها وقالت: ممكن تغطي غيابي؟
أومأت ماري مبتسمة ، عادت ميرنا إلى رامي وأمسكت بيده: يلا تعالى معايا
قطب حاجبيه وسألها: على فين؟
-أنت مش كنت قايلي إنك هتخرجني إنهارده ؟
-بس أنا ماليش مزاج دلوقتي يا ميرنا ، لو سمحتي
-لا ما هو مش بمزاجك أصلاً اتفضل إمشي معايا !
سحبته من يده فصار معها مستسلماً ، توقفت أمام سيارته ومدت له يدها قائلة: هات مفتاح العربية
نظر لها بإستغراب فأردفت: على فكرة أنا بأعرف أسوق ومعايا رخصة وعندي عربية بس عشان الشركة قريبة وبأروح مع ماري فمش بأجي بيها ... ممكن تديني المفتاح بقى؟
تنهد بعمق وهو يخرج المفتاح ويسلمه إليها ، انطلقت بصمت حتى توقفت أمام أحد المحلات لبيع لعب الأطفال ، إلتفتت إليه مبتسمة: تحب تنزل معايا ولا تستنى هنا ؟
-إنتي هتعملي إيه هنا ؟
-هأجيب لعب
-لمين؟
ترجلت من السيارة وغمزته: هتعرف بعدين
نزل خلفها وشاهدها تعبأ ما يعجبها من الألعاب ، حثته على أن يفعل مثلها ، صارت تختار ألعاب تخص الفتيات وهو يختار ما يخص الفتيان.
بعد فترة صفت السيارة أمام دار للأيتام وترجلت فتبعها صامتاً ، أخرجت الحقائب التي تحوي الألعاب من صندوق السيارة سلمته بعضها وحملت البعض الأخر ثم استدارت إليه وقالت: لما تكون مضايق ارسم بسمة على وش يتيم هتنسى زعلك وهتفرح لفرحه
ظل صامتاً أيضاً كأنه فقد النطق ودخلا إلى دار الأيتام حيث كان الأطفال يلعبون في الباحة الخاصة بها ، عندما لاحظ الأطفال قدومها ركضوا إليها فرحين ، قال أحد الأطفال: وحشتيني أوي يا ميمي
ركعت على ركبتيه لتكون في نفس طوله وضمته: وأنت كمان وحشتني أوووي
سألتها طفلة : أومال مريم وديما ورنا وهدى وماري فين؟
ضحكت: هههههه كل دا؟ ... معلش عندهم شغل ومش هيقدروا يجوا إنهارده
سألتها طفلة أخرى: أومال هيجوا إمتى؟ ... دول وحشوني أوووي
ميرنا: في أقرب وقت
ثم نظرت إلى رامي وقالت للأطفال: بصوا بقى أنا جبتلكوا ضيف جديد إيه رأيكوا؟
إتجه إليه صبي صغير وجذبه من بنطاله فجلس كما فعلت ميرنا: نعم؟
الصبي: أنت اسمك إيه يا عمو ؟
-اسمي رامي ... وأنت ؟
أجابه بسعادة: أنا بردو اسمي رامي
ميرنا: مش عايزين تشوفوا اللعب اللي جابهالكوا عمو رامي؟
صاح الأطفال فرحين : ايووه ... عايزين ... عايزين
نهضت ميرنا وأشارت له أن يبدأ بتوزيع الهدايا وشاركته في ذلك ، بعدها انفصلت عنه لتلاعب بعض الأولاد وهو كذلك بعد أن أجبره بعضهم على اللعب.
بعد ما يقرب من النصف ساعة بحثت عنه بعينيه فوجدت وجهه مازال به بعض التجهم وإن كان قد خف عن السابق ، نادت على بعض الأطفال وهمست لهم بشئ جعلهم يصيحون في حبور وانطلقوا إلى حيث يقف رامي ، جلس أرضاً بناء على طلب أحدهم فهجم عليه الباقون يداعبونه حتى افترش الأرض ضاحكاً بكل ما يملك من قوة.
ابتسمت ميرنا لنجاح خطتها واتجهت إليه لتشاركه سعادته ، انسجم كثيراً منذ تلك اللحظة مع الأطفال أكثر فأكثر حتى كاد يبكي عندما حان وقت الرحيل. حزن الأطفال لرحيلهم ولكن وعدتهم ميرنا بزيارة أخرى في أقرب فرصة.
-مبسوط؟
استدار لها وابتسامته تصل إلى أذنيه: جداً ... أنا أول مرة أبقى مبسوط للدرجة دي
لكزته بكوعها في ذراعه: ابقى عد الجمايل بس
قال بجدية: تعرفي إني زي زيهم ما افرقش عنهم كتير
سألته مستغربة: إزاي؟
-أنا يتيم من وأنا عندي 6 سنين ... ماما اطلقت من بابا بعد ما خلفتني بكام شهر ... وكل واحد فيهم اتجوز تاني ... بابا اتوفى في حادثة عريبة وهو مسافر مع مراته وماتوا هما الإتنين ... وماما جالها سرطان واتوفت بعد بابا بسنة واحدة لما كان عندي 6 سنين ... ورثت فلوس بابا وماما كانت كاتبالي كل حاجه بتاعتها باسمي ... وقتها كانت مامت باسل عايشة وكانت صاحبة مامتي أووي فأخدتني ربتني مع باسل ومن ساعتها وأنا وهو صحاب وأكتر من الإخوات ومش بنفترق أبداً
-طب أنت زي الأولاد دول إزاي ؟
-أنا كان مصيري هيبقى زيهم بالظبط الفرق بقى إنه أنا عندي فلوس ومامت صاحبي شفقت عليا ... غير كدا كنتي لاقتيني في دار ما تختلفش عن دي كتير
ساد الصمت بينهم لحظات ، توقفت ميرنا ونظرت إليه: تصدق خلتني أندم عشان جيبتك هنا وإني عرفتك أصلاً
استغرب تصريحها: ليه؟
عقدت ذراعيها بحركة طفولية: عشان أنا جيبتك هنا وخليتك تنبسط وحضرتك ضيعت تعبي وعكننت على نفسك تاني أهو
ابتسم إبتسامة باهتة: حقك عليا
هزت رأسها رفضاً: بالكلام ما يلزمنيش
-أومال إزاي؟
أشارت لبائع متجول: عايزاك تشتري كل البلالين اللي مع الراجل دا كلها !
-وهتعملي إيه بكل البلالين دي يا مجنونة؟!
هزت كتفيها بلا مبالاة: مالكش دعوة ... أنت عليك تجيبهملي وخلاص
-لما نشوف أخرتها معاكي ... يا مجنناني!
عاد إليها بما أرادت ، تناولتهم من يده وأسرعت الخطى إلى حديقة مجاورة حيث يلعب الأطفال مع أهلهم وهتفت مناديه: بلالين ببلاش مين عايز؟ ... بلالين بلالين بلاليــــــــــــن
وقف يحدق بها وهي تقوم بتوزيع تلك البالونات على الأطفال وبعد أن أنتهت نفضت يديها قائلة بفخر: خلصت ... يلا بقى روحني عشان أنا اتأخرت
-اتأخرتي إيه دي الساعة لسه 1 الضهر !
-ما هو أنا عايزه أنام ... تعبت
-ماشي هاروحك بس بشرط
-وكمان بتتشرط؟ ... ماشي قول وسمعني شروطك
-نتعشى سوا إنهارده
-هههههههههههه ... شكلك أخدت عليا بزيادة ... إمممم بس موافقة!
سارا جنباً إلى جنب ، ونفس كل منهما يملؤها الحبور.
------------
مساكن قديمة ، ذات إرتفاع محدود لا يتعدى أطولها 4 طوابق ، تقترب النوافذ في بعض الأجزاء لتعود وتنفصل في أجزاء أخرى من الطريق ، تأملت الحارة التي ولدت وعاشت فيها طفولتها وقاست فيها منذ وفاة والدها وسيطرة أخوها على حياتها.
ترك أحد الجزارين محل الجزارة الخاص به ووقف أمامها قائلاً بلهجة سوقية: أهلاً أهلاً بست البنات دي السمس نورها طفى جنب نورك اللي طل علينا يا ست العرايس
قاومت حالة الغثيان التي أصابتها من منظر ملابسه التي غطاها الدماء المتجلطة ومن رائحة الدهن واللحم التي تشع منه ، لاحظ إشمئزازها فقال ساخراً: جرا إيه ؟ .... هما الكام السنة اللي فاتوا نسوكي عشيتنا وريحتنا ولا إيه يا مازمازيل!
نظرت له بحنق فهو القشة التي قصمت ظهر البعير وسبب خروجها من تلك الحارة كذلك إبتعادها عن والدتها كل تلك الفترة: عن إذنك
تركته خلفها يصيح: وماله وماله ... ما هو لو كنت متعلم ولابس نضارة كنت عجبت ... أهي دنيا !
دلفت إلى البناية التي تسكن بها والدتها بصحبة أخيها وزوجته ، طرقت الباب بتردد وسمعت صوت والدتها الحبيبة: حاضر حاضر جايه أهو
تابعت وهي تفتح الباب: إنتي نسيتي حاجه ولا إيه يا نعمات ؟
صرخت عندما رأت صغيرتها: مريم !!
ضمتها بقوة والدموع تقفز من عينيها وتتسابق على وجنتيها كما حدث مع ابنتها ، سحبتها إلى الداخل وهي تمسح دموعها وتتلمس ابنتها: إنتي كويسة؟ ... حصل إيه؟ ... عايشة كويس ؟ مرتاحة ؟ فينك كل دا ؟
هدأتها مريم: أنا كويسه ... إنتي اللي عامله إيه هنا؟ مع محمد ونعمات ؟ ... أوعى يكونوا بيأذوكي
-ولا يقدروا يعملولي حاجه سيبك منهم ... المهم إنتي كنتي فين كل دا؟
-أنا عايشه مع واحدة صاحبتي وباشتغل في شركة ومرتاحة ما تخافيش عليا
تنهدت الأم متحسرة: أي مكان بعيد عن أخوكي ومراته ومعلم زفت اللي تحت دا أكيد أحسن من هنا ... بس صاحبتك مين؟ وهي كويسه ولا ؟
-كويسه وطيبة أوووي ... إنتي أخبار صحتك إيه؟
-أهو الحمدلله ... كفاية عليا إنه ربنا مد في عمري لحد ما اتطمنت عليكي وأنا مش عايزة أكتر من كدا
وضعت يدها على فم والدتها: إخص عليكي أوعي تقولي كدا تاني إنتي فاهمة ؟ ... أنا جيت دلوقتي عشان عارفة الزفتة نعمات زمانها في السوق وأخويا أكيد في شغله ... إيه رأيك تلمي هدومك وتيجي معايا ؟... دي ديما هتفرح بيكي أوووي
-ديما دي اللي هي صاحبتك اللي عايشه معاها؟
-أيوه هي
-لا يا بنتي كتر خيرك أنا مرتاحة كدا
سألتها مترددة: عشان مرتاحة ولا عشان لسه غضبانه عليا عشان هربت؟
بان الجزع على ملامحها: وأغضب عليكي ليه؟ ... هو إنتي اللي شوفتيه هنا كان قليل يا بنتي؟ ... دا إنتي شوفتي اللي ما شافوش حد أنا عمري ما غضبت عليكي ... حتى أما هربتي أنا كنت خايفة عليكي لتتأذي ولا حد يستغل سذاجتك لكن الحمدلله ربنا تقبل دعايا وسترها عليك و رزقك ببنت الحلال اللي ساعدتك
-ربنا يخليكي ليا يا ست الكل ... بس قوليلي عذر غير إنك مرتاحة مع أخويا والحرباية مراته دي ... الكلام دا ما يدخلش دماغي
-يا بنتي أنا عشت هنا أكتر ما عشت في بيت أبويا ... بنيت البيت دا مع أبوكي طوبه طوبه مش بعد الزمن دا كله هأسيبه
-بس يا ماما أنا مش مطمنه على قعادك هنا معاهم أخاف ليعملولك حاجه وخصوصاً لما يعرفوا إني جيتلك
-إنتي حد شافك في الحارة ؟
-المعلم حسونه كلمني وأنا طالعه
-ودا عايز منك إيه دا؟ ... دا بقى على ذمته أربعه دلوقتي يعني ما تنفعهوش ومش معقول هيطلق واحدة فيهم عشان يتجوزك !
-هو إتجوز بعد ما مشيت؟
-أه ... إتجوز مرتين وأهم على زمته وكل واحدة تقول للقمر قوم وأنا أقعد مطرحك ... بس نقول إيه راجل عينه فارغة ما يملهاش إلا التراب! ... ربنا يهديه
-أمين ... ماما أنا لازم أقوم دلوقتي قبل نعمات ما ترجع ماشي؟
أخرجت ظرف من حقيبتها وناولتها إياه: خدي ... خلي الفلوس دي معاكي وما تقوليش لحد فيهم إني إدتهالك ... جيبي اللي نفسك فيه ... كان نفسي تيجي معايا وأجيبلك أنا اللي تتمنيه بس زي ما تحبي أنا مش هأضغط عليكي ... بس وقت ما تحبي تيجي هتلاقيني تحت رجليكي
-ربنا يحميكي ويوقفلك ولاد الحلال ويبعد عنك ولاد الحرام يا رب
-هتلاقي كمان جواه رقم تليفوني عشان لو حصل حاجه تكلميني على طول ماشي؟ ... ما تستانيش! ... أو خلي أي عيال من ولاد الحارة يكلمني لو ما عرفتيش إنتي , تمام ؟ ... كان نفسي أجيبلك موبايل بس لو محمد شافوه معاكي مش هيسبهولك
-لا كدا فضل ونعمة يا بنتي ... خلاص ما تحمليش هم
-أنا ماشية بقى ... تعوزي مني حاجه؟
-عايزة سلامتك يا حبيبتي
-سلام
-مع السلامة ... ربنا يجعلك في كل خطوة سلامة
أغلقت الباب خلفها واستندت إليه شاكرة الله على تقبله دعاءها ورؤيتها لابنتها أخيراً بعد سنوات القلق التي عاشتها.

اصدقائي قنبله ذريه بقلم/  ساره محمد سيفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن