"نباش القبور" الجزء الثامن والأخير

168 6 0
                                    

لا يوجد في الحياة ألم أشد من عذاب الضمير، والشعور بالذنب، وخاصة عندما يكون ذلك الشعور لأقرب الأناس للقلب وأعلاهم منزلة.

دائما ما سمعنا عن الآباء الذين يضحون بحياتهم من أجل أبنائهم وحمايتهم من كل مكروه، ولكن عندما تعكس الآية فيدفع الأبناء أنفسهم ثمن أفعال آبائهم بحياتهم، هذا يكون الألم الأكبر بكل الحياة، ولا مرارة مثل مرارة ألمه.

لم تعطه زوجته فرصة للرد، وانهالت عليه بالإهانات وتحميله الذنب كاملا، وهو لم يخرج من يده سوى دموع البائس الحائر المغلوب على أمره.

وأثناء حديثهما سمعا صرخات طفلتهما الوحيدة التي تركاها وحيدة بالغرفة، ركض الحارس وتبعته زوجته، وعندما وصلا الغرفة وجدا الابنة تصرخ بأعلى صوتها وتتصبب عرقا مع العمل أنهم بفصل الشتاء والجو قارص البرودة، كانت عيناها معلقة على شيء ما بالغرفة.

أول ما دخل والدها الغرفة وجدها تتسمر بمكانها وصوت صراخها يدوي بكل الأرجاء، وكانت تشير بإصبعها تجاه ما تنظر إليه بمجرد رؤيتها لوالدها، لصغر سنها ولكثرة الرعب الذي كان بقلبها لم تكن قادرة على التعبير عما تراه.

عندما التفت والدها للشيء الذي تشير إليه ابنته الصغيرة وجد رجلا لا يشبه بني البشر في شيء، لقد كان يغطي وجهه البشع ولا تظهر من وجهه سوى عينيه والتي كانت شديدة البياض، أما عنه فيق معوجا نظرا لقدمه والتي كانت لماعز!

لم يستطع النطق بكلمة واحدة، كانت زوجته قد لحقت به ورأت ما قد رأته ابنتها وزوجها، جذبت ابنتها لحضنها وغطت عينيها، أما عن الحارس فشرع في قراءة آيات من القرآن الكريم، ولم يتوقف حتى اختفى ذلك الشيء بين المقابر.

أذن الفجر، كانت الزوجة في أتم غضبها من زوجها ومن أفعاله، لقد حملته بكلماتها الثقيلة ذنب كل ما حدث لأبنائها، وما إن أشرقت الشمس في السماء حتى رحلت عنه وأخذت ابنتها، لقد حذرته مرارا وتكرارا من أفعاله ولكنه لم يتعظ على الإطلاق، لقد شاهدت موت ابنها أمام عينيها ودفنته بيديها، وتم تهديدها بابنتها التي لم يتبق لها غيرها بكل الحياة، لن تنتظر حتى تلحق بأخيها لتفوق من الغفلة التي بها.

جلس الحارس يعيد كل حساباته متحسرا على ما قدمت يداه، ولا يلوم سوى نفسه وأفعاله وأن من دفع ثمنها باهظا كان ابنه الوحيد؛ ولكنه كان مخطئ للغاية فالحارس لا يعلم أن ابنه بقتله قد دفع جزءا بسيطا من أفعال والده.

وبمجرد سدول الليل سمع الحارس والذي لم يبارح مكانه مطلقا صوت الباب يفتح، فرح للغاية ظنا منه بأن زوجته وابنته قد عادتا، ولكنه لا يعلم ما الذي ينتظره بالخارج، لقد كان نفس الشيء الذي ظهر له ليلة أمس.

خرج من الغرفة ليستقبلهما استقبالا حافلا، ويضم زوجته وابنته لصدره ويبدي مدى ندمه وأسفه الشديدين، ولكنه وجد نفس الشخص بهيئته التي تدب الخوف والذعر للقلوب، كان الشخص يقترب إليه بأقدامه وبخطوات معوجة، أما عن الحارس فقد كن يعود خطوة للوراء حتى وجد نفسه قد التصق بالحائط الذي خلفه.

فكر في نفسه أن يصرخ ويخلص نفسه من الرعب الذي يعيشه، ولكن المقابر بعيدة كل البعد عن سكان القرية، فماذا يفعل إذا؟!

استجمع شجاعته بالكاد وسأله قائلا: "من أنت؟!، أأنس أنت أم جن؟!، وما الذي تريده مني؟!"

فرد عليه قائلا: "بإمكانك أن تعتبرني مزيج بين الإنس والجن، إنني إنسي ولكن لدي الكثيرين من أتباعي من معشر الجن، ألم تراهم بنفسك عندما شيعوا جنازتي وأتوا بي إليك لتدفني؟!"

الحارس: "أأنت دجال إذا؟!"

الجني: "لا يهمك في شيء، إنني لست هنا لتتعرف علي، ألم أرسل لزوجتك العجوز حتى تحذرك؟!، ولكنك لم تكف عن أذى الأموات"

الحارس بخوف شديد بعدما تبدل شكل الشيء لشكل أكثر منه إخافة ورعبا، وكأن الشكل الأول لم يرعبه كفاية: "اتركني ولن أكرر ما فعلته، فبعد موت ابني قلعت عن كل شيء".

الجني: "أتعلم جميعكم يقول هذا الكلام، وما إن يعطى له ظهرنا يعود لأفعال أكثر قذارة من السابق، لابد أن تدفع الثمن أيها الحارس خائن الأمانة".

تعالت صرخات الحارس ممزوجة بضحكات ذلك الشيء، وبعدها ذاعت وانتشرت الأقاويل بين أهل القرية، فمنهم من قال أنه غادر مع زوجته وابنته لأنهم لم يطيقون المكان بعد موت ابنهم الوحيد، ومنهم من قال أنه رآه مرات ومرات يجوب بالمقابر، ولكن الشيء المؤكد الوحيد أنهم بكل مرة يجلبون حارسا ويسكن غرفة الحارس يقتل بطرق عجيبة ومريبة، فذات الأقاويل حول أن الغرفة أصبحت مسكونة بالجن.

علاوة على أن كل شيخ يجلبوه ليقرأ بها يسمع أصواتا وكأن أحدا ينبش بأرضية الغرفة يريد الخروج!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 30, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قصص رعبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن