42-(2) مُدقق

2.2K 88 7
                                    

ليلة أخرى..

دار نعمان الجليل...

جلست منشغلة بتحميص حبات القهوة وطحنها وبين الفنية والأخرى تنظر نحو شمس المغيب ومن بعدها بدر الليل، وتدير عيناها لباب الدار المغلق الصامت بضيق شديد:

-أماااا.

أخرج الفاروق الكلمة بفرحة شديدة، لأنه في كل مرة يقولها تنشرح ملامح أمه، لكن هذه المرة لم تضحك بل ابتسمت بخفة ومسحت على وجهه من مكانها ثم عادت لشرودها نحو الباب.. لم تكن تتصور أن خصامه سيضايقها كل هذا الضيق.. بل وزاده بتأخره في الرجوع للدار.

تكة المفتاح في الباب جعلتها تتفزز وحاولت أن تبدو طبيعية لكن ظهرت متصلبة في جلستها، ودلف هو دون أن يوجه نظرة نحوها بل وجهه كان صامتاً بسواد الضيق ولم يلقي التحية حتى وهو يغلق باب مخدعه خلفه، بضغطة على ضروسها تركت عنها ما بيدها وتبعته من فورها، وعندما فتحت الباب بقوة مندفعة تراجعت للخلف بوجه أحمر عندما وجدته وقد نزع عنه قميصه.

وقفت عند الباب بارتباك زاد عندما ألتف لها وناظرها بحاجب مرتفع مع ملامحه الحادة، فأجلت حلقها تسأله بهمس ضعيف:

-أأضع الطعام؟

بينما كانت هي تتهرب من عينه ركز هو عليها بنظرته الثاقبة وأجاب باقتضاب:

-لا.

-قهوة؟

-لا.

أخذت تلاعب أصابعها بارتباك فقد ظنت أنه سيلين قليلاً لكنه قابلها بحدة كحائط صلب، عضت على شفتيها وهي تتلصص عليه لتجده قد ستر جزعه ومازال متجهم الوجه فتلوى قلبها بضيق غريب:

-لقد اشتاق لك.

عضت على لسانها نادمة على ما قالته، بينما هو وجه نحوها نظرة قاسية متهكمة فأسرعت تنقذ بعض من كرامتها:

-أقصد.. الـ.. الفاروق.

لم تحصل مجدداً على اهتمامه بل تجاهلها وهو يضع طاقيته الخفيفة ويجلس في مكانه أمراً بصلافة:

-هاتيه.

لوت فمها معترضة على تعامله الجلف معها، أنه حتى لم يبرر أمر تلك الجوري، ويبدو أن الخصام معها لم يصيبه بأي حزن، بتجهم غادرت لتأتي بالفاروق بينما هو أغمض عيناه ومسح على شاربه مهنئاً نفسه على تماسكه أمامها، وعندما عادت حاملة الصغير أعتدل وعاود التجهم.

مدت له ابنها الفرح برؤيته فابتسم نحوه ببشاشة:

-تعال يا كبد عمك.

ما ذنبي؟.... عواصي الدمعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن