الفصل الأول

21K 405 24
                                    

الفصل الأول

على وقع كلمات نزار قباني .... وصوت كاظم الساهر الرخيم ... يهنئ حبيبته بعيدهما .. وينثر الوعود تحت قدميها ...
الفصل الأول قبل أسابيع ..... على وقع كلمات نزار قباني .... وصوت كاظم الساهر الرخيم ... يهنئ حبيبته بعيدهما .. وينثر الوعود تحت قدميها ... تحت أضواء الثرية الأنيقة إنما بسيطة الطراز ... والتي انعكست على أوراق الزينة الملونة المثبتة على الجدران على شكل قناطر مقوسة .. وبين باقات لا تنتهي من الورد الأبيض .. الموزعة بأناقة في جميع أنحاء الصالة ... كانت رقصتهما على مرأى من أحبائهما أشبه بالحلم ... هي بفستانها الأزرق الناعم و الذي أرغمت على ارتدائه بعد عودتها من عملها لتكتشف الحفلة المفاجئة التي كانت تنتظرها .. جميلة كما كانت دائما ... شعرها العسلي الطويل يكاد يلامس نهاية ظهرها ... عيناها البندقيتان تحملان بريق غضب لم تنجح في إخفائه .. إلا أنه كان يبهت رغما عنها في كل مرة كان تنظر فيها إلى الحب في عيني الرجل الذي كان يحيط خصرها بذراعيها ... يراقصها مقربا إياها منه .. رافضا وبعناد الاعتراف بغضبها الطفولي .. الذي ما كان له إلا أن يزيده حبا لها ... ( كل عام ... وأنت حبيبتي ... كل عام ... وأنا حبيبك ) .. عندما دفعها فجأة مطيحا إياها عن قدميها ... منتزعا منها صيحة إجفال وهي تحط مرتكزة على ذراعه قبل أن تسقط على الأرض .. في حركة استعراضية غير متوقعة منه .. ارتفعت ضحكات الآخرين من حولهما .. ضحكات فرحة .. ضحكات راضية .. ضحكات أشخاص عرفوا كم عانى كل منهما حتى الآخر من جديد .. بابتسامة باهتة ... راقبتهما قمر من مكانها القصي في إحدى زوايا شقة أكرم وشمس .. حيث يحتفلون بعيد ميلاد شمس التاسع والعشرين ... هو عيد ميلادها أيضا ... كونهما توأما ... إلا أنها أصرت بعناد وهي تخطط مع كل من أكرم ونورا من وراء ظهر شمس .. على أنها لا تحتاج إلى حفلة .. وأن كونها نجمة الحفلة لن يعود عليها إلا بالحزن والاكتئاب ... وهي تتذكر بأنها لا تمتلك أحدا يحتفل بعيدها معها هذا العام ... دفعة أخرى من الضحكات ارتفعت عندما ضربت شمس أكرم على كتفه ساخطة بعد استراقه قبلة من خدها ... ضحكت قمر وهي تفكر بأن رؤيتها شقيقتها التوأم سعيدة ... يغنيها عن كل ما خسرته خلال العام الماضي ... زوج .. حب كبير .. عائلة اعتبرتها أكثر من عائلة لها .. بيت ......... وقلب . خسرت كل هذا ... إلا أنها ربحت نفسها ... صحيح ؟؟؟ تحتل وظيفة مرموقة في شركة معروفة ... مستقلة بذاتها .. مهنيا .. ماديا .. وعاطفيا ... تقيم في منزل خالتها كما كانت تفعل طوال حياتها .. تراقب ضياء وهو يزداد رجولة يوما بعد يوم بفخر ومحبة .. وتساهم مع كل منهما .. بالإضافة إلى شمس .. في الاستمرار بالمسرحية التي كانوا يتظاهرون بعدم أدائهم لها ... تلك المسرحية التي كانوا يتظاهرون من خلالها بأن شيئا لم يتغير في حياة أي منهم ... على بعد خطوات منها .. كانت نورا .. تصفق دامعة العينين .. تراقب شمس وهي تستسلم ضاحكة في النهاية متقبلة قبلة أكرم لها فوق رأسها .. ثم ضمه لها إلى صدره وهو ينهي الرقصة مع انتهاء الأغنية ... تتظاهر هي الأخرى بأن كل شيء بخير ... وأن حياتهم لم تتغير .. وأنها لم تقم منذ عام واحد بإخراج قطعة منها من بيتها .. ومن حياتهم جميعا .. رافضة وبإصرار ذكر اسمها .. وكأنها ... وكأنها لم تكن يوما .... في الجانب الآخر من الصالة كان ضياء ... حاضرا في الحفلة لأن هذا ما يفترض به أن يفعله .. بينما كان يعبث بهاتفه منذ دخوله .. يتحدث على الأرجح مع أحد رفاقه .. أو ربما مع إحدى زميلاته في الكلية .. وقد عرفت قمر بأنهن كثيرات .. وأنهن تحمن حوله باستمرار دون أن يحاول رفض اهتمامهن ... في تظاهر منه هو الآخر .. بأنه لم يتلق قبل عام واحد فقط .. جرحه الأول .. عندما صدم بالفتاة التي أحبها منذ الطفولة .. ظانا أن أحدا من أفراد عائلته كان غافلا عن مشاعره التي ظنوها مجرد عشق مراهق لا معنى له .. إلا أنها كانت أكثر من هذا بكثير .. بالطريقة التي تغير فيها ضياء فجأة .. متحولا مرة واحدة من المراهق البريء إلى رجل .. رجل يعرف بالضبط معنى أن يتحطم قلبه بسبب حب فاشل من طرف واحد .. قريبا منه ... كان ريان ... شقيق أكرم الأصغر .. والسبب الغير مباشر في عودة كل من أكرم وشمس إلى بعضهما عندما قبض عليه العام الماضي بتهمة قتل كان بريئا منها وكانت شمس هي دليل براءته الوحيد ... لم تكن قمر تعرفه جيدا ... إلا أنها تعرف من خلال شمس ... أنه فرد وجد بالخطأ في عائلة الطويل .. بشفافيته .. وجموح مشاعره .. وصدقه .. هو أيضا كان يحمل تلك المعالم على وجهه الصبياني الوسامة ... وفي عينيه الخضراوين الجميلتين .. معالم من نضج قبل أوانه .. واختبر ما لا يفترض بشخص طبيعي أن يختبره .. مقتل صديقه المقرب .. ثم اكتشافه أن القاتل هو صديقا آخر له .. كاد يقتله هو أيضا كي يغطي على جرائمه .. كادت قمر تضحك بمرارة ... إنهم حقا حفنة من المنافقين ... يستخدمون عيد ميلاد شمس كي يغطوا بالفرحة الزائفة على تعاستهم .. ربما شمس هي الشخص الصادق الوحيد ... الذي كان يرفض الاختفاء وراء المظاهر الكاذبة .. الشخص الوحيد الذي لم يجبن قط عن ذكر اسمها .. مذكرا الكل بما أرادوا نسيانه ... عام كامل .... وما أكثر ما فصل هذا العام بينه وبين يومهم هذا ... دون أن يشعر أحدهم .. تحركت بخفة نحو الشرفة .. فتحت الباب الزجاجي المحجوب بالستائر الثقيلة .. ثم خرجت ليصفعها هواء نوفمبر البارد .. مداعبا خصلات شعرها التي ازدادت قصرا في الآونة الأخيرة بعد واظبت على قصه مستعيدة لونه الأصلي ... لا مزيد من التظاهر بأنها امرأة أخرى .. لا مزيد من المظاهر الكذابة في محاولة لإرضاء عائلة اكتشفت بالطريقة الأصعب بأنها لم تعتبرها قط جزءا منها .. لا مكان في حياتها بعد الآن إلا لنفسها ... ونفسها فقط .. مالت على الحاجز المطل على الشارع الراقي الذي تقيم فيه شمس منذ وافقت أخيرا على منح أكرم فرصة .. وعادت للإقامة معه إنما في الشقة الجديدة التي اشتراها لأجلها ... حيث قاما يتأثيثها معا .. وترتيبها استعدادا لحياة جديدة .. وقد كانت كذلك .. رغم أن علاقتهما تعود لما يزيد عن خمس سنوات مضت .. إلا أن كل منهما كان يتعرف من جديد على الشخص الذي استحال إليه كل منهما .. قبل أن يعودا ليقعا في حب بعضهما مرة أخرى .. فلا أكرم يذكر شيئا عن شمس القديمة ... ولا شمس تعرف شيئا عن أكرم الذي انمحت أشهر من ذاكرته عقب تعرضه لحادث سير قبل سنوات تضمنت كل ما يرتبط بعلاقته بشمس .. ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي قمر ... شمس سعيدة الآن .. رغم كل شيء .. رغم الشك الذي كانت تراه أحيانا في عينيها .. ذلك الاضطراب وكأنها تعتقد بأن سعادتها الحالية غير حقيقية .... ورغم تلك الظلمة التي كانت أحيانا تراها في عيني أكرم عندما كان ينظر صامتا إلى شمس دون أن يدرك أن أحدا يراقبه ..

وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن