الفصل العشرون
(أستكونين ليلى يا براء؟)
ذات المكتبة القديمة، خرج منها الرجل العجوز بـ "البايب" وقبعته ذاتها، وأمامه كان الشاب الباحث صاحب الكتاب، ودعه العجوز ببشاشة وقد أصبحت بينهم أواصر معرفة ومحبة، ثم أستوى على مقعده وفرد الجريدة متمعنا فيها من خلف نظارات القراءة، كان الجو خريفا لذا كان يرتدي حلته البنية الثقيلة فصدره لم يعد يتحمل البرد، ولم يمضي كثيرا في سكونه المحبب إلا وصوت أنثوي أتى صائحا من جانبه وقد تعمدت صاحبته أن تفزعه:
-صباخ الخير يا عم عبد البر.
أجل كاد يصاب بسكتة قلبية من الفزع، لكنه سيطر على يده المرتعشة وأبعد الجريدة لينظر لتلك الفتاة التي لم تتخطى عامها السابع عشر بعد، شعرها به خصلات ملونة بشكل غريب، وجسدها النحيف متدارى خلف بنطال جينز واسع وبلوزة أكثر اتساعا أضافت الشقاوة المطلوبة على مظهرها، فابتسم لها بحنو أبوي وهو يبعد الجريدة تماما وحياها:
-زُمرد، لم أركِ تحومين حول رأسي الأسبوع الماضي.
كانت هي، زمرد محمد متصيدة مزيفون التاريخ، لكنها كانت في سن الزهور، عينها تلمع بتطلع الشباب وفمها المبتسم دائما يدل على نقاوة لم تتفتح بعد، بكل يسر وسهولة جرجرت الكرسي المقابل له وجلست عليه بشكل معكوس بينما تخبره:
-لقد كنت في رحلة مع أهلي، كنا نصيف يا عمي الجميل، هل تعلم ماذا يعني نصيف بعد بقاءك هذه السنوات في تلك المكتبة؟
قالت بنبرة ماكرة تتقصد أن تثير غيظ ذلك العجوز، تعرفت عليه عندما دخلت المدرسة، فدكانه كان يقع أمام مدرستها القديمة التي هُدت، وفي أحد الأيام أتت له بدافع الفضول، أعارها إحدى الروايات التي افتتنت بها، فأصبحت تأتي كل يوم حتى بعد انتقالها لمدرسة أخرى كي تنهل من علم هذا الرجل، الذي تحب أن تشاكسه كثيرا لتغيظه كما الآن:
-لو يقطع الله نصف لسانك.
هسهس بحنق، فقهقت بشكل لا يتناسب مع أنوثتها المتفتحة بينما تقف متخصرة أمامه تبارزه بالكلمات:
أنت تقرأ
ما ذنبي؟.... عواصي الدمع
Romanceرواية تاريخية تحمل عبق الماضي العربي الأصيل عادتنا وتقاليدنا التي بدأنا نتناساها في ظل تطورنا. شهامة الرجال وحياء النساء.. أنها رواية عن واقع أتمنى أن نصبح عليه يوماً ما كلمة الكاتبة: هذه الرواية_ أو بالمعنى الأدق التجربة_ ما هي إلا محاولة صغيرة م...