الفصل الرابع والثلاثون والأخير

13.5K 302 7
                                    

الفصل الرابع والثلاثون والأخير

أحست وردة بالدماء تنسحب من وجهها فور أن وجدت نفسها في مواجهة إيناس الطويل ...
وردة قابلت هذه المرأة مرتين فقط لا أكثر ... إلا أنها في كل منهما .. خرجت بنفس الانطباع .. هذه المرأة شخص لا يمكن أبدا أن تقبل المساومة حول شيء يعترض خططها ومشاريعها .. ووردة عرفت منذ البداية بأنها تدخل ضمن هذه الأشياء التي تتمنى إيناس الطويل أن تختفي إلى الابد ..
لم تملك وردة وهي تحدق بالمرأة الواقفة أمامها .. إلا أن تقارن بينها وبين آمال الطويل .. بينما الأخيرة كانت تتنفس الرقي في كل ما فيها ... هذه المرأة كانت رغم كل محاولاتها .. صورة مزيفة لم تكن رغم كل محاولاتها قادرة على أن تنافس آمال في أناقتها الفطرية ..
شعرها الأشقر المصبوغ والمصفف بعناية .. ملابسها غالية الثمن والمختارة بعناية .. كان من المفترض بها أن تجعلها تبدو أصغر عمرا ... إلا أن التأثير جاء مختلفا تماما .. خاصة وقد اعتلى وجهها تعبيرا بعيدا تماما عن الاسترخاء ... نظراتها الداكنة .. كانت تمشط وردة بازدراء وتعالي ... من رأسها حتى أخمص قدميها ..
قالت إيناس الطويل بجفاف :- هل أستطيع الدخول ؟؟؟
شقيقا وردة ... كانا قد انطلقا مختفيين على الفور ... دون أن يحملا زيارة المرأة الغريبة أي أهمية ... وقد اعتادا على تردد نساء الحي على منزلهما بدافع الاطمئنان على العائلة والوقوف إلى جانبها .. في حين أن وردة وحدها من كانت تعرف بأن السبب الحقيقي للزيارة كان الفضول والرغبة في الحصول على مزيد من مواد الثرثرة ...
لم تملك وردة إلا أن تتراجع مفسحة لها الطريق ... محتفظة قدر الإمكان بهدوئها وهي تنظر بقلق نحو باب غرفة شقيقيها ... كيف لردة فعل إيناس الطويل أن تكون لو أنها عرفت بأن كنان موجود في منزلها في هذه اللحظة ؟؟؟
خطت إيناس الطويل إلى داخل الشقة ... متجولة بعينيها في أنحاء المكان .. كانت وردة قادرة على رؤية الامتعاض يتجلى في عينيها وهي تلاحظ فقر المكان وحقارة أثاثه القليل .. تذكرت وردة منزل آل طويل ... منزل إيناس الطويل بالذات ... فيلا كبيرة شديدة الرفاهية إلى حد المبالغة .. إن خيرت وردة بين ذلك المكان الموحش وهذه الشقة الصغيرة المتواضعة .. لاختارت هذه الشقة بدون تردد ..
التفتت نحوها إيناس الطويل وهي تقول بهدوء :- لقد سمعت بخبر وفاة والدتك ... أنا آسفة ..
لم يبد عليها الأسف على الإطلاق ... إلا أن وردة لم تجادلها وهي ترد بالهدوء نفسه :- شكرا لك ... إلا أنني لا أظن بأن التعزية هي ما جاء بك إلى هنا يا سيدة إيناس ... لم لا تخبريني بما جئت لأجله بالضبط ؟؟
ردة فعل وردة لم تعجب السيدة إيناس على الإطلاق ... خمنت وردة بأنها توقعت أن تجد فتاة مكسورة في انتظارها ... ضحية ضعيفة مستعدة للتنمر الذي بدا واضحا أنه ما جاءت السيدة إيناس متسلحة به ..
قالت إيناس بجفاف :- أظنك تعرفين جيدا ما أريده .. أريد لزوجي وأبنائي أن يتوقفوا عن المجيء إلى هنا والتصرف وكأن عائلة الطويل تدين لعائلتك بأي شيء ... نعمان يظن بأنه مسؤول بطريقة ما عن كل المشاكل التي تتعرضين لها .. بأنه مضطر للاهتمام بك وكأنك فرد من عائلته حقا .. وكأن عمك لم يكن القاتل المتسلسل الذي حاول قتل ريان .. وليته في النهاية ....
ثم صمتت ... وجهها محتقن يحمل تعابير جعلت الدماء تهرب من وجه وردة ... أكانت السيدة إيناس تتمنى لو أن عمها كامل قد نجح في قتل ريان ؟؟؟
أن يرغب أحد ... أي أحد بإيذاء شخص كريان .. كان أمرا في غاية البشاعة .. ما الذي فعله كي يجتذب حقدا كهذا من هذه المرأة .. عدا كونه ابن المرأة التي لم ولن تتمكن قط من مجاراتها أو التفوق عليها ..
تابعت السيدة إيناس بصوت حاد :- الخلاصة أنني أريدهما أن يتوقفا عن التردد عليك .. أريدك ان تخرجي من حياتنا إلى الأبد فلا نراك أو نسمع عنك مجددا ..
بمعجزة ... وبقوة إرادة اكتسبتها إرادة مع الزمن ومع تواطئ المصائب فوق رأسها ... قالت بهدوء :- وكيف لي أن أوقفهما عن الحضور ؟؟؟ كيف يستطيع أي كان إقناع فرد من عائلة الطويل بأن يفعل شيئا لا يريده ؟.. كنان ... يمتلك عقلا كالحجر .. مهما حاولت إبعاده .. فإنه لا ينفك يعود رافضا الرحيل ..
إيناس كانت أكثر من يعرف عناد رجال عائلتها .. وتأكيد وردة على هذه الحقيقة إضافة لإشارتها لعلاقتها بكنان .. لم يزدها إلا غضبا وهي تهس من بين أسنانها :- هل تظنين بأنني قد صدقت ولو للحظة بأن خطوبة كنان لك حقيقية ؟؟؟ أنا أعرف منذ البداية بأن علاقتكما محض تمثيل الهدف منه هو أن يتخلص من الزواج الذي رتبناه له أنا وأبوه ..
تصريحها لم يجفل وردة التي كانت تخمن منذ البداية بأن إيناس الطويل كانت ذكية بما يكفي كي تدرك بأن خطوبتهما مجرد كذبة ... إن كان عمر .. الرجل الذي قابلته لمرتين فقط لا غير .. قد أدرك الحقيقة على الفور .. فما بالك بوالدة كنان .. قالت بجفاف :- ما دمت متأكدة من هذا .... فما الذي تفعلينه هنا ؟
تجرؤ وردة على مخاطبتها بهذه الطريقة ... جعل وجه المرأة يكفهر .. هتفت :- لأتأكد بأنك لن تلاحقيه بأساليبك الوقحة ... أتظنينني لا أعرف السبل التي تتبعها الفتيات أمثالك لأجل دفع رجل ثري للزواج منهن ؟؟
كادت وردة تسألها بتهكم .. وهي تتذكر شيئا من ثرثرات الموظفات بين أروقة شركة آمال الطويل .. إن كان مصدر معرفة السيدة إيناس بهذه السبل كانت نابعة عن استخدامها هي إياها عندما أوقعت بنعمان الطويل قبل سنوات طويلة ... إلا أنها تذكرت في اللحظة الأخيرة بأن هذه المرأة رغم كل شيء ... هي والدة كنان ..
فجأة .... روحها القتالية ذابت وكأنها لم تكن ... وقد احتل وجهه الوسيم الطفولي التعابير مخيلتها .. فكرة أن تؤذيه ... بأي طريقة كانت .. حتى لو كان من خلال هذه المرأة التي ربما كان الشيء الوحيد الجيد الذي فعلته في حياتها هو أنها قد أنجبته ... كانت تعتصر قلبها بدون رحمة بقبضة من الألم ..
عندما تأخرت في الرد .. ظنت إيناس الطويل بأن صمتها نابع عن ضعف وعجز منها عن الدفاع عن نفسها .. فقالت بقسوة :- أنا أعرف بأنه لن يفكر أبدا بالزواج بك .. كنان ولدي وأنا أعرفه .. ربما هو يلاحقك .. ربما هو يتردد عليك كثيرا ويصر كأبيه على الوقوف إلى جانبك .. إلا أننا أنا وأنت نعرف جيدا ما الذي يريده شاب ككنان ... من الواضح أنك قد أثرت فضوله واهتمامه بما يكفي كي يحاول تذوق ما تمتلكينه .. أنت مختلفة عن الفتيات اللاتي يرافقهن عادة .. هن أجمل منك .. أرقى .. أثرى .. وقطعا من عائلات أفضل .. اختلافك .. يجعل لمطاردتك .. ولحصوله عليك في النهاية .. مذاق أشهى ..
طريقة كلام السيدة إيناس ... وتلميحها الواضح .. جعل وردة تتشنج ... متذكرة المرات القليلة التي قبلها فيها كنان .. المرات التي أظهر فيها لهفته .. والتي كانت هي أكثر ضعفا من أن تقاوم مشاعره الجياشة فيها ..
للحظة ... رغم أنها كانت تعرف بأن هذه المرأة كانت تسعى لإيذائها فقط .. شعرت وردة فجأة بالصغر .. بانعدام الثقة .. بالقلق والقهر .. وهي تتساءل .. أترى اهتمام كنان بها .. رغم اعترافه السابق لها بالحب .. معرض لأن ينتهي فور أن تضعف بما يكفي بحيث تمنحه ما يريد ؟
:- من الأفضل أن تبعديه بنفسك .. أن تخرجيه من حياتك إلى الأبد قبل أن يخرج بنفسه فور أن يعرف كل شيء عنك ..
توترت وردة ... قلبها يخفق بعنف بين أضلعها وهي تنتظر معرفة ما تراها تلمح إليه .. لتشحب تماما عندما تابعت :- كنان ... مهما كان متهورا ولعوبا ... هو أبدا .. لن يرغب بالارتباط بفتاة والدتها مجنونة .. في حين لا يعرف أحد .. إن كان والدها هو والدها الحقيقي بالفعل ... أم عمها ..
ارتفعت عينا وردة المتسعتين بالصدمة لتلتقيا بعيني كنان من فوق كتف السيدة إيناس ... وجهه الجامد ... وعيناه الغاضبتان .. واختفاء أي أثر للصدمة بعد سماعه تصريح والدته .. صفع وردة في الصميم ..
كنان كان يعرف ...
لاحظت السيدة إيناس نظرات وردة ... فالتفتت لتجفل شاحبة وهي ترى كنان يقف ورائها .. نظراته القاسية كانت تواجه والدته بدون أي تردد .. السيدة إيناس التفتت نحو وردة وهي تهس من بين أنفاسها :- لقد فعلت هذا متعمدة .. لقد امتنعت عن إخباري بوجود كنان كي تفرقي بيننا أيتها الـ ...
:- أمي ....
هتاف كنان الصارم أعاد انتباهها إليه ... وجهها الغاضب فقد ثباته فجأة وهي تلاحظ للمرة الأولى بأن ابنها الوحيد قد كان يبدو في تلك اللحظة .... مختلفا ...
وكأنه .... وكأنه قد نضج فجأة وتوقف عن أن يكون ذلك الفتى المشاكس الذي كان يرفض تحمل أي نوع من المسؤولية ...
وكأنه .... وكأنه قد خرج فجأة من نطاق سيطرتها .... مما جعل شيئا من الذعر يغلف قلبها وهي تهتف بعصبية مهاجمة إياه :- ما الذي تفعله هنا ؟؟
قال ببرود :- هل نسيت بأن وردة خطيبتي ؟؟؟ هل تتوقعين بأنني سأتركها وحدها في ظروفها الحالية دون أن آتي يوميا لرؤيتها والوقوف إلى جانبها ؟ لن يلومني أحد على الإطلاق على تواجدي هنا كل يوم أو حتى كل ساعة ..
كزت على أسنانها وهي تقول :- أمازلت تصر على هذه الكذبة السخيفة ؟ أنا أعرف بأن خطبتكما زائفة ..
:- معلوماتك خاطئة يا أمي ... وردة هي خطيبتي ... وستظل كذلك ... حتى تصبح زوجتي ..
هتفت بثورة :- أنت تحلم .... أنا لن أدخل فتاة مثلها بيتي أبدا ... هذه الفتاة الحقيرة لن تكون أبدا جزءا من عائلتي ..
كنان كان لينفجر في وجه والدته ثائرا هو الآخر لو أن هذا الحوار دار قبل أشهر ... أما الآن .. وبعد كل ما مر في حياته ...حادث جمان .. تعرض ريان لمحاولة قتل ... ثم اختطاف لقمان .. ولقائه بوردة .. يشعر كنان فجأة بأنه قد بات شخصا آخر تماما ...
قال بهدوء :- لا تقلقي .... أنت لن تضطري لاستقبالها في بيتك أبدا ... لأنها ستكون سيدة بيتي أنا ..
هتفت بوحشية :- لن أسمح لك بهذا أبدا ... أتسمعني ... أنا لم أنجبك كي تدمر كل خططي بزواجك فتاة مثلها ..
:- إن وقفت في طريقي يا أمي ... وحاولت منعي من فعل ما أريد .. فأنا سأخرج من حياتك ... و ستخسرينني حينها ... بالضبط كما خسرت جمان .. فيكون الأمر كما لو أنك لم تنجبيني أبدا ... إنما أخبريني يا أمي ... لو أنك أنت من خرج من حياتي ... ما الذي تراني أخسره بالضبط ؟
امتقع وجهها تماما عندما طرح سؤاله الأخير ... بدون أي كلمة أخرى ... استدارت إيناس الطويل مغادرة الشقة تماما ...
لدقيقة كاملة ... ظل كل منهما ينظر إلى الآخر .. وكأنه ينتظر منه أن يبدأ تعليقه على ما حدث ... كنان لم يفعل .. بل ظل ينظر إليه بوجهه الخالي من التعبير .. دون أن يسمح لها بأن تقرأ مشاعره .. فلم تجد سوى أن تقول بشيء من التوتر :- لقد كنت قاسيا عليها في النهاية ..
:- أتراك تشفقين عليها بعد كل ما قالته لك ؟
لهجة الاستنكار الغاضبة التي ظللت كلماته ... عارضت تماما جموده الظاهر .. قال بصوت مكتوم :- أنت لم تترددي قط في الماضي في رد الصاع صاعين لي في كل مرة تواجهنا فيها بالكلام ...
أطلقت ضحكة مريرة وهي تقول :- أكنت تريدني أن أطردها ؟
:- هذا أقل ما تستحقه ..
تنهدت .. وهي تقول بحزن :- كنان .... ربما والدتك كانت فظة ... إلا أنها في النهاية .. كانت محقة تماما ..
أطلقت شهقة عنيفة عندما قطع الطريق بينهما فجأة .... ممسكا بذراعيها ... رافعا إياها على رؤوس أصابعها .. أصابع يديه كانت من القوة بحيث ذكرتها بالمرة الأولى التي قبلها فيها ... عندما دفعها نحو جذع الشجرة وأرغمها على فعل ما لا تريد ...
لصدمتها ... لم تشعر بالامتعاض من الذكرى ... لم تشعر بالقهر والإذلال والحاجة لضربه .... لقد شعرت فجأة بالضعف ... وبالشوق الخالص ... لقد أدركت في تلك اللحظة والمسافة تتقلص بينهما فلا يفصل بينهما كثر سنتيمترات قليلة .. بأنها قد افتقدت وجوده في حياتها خلال الأيام التي نبذته فيها منذ وفاة والدتها ...
لقد افتقدته ... افتقدت شغبه ... مزاحه ... الطريقة التي كان دائما يستفزها فيها ... الطريقة التي كانت تكتشف دائما رغم كل تظاهره أي شاب رقيق مرهف الحس هو ...
لم يكن على وعي بالصراع الدائر داخلها ... لقد كان غائبا تماما في غضبه وهو يقول كازا على أسنانه :- محقة ؟؟؟ منذ متى تتفقين أنت ووالدتي يا وردة ؟؟؟ وكم مرة علي أن أخبرك بأنني لا أهتم .. لا أهتم بما يقوله الآخرون ... وبأنني أحبك ... سواء كانت الشائعات التي يتناقلها الناس حول والدتك صحيحة أم لا .. أنا أحبك .. ولا أستطيع أن أعيش بدونك لحظة ...
:- كنان ...
هتافها باسمه ... كان يحمل الكثير من الألم والقهر ... كان يرى في عينيها الداكنتين أشباح صدمتها بمعرفته .. منذ اللحظة التي ذكرت فيها والدته الأمر على مرمى مسامعه فلم يظهر أي شيء من الدهشة ...
قال بصوت أجش :- أتتساءلين كيف عرفت ؟؟؟ الحي بأكمله كان يتحدث عن الأمر في الجنازة .. وبالطبع وصل الأمر إلى مسامعي بشكل كامل ..
امتقع وجهها وهي تحاول يائسة التملص من قبضته ... تخشى أن تصدر ضجة فتنبه شقيقيها ... ترغب في ضربه .. وتمزيقه لصراحته .. في الآن ذاته .. كانت ترغب بأن تتكوم في زاوية خفية بعيدة عن الأنظار فتبكي عارها .. إلا أنه بإمساكه إياها بذلك الحزم ... لم يسمح لها بأن تقوم بأي من الأمرين ...
قال بغضب :- في الواقع ... لقد تعمد بعضهم أن يحكي الأمر على مسامعي .. ولكن أتعلمين ... أتعلمين يا وردة ... أنا لم أصدق حرفا واحدا مما قالوه ..
اتسعت عيناها وهي تحدق فيه ... بينما تابع :- من السهل جدا إطلاق الشائعات وافتراض الأكاذيب ... إلا أنها لا تكون وقائع على الإطلاق ... إلا أن كان هناك أي أدلة ملموسة ... ألديك أي دليل على صحة ما يقولون يا وردة ؟؟؟ هل هناك ما يثبت ... بأن والدتك حقا كانت على علاقة بعمك ؟
أنفاسها كانت تتردد داخل صدرها بسطحية وسرعة ... قالت بصوت مرتجف .. حريصة رغم كل اضطرابها على ألا يستمع شقيقاها إلى حديثهما :- أنا لا أحتاج إلى دليل كي أعرف ... كل شيء كان يشير إلى علاقتهما .. الطريقة التي كانت تعاملني فيها .. الطريقة التي كانت تلومني فيها على ما حدث مع عمي كامل .. لقد كانت تحبه أكثر مما أحبتنا كلنا ... لقد كانت مستعدة لإنهاء حياتها دون أن تعبأ بأي شخص آخر فقط لأنه ما عاد موجودا ..
:- ماذا إن كنت مخطئة ؟
رمشت بعينيها وكأنه قد طرح السؤال بلغة غير مفهومة ... في حين تابع :- ماذا إن كانت كل الظروف المحيطة مجرد صدفة لا أكثر ... ماذا إن كانت والدتك قد قتلت نفسها يأسا ... لأنها لم تعتد قط على أن تحتمل المسؤولية ... معتمدة دائما على عمك ثم عليك أنت ... ربما هي كانت مريضة ولسنوات دون أن يدرك أحدهم مرضها ... ماذا إن كان جميع من حولها مسؤول عن وفاتها بتلك الطريقة ... ماذا إن كانت والدتك يا وردة ... مجرد ضحية ... كتب لها أن تعيش تعيسة ... ثم تموت وحيدة ... ثم تثار حولها الأقاويل بدون رحمة بعد موتها ...
الصدمة التي اعتلت وجهها قالت كل شيء عنها ... في حين عجز لسانها عن قول أي شيء .. كانت قد توقفت عن قتاله .. عن محاولة التخلص من قبضته ... بهدوء .. حررها .. دون أن يبتعد عنها وهو يقول :- فكري بأخوتك يا وردة .... أنت الآن المسؤولة عنهما ... أنت والدتهما الآن ... أهذا ما ترغبين بتعليمه إياهما .... انعدام التسامح .. والحكم على الأشخاص الذين نحبهم دون أن نسمع منهم حتى ؟؟
ثم تمتم بقهر :- لقد كاد أخي الأكبر يموت ... دون أن تتاح لي الفرصة كي أصلح كل شيء بيني بينه .. لقد عشت لسنوات أراه ذلك الأخ الظالم والقاسي دون أن أفهمه حقا .. لقد فضلت طوال حياتي أن أحكم عليه من منظوري الصبياني والمدلل دون أن أنظر إليه فلا أرى إلا ما يراه الآخرون ... دون أن أرى حقيقته أبدا .. بأنه كان لسنوات طويلة بعاني بصمت ... دون أن يتمكن أحد من ان يرى معاناته تلك ..
كانت ما تزال غارقة في ذهولها عندما ربت على وجنتها برفق ... وقال :- أنا سأغادر الآن ... سألحق بها ... قبل أن تقوم بعمل أحمق كالذهاب إلى أبي في العمل مقتحمة المكان وهي تصرخ شاكية إياي إليه .. ليس أنه سيستمع إليها ... إنما هو حقا لا يرغب بالمزيد من الفضائح في العائلة ..
تركها ... متجها نحو الباب ... فالتفتت تراقبه بعينين تائقتين ... لقد كانت تعرف بأنه إن غادر هذا الباب دون أن توقفه ... فإنه على الأرجح لن يعود أبدا ... إلا أنه خالف كل توقعاته كما يفعل مؤخرا بكثرة .. والتفت نحوها قبل أن يفتح الباب قائلا :- آه ... نسيت أن أخبرك .. أنا سآتي لزيارتك كل يوم ... ومن الأفضل لك أن تفتحي لي الباب وأن تردي على اتصالاتي ... أنت لن ترغبي بأن أتسلل في كل مرة كما فعلت اليوم كاللصوص ... صحيح ؟؟ لن يكون تفسير حضوري الدائم في غيابك ومفاجئتي إياك بوجودي سهلا لأخويك ..
قالت بخشونة :- وكيف لي أن أفسر زيارتك اليومية لهما ؟
نظر إليها مليا ... ثم قال :- أنا صديق ... صديق لا يتخلى أبدا عن أصدقائه وقت الشدة .. وأنا سأظل ذلك الصديق يا وردة ... مهما حاولت إبعادي ... سأظل أعود .. يوما بعد يوم ... حتى تقرري أخيرا رفعي من مرتبة صديق ... إلى الرجل الذي تثقين به وتحبينه ...
ثم بدون أي كلمة أخرى ... غادر المكان ..






وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن