||خذلان : سقوط نجم||

60|أيام كثيرة، لكنها لا تلمع| الفصل الأخير

نحن نبكي..
لأن البكاء وسيلتنا الوحيدة
حين تبتلع الخيبة حناجرنا..

اقتباس

***

فتحت الباب المعدني مصدرةً صريرًا مزعجًا لم يكن كافٍ لإخماد التوتر والقلق داخلها.

لكنها هدأت قليلًا حين رأته واقفًا يعطيها ظهره وينظر للأعلى خلال النافذة الصغيرة.

كان قد ارتدى الثياب التي أحضرتها له، ويبدو أنه قد تناول طعامه نظرًا لعدم وجود الصرة القماشية.

«عزام»

نادته بهدوء حين لم يلتفت لها رغم الضجيج الذي صنعه حضورها، وتكاد تشعر بهالة الحزن تنبعث منه مما جعلها تبتلع ريقها بصمت.

التفت لها بعد ثوان من ندائها، عيناه غائمتان كما توقعت، ويبدو منكسرًا جريحًا، من كان يتوقع أن تجري أموره بهذا الشكل بين من أَلِفُوه وأَلِفَهُم.

«خذ هذه» قالت تمد له بجرة ماء متوسطة الحجم، فتلقفها منها بهدوء.

شرب منها مباشرةً، ثم ابتعد للزاوية وغسل وجهه، ثم مسح خصلات شعره، لكنه بعدها لم يكتفي وسكب ما تبقى من رأسه المحنيّ للأسفل.

كان يبدو أنه يطفئ نفسه، هذا ما تراءى لها، ربما بداخله تقام حرائق رغم هالته الهادئة.

بقي لثوان منكفئًا والمياه تقطر من شعره وهو يأخذ أنفاسه، ثم استقام بعدها ممررًا أصابعه في خصلاته المبللة ليعيدها للخلف ويعطيها الجرة الفارغة.

أخذتها ثم وضعتها على الأرض بسرعة وهي تتحدث «أحضرتُ لك شيئًا»

استقامت تسحب حقيبتها من خلف ظهرها ثم فتحتها مخرجةً كتاباً لتمده له سريعًا.

التقت عيناهما للحظة قبل أن يأخذه منها، وسارعت هي تردف تبحث في حقيبتها عن شيء يجهله «أعرفك تحب القراءة، سيؤنسك في طريقك، وأيضًا، هذا قلم، رأيتُ كتبك في جناحك، كانت تملأها الملاحظات التي يبدو أنك تحب وضعها»

عانق القلم أصابعه الطويلة، وحدق هو بالكتاب بهدوء بطريقة جعلتها تتعجب لوهلة، ثم رفع نظراته لها متحدثًا لأول مرة منذ أتت «هل أستطيع الحصول على بعض الوقت، وحدي قبل أن أغادر»

صوته كان مبحوحًا وثقيلًا بطريقة أربكتها، واكتشفت هي حينها أنه كان يبكي.

لا تعرف لمَ، فقد تعددت الأسباب حتى يبدو أنه غرق وضاع بينها، لذا أومأت بصمت تزم شفتيها، ثم خرجت تاركةً الباب مواربًا ليصله بعض الضوء الذي جلس مقابلًا له، فتح الصفحة الأخيرة والتي عادةً ما تكون فارغة، ثم شرع يكتب كلمات لم تستطع عينيها التعرف عليها من تلك المسافة، لكنها رأته، يمسح دموعه بين كل سطر وآخر.