الفصل الحادي والثلاثون

11.9K 296 10
                                    

الفصل الواحد والثلاثون

:- لقد كنت أعرف بأن تلك المرأة مجنونة ... إلا أنني لم أتخيل أن يصل جنونها حقا إلى حد محاولتها قتلك ..
قالت نورا ردا على كلمات شمس :- لقد حاولت قتلها بالفعل في الماضي .. لا أفهم كيف لم يتمكن أحد من التفكير بأنها قد تفعلها مجددا ..
تمتمت قمر التي كانت تجلس مكومة حول نفسها فوق الأريكة .. صورة خالد وهو ينزف بين يديها عقب إصابته بالطلقة المقدرة لها .. تأبى أن تغادر عقلها :- محاولتها دهسي بسيارتها كانت في نظر الجميع عملا حدث دون تفكير منها .. كرد فعل تلقائي وغير واعي على جدالي آنذاك معها ..
قالت شمس بفظاظة :- لم لا تسمي الأشياء بأسمائها ؟؟ هي كانت فتاة ثرية ابنة عائلة معروفة .. كان الكل ليلتمس لها الأعذار .. ووالدها كان ليقلب الأرض وما فيها كي يثبت بأنها غير مذنبة .. في حين كنت أنت فتاة يتيمة وفقيرة .. حبك لخالد كان ما قيدك ومنعك من السعي لأخذ حقوقك .. هو من طلب منك آنذاك أن تتنازلي عن القضية حماية لابنة خالته .. أمانها كان أكثر أهمية لديه من أمانك .. فلنواجه الحقيقة ..
رفعت قمر رأسها قائلة بغضب :- هذا غير صحيح ..
رفعت شمس رأسها لتقول بتحدي :- ما الذي فعله خالد قط لحمايتك ؟؟
قالت قمر بخفوت :- هذا هو خطأي منذ البداية ... أنني انتظرت منه أن يحميني .. لقد سمحت لعلاقتنا أن تكون اتكالية تماما .. تخليت عن عملي .. أصدقائي .. وقامت حياتي كلها عليه ..و هذا كان أكثر ما دمرني عندما تزوج بناهد .. هو خطأي أنا .. لا هو .. هو حاول أن يحميني بقدر ما يستطيع .. كما حاول أن يحمي ناهد .. في النهاية هو من تخلى عنها قبل سبع سنوات لأجلي .. لا العكس .. وأنا لا أملك أن ألومه على نبله هذا معها .. فلنقل أنه كان من الأسباب التي دفعتني لأن أحبه أكثر ..
:- هه ... وانظري إلى أين جرك حبك هذا ..
هتفت قمر بصوت أجش :- الرجل كاد يموت قبل أيام دفاعا عني ... كيف تتحدثين عنه بهذه الطريقة ؟
قالت شمس بقسوة :- دفاعا عنك ضد هجوم كان هو سببا له .. استمعي إلي جيدا يا قمر ... أنا لا أحاول تحريضك ضده .. أنا أحاول حمايتك .. أنت الآن تقفين في مفترق طرق .. هناك قرار عليك اتخاذه .. ويجب ألا تسمحي لذلك الحادث بأن يؤثر على اختيارك ..
شحب وجه قمر وهي تتذكر طلب عمران يدها للزواج ... خفق قلبها وهي تتذكر حلا . بوجهها لبريء وشقاوتها الذكية .. اغرورقت عيناها بالدموع والشوق الى شيء تعرف بأنها لن تناله أبدا يحرق فؤادها .. قبل أن تتمكن من أن تقول أي شيء ... ارتفع رنين جرس الباب ... فقفزت شمس تفتحه وهي تقول :- أظنه أكرم .. لقد قال بأنه سيمر ليأخذني إلى البيت ..
إلا أنها لم تجد أكرم عندما فتحت الباب ... إذ أن الشخص الذي كان واقفا أمامها ... كان بحر






تشعر وكأنها سمكة خارج الماء .. تململت وردة فوق مقعدها وهي تحدق حولها بتوتر .. تراقب كنان وهو يملي على النادل طلباتهما للعشاء بكل أريحية .. وقد بدا واضحا أنه أحد الرواد الدائمين لهذا المكان الذي يعد أحد أكثر مطاعم المدينة رقيا وتكلفة ..
مررت كفها فوق تنورتها السوداء المستقيمة وهي تشعر بنفسها قليلة الأناقة وقد تلقاها كنان فور خروجها من عملها جارا إياها إلى هنا دون حتى أن يسألها ... أحست بأنها تبدو كفتاة قروية إلى جانب باقي الرواد المتأنقين من حولها ..
فور أن ابتعد النادل ... التفت كنان نحوها ليلاحظ الغيظ في ملامحها .. فقال متسليا :- من الأسهل لك لو توقفت عن القتال واستمتعت باللحظة ..
كشرت وهي تقول :- لقد تعمدت إحضاري إلى هنا كي تحرجني .. صحيح ؟؟؟
:- بالـتأكيد ... أعرف بأنك لا تحبين لفت الأنظار .. وكونك في هذه اللحظة أجمل امرأة في المطعم .. لابد وأنه يحرجك بشدة ..
احتقن وجهها وهي تقول :- هل تسخر مني ؟؟؟
قال بدهشة :- هل أبدو وكأنني أسخر ؟؟
قالت من بين أسنانها :- أنت تعرف بأنني لست جميلة على الإطلاق ..
نظر إليها مليا ... النظرة في عينيه السوداوين جعلت حس القتال لديها يموت فجأة وقد أخافها المعنى الغامض فيها .. الذبذبات الغريبة التي أحستها تنبع منه ... تلاشت فجأة وهو يبتسم قائلا بعبث :- هذا جيد ... إن ظللت تشعرين بالنقص بهذا الشكل .. أمنت من استجابتك لنظرات الرجال الآخرين التي تكاد تلتهمك .. أنا متملك للغاية إن كنت لا تعلمين ..
بالرغم من تورد وجنتيها ... أدارت عينيها وهي تقول :- أنت لا تطاق ...
ابتسم دون أن يقول شيئا ... وهو يراقبها تعود لتنظر حولها بنفس التوتر الذي لم يفارقها منذ أوقف سيارته أمام المطعم الذي يمتلكه أحد أصدقاء العائلة ..
أي فتاة أخرى .. كانت لتسعد وتفخر بأخذه إياها إلى مكان راقي كهذا .. لكانت بذلت جهدا كبيرا في إقناعه بأنها تنتمي لهذا المكان مثله بالضبط .. إلا أن وجل وردة وإحساسها بالضياع .. كانا يبثان لديه رغبة عارمة في أن يتمكن يوما من إزالتها تماما عنها ...
يوما ما ... وردة لن تشعر أبدا بأنها أقل من غيرها ... بل ستدرك بأنها أفضل بكثير من أي امرأة أخرى عرفها في حياته ...
عندما حضر الطعام ... تناولاه وهما يتبادلان الحديث بطريقتهما المعتادة نفسها والقائمة على الشجار .. في كل مرة كانا يتجادلان فيها كان الأمر ينتهي بهما ضاحكين حول أمر ما .. مما كان يثير حيرة وردة وقلقها وهي تدرك إلى أي حد كانا يتناغمان كلما التقيا .. لقد كان هناك نوع من الكيمياء التي لم تعرفها قط في حياتها حتى برفقة أقرب الناس إليها .. وقد أحست طوال حياتها بأنها غريبة حتى عن أفراد عائلتها ..
بعد أن أنهيا العشاء ... فوجئت به يطلب الحلوى التي تفضلها دون حتى أن يسألها .. التعامل مع كنان المغرور والوقح كان شيئا .. والتعامل مع هذا الشاب الذي كان يفاجئها بلطفه وتفهمه شيء آخر ...
التفت نحوها وهو يقول :- كيف حال ريان ؟
عبست قائلة :- ألا تزوره في المكتبة ؟؟؟
لا .... وقد أجفلته هذه الحقيقة .. منذ توقفت وردة عن أن تكون هناك .. هو لم يعد يذهب إطلاقا إلى المكتبة لرؤية ريان ...
هل كان يذهب ليراها هي دون أن يدرك هذا ؟؟؟
تمتم :- أنا مشغول هذه الأيام ... كما أنه هو الآخر يبدو مهموما .. عندما رأيته في المرة الأخيرة كان شارد الذهن طوال الوقت ..
:- هذا صحيح ... شيء ما يشغل باله .. أتساءل إن كان تركي العمل في المكتبة كان خطأ أم لا .. أظنه يحتاج إلي أكثر مما تحتاجني آمال الطويل ..
على الفور أظلم وجهه وهو يقول بشيء من الجفاف :- لا .... مهما كانت حاجة ريان إليك كبيرة .. فمستقبلك المهني أهم .. عملك في شركة آمال الطويل هو الأفضل لأجلك ..
يكفيه أنها تعود كل مساء إلى منزل ريان .. من الحماقة أن يشعر بالغيرة وقد عرف بأن ريان لا يرى وردة على الإطلاق إلا كصديقة مميزة ... إلا أنها هي ... هو ليس متأكدا على الإطلاق من مشاعرها .. إن كانت ما تزال مغرمة بريان .. أم أن ذلك الحب الوهمي قد استحال مع مرور الوقت إلى شيء آخر ..
أن تعود لتقضي نهارها كله إلى جانب شقيقه الأكثر منه وسامة ورقة ورومانسية .. قد يقضي على كل تعقله .. وهو حقا لا يريد أن يخسر ريان إن أدرك بأنه يقف في طريقه .. إذ .. كيف لكنان أن ينافس شقيقه الأكبر الشبيه بممثلي السينما ؟؟
عقدت حاجبيها وهي تقول :- أنت تعرف بأن هذا القرار يعود إلي ... صحيح ؟؟؟
:- نعم ... إن لم يعجبك العمل لدى آمال الطويل .. فأنا أستطيع مساعدتك في البحث عن عمل في مكان آخر .. إنما أنا لن أسمح لك أبدا بالعودة للعمل لدى ريان ..
شحب وجهها وهي تتذكر اتهاماته السابقة لها بملاحقة ريان .. أتراه ما يزال يظن بأنها تنتظر فرصة تتمكن من خلالها من نشب مخالبها في شقيقه الأكبر ؟؟؟
تذكرت المساء الماطر الذي علقا فيه في مكتبه .. عندما قبلها ... عندما استجابت له كالنبتة الذابلة التي تنال قطرة ماء منعشة بعد عطش أيام .. كالزهرة حيت تميل بجشع نحو ضوء الشمس .. كيف .. كيف يظن بأنها قد تمنح رجلا كما منحته ذلك المساء .. وتظل تفكر بالطريقة نفسها برجل آخر ..
يدها التي بدأت ترتجف فوق الطاولة ... انسحبت لتختبئ فوق حجرها إنما متأخرة إذ أسرع يمسك بها وعينيه تنظران مباشرة إلى عينيها التين فاضتا بألم صدمها بحدته .. وقال بصوت أجش :- لا أحب أن أضطر لضرب أخي الأكبر خلال إحدى نوبات غيرتي الجديدة جدا علي .. أنا الشخص الوحيد المسموح له بأن يقضي وقتا منفردا معك بعيدا عن الأنظار ..
رمشت بعينيها وهي تنظر إليه مجفلة ... عادت تحاول سحب يدها بدون فائدة إذ اشتدت أصابعه حولها وهو يقول بإصرار :- استمعي إلي يا وردة ...
ما الذي يرغب بأن يقوله ؟؟؟ وهل ترغب حقا بأن تسمعه ؟؟؟
قلبها كان يخفق بشدة ... الخوف يزحف فوق جلدها ليقشعر كله تحفزا .. أنفاسها علقت في حنجرتها وهي تسمعه يقول :- الناس جميعا يظنون بأننا خطيبين ..
قالت بصوت أجش :- لا ... ليس كلهم ..
:- ريان ليس غريبا ...
كادت تذكر عمر ... إلا أنها توقفت في آخر لحظة ... إذ لم ترغب بأن تثير المزيد من النار المتقدة بينه وبين شريك عمله غريب الأطوار ..
:- أنا أظن بأننا يجب ألا نخيب آمال الجميع .. ما رأيك ؟؟
حدقت به مشوشة الذهن وهي تردد :- نخيب آمالهم !
:- توقفي عن ترداد كل كلمة أقولها وإلا ظننت بأنك تعانين من مشكلة ..
مزاحه لم ينجح إطلاقا في جعل تشنجها يخف ... صدرها كان يعلو ويهبط وهي تراقبه يخرج من جيبه شيئا صغيرا لم تستطع سوى أن ترى بريقه الذهبي من بين أصابعه ... حتى دفعه فجأة ليحيط ببنصرها الأيمن ..
ذاهلة ... حدقت بالحلقة الذهبية التي رصعها صف رقيق من الأحجار الكريمة .. والذي برق تحت الإضاءة المكثفة للمطعم ... ثم رفعت رأسها إليه لترى الجدية التامة في ملامحه وهو يقول بصوت عميق :- وردة .... هل تتزوجينني ؟






وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن