الفصل التاسع والعشرون
(براء بمعنى البراءة أم براء الجروح؟
-براء الْجُرُوح!)
كانت المقابر القديمة، أو مقابر "العايشين" كما يطلق عليها بين الأوساط الأن، وذلك لأنه يقال أن والي الشام عندما تمرد على السلطان العثماني في نهايات الدولة العثمانية، وأراد أن ينفرد بأكبر قدر من الأراضي ويستقل بها عن الباب العالي، فقد وجه عينه صوب القرير، وخطط أن يستولي عليها وأن يتعاون مع الرنجة ليساعدوه في إحكام السيطرة على ديار أبو بكر أيضا، فتكون له دولة ذات وزن لا بأس به، داعمها الأساسي يكون الفرنجة.
لذا فقد أصدر الوالي أمره لجيشه بكل خسة أن يهجموا على القرير من جهة المقابر، أي الجهة التي لن يتصور الناس أن يستحل أحد حرمة المقابر ويُدخل الجنود منها، وبالفعل تفاجأت الأهالي بأن الجنود يدهسون الأجداث ويخطون عليها دون مراعاة لحرمة الموتى.
وبفطنة اقترح أحد شباب القرير أن يستغلوا الظلام ويلفون ما يشبه الأكفان عليهم ويخرجون للجنود كأنهم موتى عادوا للحياة، ونجحت الفكرة!.. ففزع جنود والي الشام بل امتلئوا بالرعب، فألقوا عنهم البنادق والأسلحة وكل ما يحملونه وأخذوا يركضون للنهر وهم يصرخون "عايشين.. عايشين.. الموتى عايشين".ومنذ تلك الحادثة أصبح مسمى مقابر العايشين الهزلي منتشر بين السكان المحليين، والأن كانت عدة شركات خاصة بتعاقد مع الحكومة يفعلون نفس ما فعله والي الشام منذ مئة عام وأكثر، فقد أرسلوا الجرافات لمكان المقابر الذي يعد مكان أثري، لكن مشروع ممشى سياحي يلف حول المدينة القديمة كان أكثر فائدة بالنسبة لخزينة الدولة بكل تأكيد، لذا بجرة قلم وختم صغير بشع اللون تم القرار، سوف تُزال نصف مقابر العايشين لأجل ترصيف الطريق ووضع محال على الجانبين.
ووسط ضجة معدات الجرف والحفر والردم، كان هناك عاملان يحملان المجارف اليدوية مع الخوذات السمكية التي تحمي رأسهم من خطر أي إصابة، يحفران شواهد القبور وبقلوب قاسية يجدون بعض العظام فيلقونها في الكومة من خلفهم، وقد تناسوا عمداً أنهم لم يدعوا حتى الموتى في راحتهم.
أنت تقرأ
ما ذنبي؟.... عواصي الدمع
Romanceرواية تاريخية تحمل عبق الماضي العربي الأصيل عادتنا وتقاليدنا التي بدأنا نتناساها في ظل تطورنا. شهامة الرجال وحياء النساء.. أنها رواية عن واقع أتمنى أن نصبح عليه يوماً ما كلمة الكاتبة: هذه الرواية_ أو بالمعنى الأدق التجربة_ ما هي إلا محاولة صغيرة م...