الفصل الثاني

14.6K 330 19
                                    

الفصل الثاني

*
*
*
*
*
*

كانت وردة ترتب مجموعة من الكتب مكانها فوق أحد الرفوف عندما سمعت صرير باب المتجر يدوي من ورائها ... فتنهدت مدركة بأنها لن تتمكن من إقفال المحل لدقائق كما خططت فتذهب لابتياع القهوة من مقهاها المفضل القريب قبل أن تتعاطى مع زبونها الجديد ..
ليس أنها تتأفف من عملها ... أو تمل مهما طال بها الوقت حبيسة للمكتبة الصغيرة التي أصر ريان على أن يتشاركا في تأسيسها .. المكتبة التي أسسها ريان مستخدما مدخراته ... وديون والديه عليه كما كان يسميها .. تحقيقا لأحلامها هي ...
ربما هو لا يقولها ... ربما هو يصر على أن هذه المكتبة هي تلبية لحاجة دفينة داخله للانتماء لم يجدها حتى بات يقضي الكثير من الوقت هنا .. بين الكتب .. مستقبلا زبائنه من الفتيان في مثل أعمارهما .. المحتاجين مثلهما لمهرب من الواقع بين صفحات كتب جار عليها الزمن ..
إلا أنها تعرف ... بأنه قد فعل كل هذا لأجلها ..
ربما هما لا يتحدثان عن كامل ... أو عن إيهاب .... أو حتى عن هبة شقيقة إيهاب الكبرى ... ربما هما يتظاهران بأن عمها لم يحاول قتله قبل عام واحد ... بعد أن قتل صديقه المقرب .. وعدة أشخاص آخرين .. مهددا ومبتزا في طريقه المرأة التي مثلت حب ريان الأول ..
إلا أنها تعرف بأنه رغم انعدام المنطقية في الأمر ... فهو قد فعلها لأجلها .. لقد صنع لها عالما تتمكن من الاختباء فيه بعيدا عن كلام الناس واتهاماتهم .. بعيدا عن خيبة أمل عائلتها بعد أن خانتهم بتسليمها كامل بتلك البساطة .. بتخليها عنه عندما وقفت إلى جانب ريان ضده .. فاضحة حقيقته .. ومؤدية إلى ......
.. لقد كان يؤدي ديونا يتوهمها لها عليه ... محملا نفسه مسؤولية يتمها الجديد .. وقد كان كامل أكثر من مجرد عم في حياتها ..
ريان الأحمق ... انقبضت أن أصابعها حول الكتب التي كانت تحملها وهي تفكر بأنه لا يتوقف عن أن يثبت لها بأنه الرجل الأفضل ... بأنها لم تخطئ ولن تندم قط .. عندما ضحت بكل شيء لأجل إنقاذه أولا .. ولأجل تحقيق الصواب ثانيا ..
وكيف تكون الدنيا صوابا بدون وجود ريان فيه ... بصدقه ... بحساسيته .. برقته .. بنبله .. بقلبه الكبير .. كيف لها أن تقايض لحظة واحدة من حياته الغالية بأي شيء ... بأي شيء كان ..
للحظة .. اكتسحها الحزن العميق وهي تدرك بأن ما كانت منذ عرفت ريان للمرة الأولى خائفة من حدوثه .. كان يحدث بالفعل .. وقد كانت تراه عاجزة عن إيقافه .. حتى وهي تعرف بأن نتائجه لن تكون أبدا كما تريد ..
.. السبب الثاني لحزنها ... كان مرض والدها الذي كان يزداد وطأة ... مرض لم يكن موجودا قبل وفاة عمها .. وكأن اختفاء الشخص الذي كانت العائلة تعتمد عليه .. وتستمد إحساسها بالأمان من وجوده .. قد انتزع كل القوة المتبقية داخله ... فجأة ... فقدانه قدرته على السير لم يعد يعني شيئا إلى جانب فقدانه رغبته بالحياة ..
مرض والدها ... وأيضا خيبة أمله وأمل والدتها فيها .. ونظرات الآخرين إليها .. أحيانا تصنفها كثمرة فاسدة لا يمكن لها أن تسقط بعيدا عن الشجرة .. وأحيانا .. هي الفتاة التي خانت عائلتها لأجل فتى ثري ..
وكل هذا لأجل ماذا ؟؟؟ هل كانت تضحيتها تستحق العناء حقا ؟؟؟
الإجابة صدحت في عقلها بوضوح وهي تتخيل ابتسامة ريان المشرقة وهو يدخل عليها المكتبة في أي لحظة .. نعم ... هي حقا تستحق العناء .. حتى لو كان المقابل أن تعيش حياتها كلها في انتظار ما تعرف أنها لن تحصل عليه ...
:- لو أنني لص .... لسرقت الخزنة كلها بينما أنت تحدقين في الفراغ لدقائق بهذا الذهول الغير منطقي .. أنا حقا لا أفهم كيف يعتمد عليك أخي في الاهتمام بمكتبته في غيابه ..
الصوت الذي لم تكن تنتظر سماعه أجفلها .. إلا أنه فورا جعل دروعها تحتشد على الفور فترتفع في وجه مشاعرها وهي تلتفت نحو مصدره بوجه خالي من المشاعر بينما تخاطبه :- كنان ! ..
رد بنفس اللهجة .. بينما يرتسم تعبير ساخر على وجهه :- وردة ! ..
وضعت الكتب من يدها بحذر وهي تستدير لتواجهه قائلة بدون مقدمان :- ريان ليس موجودا ..
هه ... وكأن هذا يستطيع أن يصرف الرجل الذي تشك بأنه يزور المكتبة بحجة رؤية ريان في حين أن هدفه الحقيقي كان قتلها بنوبة قلبية ..
باستفزاز متعمد ... جلس على مقعد جلدي قريب .. ووضع إحدى ساقيه فوق الأخرى وهو يقول :- أظنني سأنتظره ... لقد أخبرني بأنه سيكون هنا في أي لحظة ..
كزت على أسنانها وهي تقرر تجاهل وجوده التام ومتابعة عملها ... مستقبلة زبونا خطا إلى داخل المكتبة .. مطالبا بكتاب لم يتوفر بعد في المكتبات .. فاستغرقت بعض الوقت وهي تقنعه بشراء كتاب آخر للكاتب نفسه .. ليخرج بعد دقائق راضيا مبتسما ..

وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن