الفصل الرابع والأربعون
(الظالم)دار الزعيم القاسمي...
لحظات الندم شديدة الألم، فهو يعصف بجوانب أرواحنا ويسيطر على مقاليد روحنا وعقلنا، الذنب يكوي احشائنا كوياً ولا ينفك يذكرنا بما جنت أيدينا.
هكذا أخذ سوط الندم يجذبه ويذيقه الألم تكراراً ومراراً، فتتأرجح أمامه صورتها وهي غارقة في الدم مثلما هو غرق في الذنب، فللحظة توقف كل شيء حوله وشعر بالاختناق وأن الأنفاس ثقيلة على صدره ، ود لو يبكي امرأته التي فقدها بقسوة، لكن الدموع اختنقت بداخله، وقد انكسر، وطعنه القدر في ظهره.
لقد خسرت يا هارون... خسرت كل شيء.. ووقعت من فوق الصراط في لهيب جهنم...
هو لن يسامح نفسه أبداً لن يغفر لنفس أنه فرط بها، أغمض عينيه بحرقة يحاول مسح تلك الصورة من عقله وهي تهمس كلمة "ابني" بشحوب حتى خفت صوتها وصمتت.
لا يعلم كيف دبت فيه القوة ليحملها من فوره غير عابئ بالدماء التي لوثته ولا لصراخ سلافة وبكاء سارة من حوله، بينما الشاهين أسرع يفتح له الباب ليضعها فوق فراشهما وزعق بصوت مزلزل ليأتوا بزوجة أنس.
والآن وقفت تماضر شاحبة وشاخصة البصر، ملتصقة بالجدار وعيناها تدور حول الوجوه السوداء والكل هبط عليه صمت مقيت بينما ثوبية في الأعلى مع قبطية وسلافة، وكان هارون لم يستطع الوقوف في ساحة الدار فبقي يسير أمام باب مخدعه وخلفه شاهين صامتاً تماماً لكن عيناه حملت نظرات حادة متهمة.
فُتح الباب فانتصب كلاهما أمام ثوبية التي همست من أسفل ساترها:
-عوض الله عليك زعيم.
سألها بلهفة:
-سبأ؟
هزت رأسها وقالت بصوت مخنوق من الحزن:
-أنها بخير فقط.. منهكة الجسد ومكسورة بسبب ابنها.. كان ولداً.
أخبرته أخر كلمة بهمس شديد حزين فأخذ يمسح على وجهه مدمدماً بـ إنا لله وإنا إليه راجعون ثم أنتفض جسده وتزلزل عندما شق الصمت صراخ سبأ الباكي:
أنت تقرأ
ما ذنبي؟.... عواصي الدمع
Romanceرواية تاريخية تحمل عبق الماضي العربي الأصيل عادتنا وتقاليدنا التي بدأنا نتناساها في ظل تطورنا. شهامة الرجال وحياء النساء.. أنها رواية عن واقع أتمنى أن نصبح عليه يوماً ما كلمة الكاتبة: هذه الرواية_ أو بالمعنى الأدق التجربة_ ما هي إلا محاولة صغيرة م...