الفصل العاشر

13.8K 343 9
                                    

الفصل العاشر




كان الوقت متأخرا على أن تظهر أي ندم على قرارها بمرافقته ... أو أن تتراجع عن القرار الذي اتخذته في لحظة طيش ليلة الأمس بينما هي تتقلب فوق سريرها في غرفتها ..
عندما هددها قبل أيام محاولا إرغامها على مرافقته .... لم تمنح تهديده أي أهمية .. إذ أن لقمان الطويل لن يجد أبدا شيئا يتمكن من ابتزازها به بعد الآن ... بعد خسارتها كل شيء إلا نفسها التي كانت ترممها من جديد بقوة لم تكن تدرك بأنها تمتلكها ... إلا أنها باتت تدرك خلال السنة الأخيرة بأنك إن تمكنت من انتزاع نفسك من تحت التراب نافضا عنك أغبرة الفشل والهزيمة ... فأنت حتما ستفعل أكثر قوة .. كالعنقاء حين تنتفض من التراب مجددة نفسها .. أكثر قوة وتألقا ..
بحر لا تعرف أي شيء عن التألق ... إلا أنها واثقة كل الثقة بأنها أكثر قوة مما كانت .. أكثر حصانة ومناعة .. أكثر إصرارا على أن تحافظ على ما تبقى منها من الدمار الكلي ...
عندما هددها ... اكتفت بأن نظرت إليه ببرود طالبة منه الرحيل ... لراحتها ... هو خرج حقا تاركا إياها وحدها .. غير مدرك لأنه بمحاصرته القصيرة تلك لها في غرفتها .. هز كيانها كاملا باحتلاله المساحة الصغيرة للمكان ...
أن تدرك بأن جزءا منها ما يزال متأثرا به بطريقة أو بأخرى صدمها ... بعد كل شيء ... بعد كل ما فعله .. حتى وهي تؤمن بأن حبها له قد مات ... ذلك الشعور الغادر الذي جعلها تمنحه أكثر بكثير مما أراد أن يأخذ .. لقد منحته قلبها إلى جانب ما استولى عليه عنوة مبتزا إياها لأجله ... والنتيجة أنها لم تخسر شرفها وسمعتها وعائلتها فحسب ... لقد خسرت قدرتها التامة على الشعور بأي عاطفة كانت اتجاه أي شيء ..
أن تدرك بأن جزءا منها ما يزال يمنحه أي قدر من الاهتمام ... حتى لو كان شيئا بسيطا من التأثر .. جعل ثقتها بقدرتها على مواجهته .. ومواجهة ماضيها الذي عادت بالذات كي تثبت بأنها ما عادت تخافه .. تقل فجأة وتهتز ...
هذه الصدمة هي التي غيرت رأيها بعد أيام من الترقب الصامت لأي محاولة منه للضغط عليها ... أيام من الانتظار لم يتخللها سوى إرساله للثوب الغير عادي .. في صندوق كبير وأنيق .. ثوب ربما كان ليسرق لبها لو أنها رأته في ظروف أخرى وزمن آخر .. إلا أنه لم يزرع داخلها سوى إحساس بالخواء وهي تدرك عجزها عن الاستمتاع حتى بأصغر الأمور .. كفستان جميل قدم إليها كهدية .
هذه الأفكار .. هي ما حرك غضبها ... لا لقمان الطويل .. لا محاولاته الواهية لإثارة غضبها وحاجتها للانتقام من خلال تذكيره إياها بما فعله بها ... بل خوفها من تكون مخطئة في تقديرها لقوتها وقدرتها على مواجهة مخاوفها .. هذا وحده ما دفعها وقبل وصوله لأخذها بساعات قليلة للنهوض وارتداء ذلك الفستان الأسطوري .. و تزيين نفسها بالطريقة التي تعلمتها خلال الفترة القصيرة التي عملت فيها مع آمال الطويل ... وعلمتها إياها والدتها خلال محاولاتها إخراجها من عزلتها في الأشهر الأولى التي تلت سفرها معها ..
صففت شعرها في البداية بطريقة أخفت بها ندبتها ... قبل أن تحدق بنفسها في المرآة لدقائق ... ثم ترفع تلك الخصلة الكثيفة مثبتة إياها وراء أذنها ... تاركة فيها ندبتها البشعة مرئية تماما للعيان ..
إن كان لقمان الطويل يريد منها حقا أن تنتقم منه ... ومن عائلته .. ومن مجتمعه .. فلتفعل مستخدمة كل أسلحتها ..
أن كان مستعدا لعرضها أمام المجتمع بأكمله .. معلنا بأنه قد تزوج رسميا من العاهرة التي جعل منها عشيقته لفترة مؤقتة ... فلتضف وصف مشوهة أيضا إلى جملة الأوصاف التي تتوقع أن تملأ همسات المدعوين هذه الليلة .. هي لا تعرف حقا ما هو هدف لقمان الطويل من اصطحابه إياها معه .. إلا أنها لا تمانع إذلال الرجل الذي أعلن لها مرارا في الماضي عن رفضه الزواج بفتاة مثلها لا تناسب رجلا ( مثله ) بأن تقف إلى جانبه أمام العشرات واصمة إياه بها ... كما أنها لن تمانع أبدا النظر مباشرة إلى عيني آمال الطويل .. وإرغامها على أن ترى بأنها لم تستطع كسرها كما أملت أن تفعل .. وأن كل خططها لأجل إبعادها عن ابن زوجها الغالي باءت بالفشل ...
أما عن علياء ... ضحكة مريرة كانت تتصاعد إلى حلقها كلما فكرت بها .. ابنة عم لقمان التي كانت تأمل بأن تتزوج به يوما ... ابنة عمه التي كانت بحر تعرف بأنها كانت اليد اليمنى لآمال في تلفيقها تلك التهمة الباطلة لها .. وبأنها كانت سببا غير مباشر كآمال تماما في وقوع بحر بين يدي لقمان ..
كيف تراها تشعر عندما ترى بحر واقفة إلى جانب لقمان عوضا عنها وأمام المجتمع بأسره ؟؟؟
أليست هذه صدمة كبيرة لها أن تدرك بأنها تمتلك نزعة انتقامية أكثر عنفا بكثير مما كانت تظن ؟
عندما طرق باب غرفتها ... لم يطل ترددها أكثر من دقائق قليلة .. إذ كانت أكثر تصميما على الانتقام من أن تجبن الآن ... فتحت له الباب ... وحدقت مباشرة بوجهه الخشن الوسامة ... المظلم الوسامة .. الارستقراطي الوسامة .. أنيقا في حلة سوداء غالية الثمن .. تفوح منه تلك الجاذبية التي تمسه .. ملامحه غير مقروءة على الإطلاق وهو ينظر إليها .. عيناه تمشطانها من رأسها المصفف بعناية ... إلى ندبتها التي لم تستطع الزينة إخفائها .. مرورا بالفستان الذي تراوحت ألوانه بين الأزرق البحري والذهبي .. وصولا إلى قدميها في الحذاء العالي الكعبين ..
لم يقل شيئا ... لم تهتز عضلة واحدة في وجهه .. إنما أحست بحر بشيء يفوح منه هز كل تماسكها وإرادتها الحديدية وهي تشعر بعنفه ..
عيناه السوداوان عادتا تنظران إلى وجهها ... المشاعر الفجة فيهما كانت أربكت بحر .. التي لم يسبق أن رأت لقمان أبدا تاركا العنان لأي نوع من العاطفة الحرة إلا ...........
إلا عندما كان يأخذها بين ذراعيه ...
داعية الله ألا يتمكن من ملاحظة اضطراب أنفاسها مع ضراوة الذكرى .... قالت بصوت بارد ... مسيطر .. مختلف تماما عن الفتاة الخائفة التي كانت تختبئ داخلها ... سجينة روحها الكسيرة منذ عام كامل .. تلك التي ما كانت لتسمح لها قط بالعودة للخروج إلى السطح من جديد :- أنا جاهزة ..
للحظة ... ظنت أنه يوشك على أن يقول شيئا ... شيئا يدمر كل جمودها المفتعل ... ويفضح النار التي لا تخمد أبدا في جوفها ... إلا أنه قال بهدوء :- لنذهب ..










وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن