الفصل التاسع والثلاثون
(الرياح تهز الجبال أحيانا)
وقد تَنطِقُ الأشياءُ وهيَ صَوَامِت
وما كُلّ نُطقِ المخْبِرينَ كلامُ
أبو علاء المعري
الطريق إلى الشام...
هل لإنسان أن يرى هذا الجمال من حوله ولا يقف مذهولاً؟... فمبا لك بشخص لم يغادر بلدته قط ولم يرى أبعد من أساورها؟! ..
أدرك شنودة الحداد مدى صغره في هذا العالم بعد يومين من الرحلة، وقد تركوا الصحراء من خلفهم وتحولت الأرض من حولهم للون أخضر بهي وهم يقطعون السهول وتمر بهم الكروم، ثم عادت الصحراء مجددا ثم ظهر أمامهم أخيراً بحر رائع مهيب، والجبال تتهادى من خلفه بشكل انسيابي والشمس تغرب من بينهم، وكان قد تصاحب على خادم تاجر حجازي معهم في القافلة، وأخبره أن هذا البحر يدعى بحر العربة (البحر الميت).
وهو من كان يظن نهر القرير أجمل ما رأى في حياته.
مضغ حبات القُطين (تين مجفف) بسخرية وهو يدرك مدى جهله، وألتف عنقه لتقع عيناه على الشيخ أنس الفراس وكانت القافلة قد توقفت للراحة والمبيت وغدا يتابعون، وأن كان يظن هذا الشيخ أنه سينهض ويتجه لمساعدته في حَطَّ رِحاله، فقد أخطأ، فهو لم يأتي معه ليكون خادماً، لقد بعثه هارون القاسمي لقضاء أمر واضح، البحث عن امرأة أتت من القرير إلى هنا وتسمى فيروز، ولم يكلفه أن يخدم أحد، أجل لم يفعل له أنس الفراس ما يضره من قبل، لكن أمر الرحلة بأكملها ضايق شنودة، فبسببها تأجل اجتماعه مع بتول أسفل ذات السقف، فلولا أمر هذه الرحلة لكانت الآن زوجته في داره وفي حضنه.
لذا ورغم أن عيني أنس الفراس الهادئة وقعت داخل عيناه، إلا أنه أشاح برأسه بعيداً وتابع أكل التين بلا اهتمام.
فلتت من أنس ابتسامة خفيفة وقد فهم عقل شنودة بكل سهولة، وكان واضحاً كمرأى الشمس أنه لم يحب القدوم لهذه الرحلة، كان ابن الفراس من ضمن القليلون الذين يعرفون بأمر ابنة الغجرية، وقد كان الزعيم بحاجته لكونه ذو معرفة جيدة بالشام ورجالها، ولزيادة الأمان والسرية فقد أمره أن يجعل شنودة هو من يذهب لمعارفه ويسألهم عن أمرها حتى لا يشك أحد، فعلى الأغلب هم سيظنون أنه قريباً لها أو شيء آخر.
أنت تقرأ
ما ذنبي؟.... عواصي الدمع
Romanceرواية تاريخية تحمل عبق الماضي العربي الأصيل عادتنا وتقاليدنا التي بدأنا نتناساها في ظل تطورنا. شهامة الرجال وحياء النساء.. أنها رواية عن واقع أتمنى أن نصبح عليه يوماً ما كلمة الكاتبة: هذه الرواية_ أو بالمعنى الأدق التجربة_ ما هي إلا محاولة صغيرة م...