الفصل الثالث

13.1K 324 21
                                    

الفصل الثالث

*
*
*
*
*
*

:- ما الذي تفعلينه ؟؟
انتفضت شمس وهي تستدير نحو أكرم الذي كان يدعك رأسه المبتل بمنشفة صغيرة مباشرة بعد خروجه من الحمام .. يبدو جميلا .... جميلا للغاية ... ازدردت ريقها وهي تكبح مشاعرها التي كانت بعيدة تماما عن الثقة و قالت بسرعة :- لا شيء ..
ضيق عينيه وهو يلاحظ يديها المختبئتين وراء ظهرها بينما هي تقف أمام الخزانة قائلا :- يبدو لي أنك تخفين شيئا عني ..
:- أنت تتوهم ... من الواضح أنك نعسان .. وبحاجة لأن تنام ..
رفع حاجبيه وهو ينظر إلى فمها المزموم بتصميم .. بينما أطل القلق من عينيها البندقيتين .. وقال محذرا :- لا .. أنا لست نعسانا ... أنا فضولي .. وإن لم تظهري لي ما تخفينه وراء ظهرك .. وما كنت تنوين إخفاءه في الخزانة بعيدا عن عيني لو لم آت في الوقت المناسب ... اكتشفته بنفسي ..
أطلقت شهقة استنكار وهي تتظاهر بالحنق هاتفة :- هذا اسمه اعتداء على خصوصيتي ... ربما أنا زوجتك .. إلا أنني أمتلك الحق بـ ... ماذا ... توقف ... أكرم ...
كان قد تقدم نحوها بينما هي ترمي كلماتها الغاضبة نحوه .. ليمسك بخصرها النحيل بين يديه .. ويديرها ببساطة وبدون جهد وكأنها لا تزن شيئا .. أو تمتلك أي شيء من القوة ... ثم ينتزع الشيء القماشي الصغير الذي كانت أصابعها تتشبث فيه بقوة ..
:- أعده إلي ... أكرم ...
بينما هي تحاول بطفولة استعادة الشيء الذي أخذه منها ... تمكن هو من فرده والنظر إليه جيدا ...
خلال لحظة .... كان الزمن قد توقف مرة واحدة حول أكرم وهو يحدق بقطعة القماش التي اتضح أنها كانت قطعة ملابس صغيرة جدا ... بحجم رضيع صغير لم يتجاوز عمره الأشهر ....
:- أكرم .... أعده إلي ..
صوتها كان مرتجفا ... إلا أنه كان عاجزا عن الاستجابة لكلماتها وهو يحدق باللون الأبيض للقطعة المخملية .. والتي ارتسمت على واجهتها صورة دب مرح الشكل ..
:- أكرم ... قلت لك أن ..... أكرم ... هل تبكي ؟؟؟
لم يدرك حتى أن دموعه كانت تسيل فوق وجنتيه ساخنة ... حارقة .. حتى سمعها تنبهه .. قال بصوت هامس :- أتساءل أحيانا إن كان صبيا أم بنتا ...
سمعها تهس من بين أنفاسها ... وقد فهمت بأنه لم يكن يقصد إطلاقا الطفل الذي كانت تحمله الآن ... بل ذاك الذي فقدته قبل خمس سنوات ... عندما دفعها أكرم دون أن يقصد من فوق درجات المستشفى حيث كان يعمل .. مدفوعا بخوفه من وجودها المفاجيء في حياته .. ومن ذكرياته المفقودة عنها ... قال بصوت متقطع :- لم ... لم أسأل .. لم أرغب بأن أعرف .. لا أعرف حقا إن كان من الممكن اتعرف إلى جنسه في ذلك الوقت المبكر من الحمل .. إلا أنني لم أرغب بأن أعرف على أي حال ...
دون أن يسألها عرف دوافعها ... إذ كان الألم حين ذاك أكبر من أن يحتمل أن يضاف فوقه ألم معرفتها بجنس الجنين ..
كانت تقف إلى جانبه ... إلى أن عينيه كانتا تتحاشيان عينيها ... شمس عرفت دون أن تسأله بأن ما يثقل كاهله .. لم يكن ذكرى طفل لم يكتب له أن يرى النور .. لقد كان هناك شيئا آخر ... شيئا يرفض إخبارها به ..
همست :- أكرم ....
قاطعها قائلا وهو يستمر في تلمس القطعة بتشوش :- هل ... هل اشتريتها اليوم ؟؟
:- كنت في السوق برفقة قمر ... كان عليها شراء هدية لصديقتها التي أنجبت قبل أيام .. وعندما رأت هذه القطعة ... اشترتها وأهدتها لي .. أظنها تحاول إخباري بطريقتها الخاصة بأنها سعيدة لأجلي ... وبأن ظروفها الحالية أبدا لن تقف في وجه كونها خالة جيدة ..
هز رأسه دون أن يعلق ... فمدت يدها تلامس ذقنه .. وترغمه على أن يلتفت نحوها وينظر إلى عينيها ... للحظات ... التقت نظراتهما بصمت ... عيناها العسليتان بعينيه السوداوين .. حتى قطعت الصمت هامسة :- أحبك ...
عندما لم يقل شيئا ... عيناه تفيضان بالفوضى تابعت بحرقة :- أنا أحبك ... أتعرف هذا ..
الهستيرية التي كانت تجاهد كي تخفيها كانت كافية وهي تصل لأذنيه كي تخرجه عن شروده وهو يهتف :- أعرف ... أعرف .. وأنا أحبك يا شمس ... رباه كم أحبك .. وأنا آسف ... أقسم أنني آسف ..
ضمها إليه بقوة ... يعتصرها بين ذراعيه حتى ضاق صدرها إلا أنها لم تعترض .. تركته يستنشق رائحته .. يلامسها وكأنه يؤكد لنفسه أنها موجودة .. وأنها لن تذهب إلى أي مكان بعيد عنه ..
شمس سامحت أكرم منذ فترة طويلة على ما فعله بها في الماضي ...
إلا أنها لا تعرف إن كان سيسامح نفسه قريبا أم لا ..

وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن