الفصل السادس والعشرون
:- كيف تشعرين الآن ؟؟
تناول أدهم فنجان القهوة التي أعدتها والدتها وأحضرتها تاركة إياها فوق المنضدة ثم غادرت الغرفة تاركة إياهما معا ... ووضعه بين يديها .. ثم انتظر إجابتها جالسا إلى جانبها فوق الأريكة بصبر .. تمتمت بجمود :- بخير ... أنا بخير .. منذ أيام وأنا أخبرك بهذا إلا أنك تأبي أن تصدقني ..
:- أنا لا أصدقك لأنك لست بخير ..
وضعت فنجان القهوة فوق المنضدة بهدوء بدا مبالغا فيه ... ووقفت .. ليتمكن رغم هدوئها من ملاحظة الطريقة التي كانت ساقاها المغطاتين بسروالها الأنيق الأسود .. ترتجفان فيها وكأنهما تبذلان جهدا خرافيان كي تبقيا ثابتتين .. تمتمت :- انا آمنة الآن .... وهذا كل ما يهمني ...
نظر إليها مليا ... ثم قال :- لقد كنت شجاعة للغاية أثناء تحدثك مع الضابط اليوم ..
قالت بصوت مرتجف :- لماذا ؟؟؟ أ لأنني فضحت نفسي أمام الجميع ؟؟؟ .. أ لأن الكل يعرف الآن بأن رجلا حقيرا قد انتهكني ..
:- لا ... بل لأنك لم تسمحي له بأن ينجو بفعلته ...
أشاحت بوجهها رافضة السماح له بالنظر إلى وجهها .. فتابع بهدوء :- لقد كان بإمكانك إخفاء الأمر .. على الأرجح هو ما كان ليذكره في اعترافه عارفا بأنك لن تتسببي عامدة بالفضيحة لنفسك بعد احتفاظك بالسر كل هذا الوقت ..
عندما لم تقل شيئا تابع :- أظنك ... عندما تمكنت من الدفاع عن نفسك عندما هاجمك قبل أيام ... أدركت بأنك أكثر قوة مما كنت تظنين .. وأنك إن كنت قوية بما يكفي كي تقفي في وجه معتدي مثله .. فأنت قوية بحيث تستطيعين مواجهة المجتمع بالذنب الذي تظنين نفسك قد ارتكبته .. في حين أنك كنت الضحية لا أكثر ..
تحركت نحو النافذة ... تنظر عبرها إلى حديقة المنزل ... حيث كانت قادرة على رؤية سيارة أبيها وهي تعبر البوابة الخارجية .. كبحت ابتسامة ساخرة وهي تفكر بأنها احتاجت لأن تتعرض للتهجم أكثر من مرة كي يقرر والدها تذكر عائلته التي هجرها طويلا ..
:- علياء ... ليس أن هدوئك وتماسكك لا يعجبانني ... إلا أن احتفاظك بغضبك داخلك ليس جيدا على الإطلاق ..
:- غضب ... أنا لا أفهم ما تقصده ... لماذا أكون غاضبة .. لقد انتصرت في النهاية على ذلك الرجل .. تغلبت على مخاوفي وقاتلته .. والآن هو سيقضي سنوات طويلة وراء القضبان ..
قال بهدوء :- ربما أنت غاضبة ... لأن كل ما حدث لك منذ العام الماضي .. كان بسببه هو ..
لم تستدر نحوه .. إلا أنه كان قادرا على رؤية جسدها يتوتر .. انتظر أن تقول شيئا .. إلا أنها ظلت صامتة .. مما جعله يقف هاتفا :- لأنه رفضك .. في حين كان عليك أنت أن تدفعي ثمن أخطائه ...
قالت بصوت مكتوم :- ما من فائدة من التفكير بالأمر بهذه الطريقة ...
قال غاضبا :- أنت فقط تفضلين إنكار مسؤوليته عما حدث لك ... مهما فعل .. سيأتي دائما أولا .. صحيح ؟؟
استدارت نحوه ليجفله الانكسار الذي كان يخيم فوق نظراتها الداكنة وهي تهتف :- ما الذي تريد مني أن أقوله يا أدهم ؟؟ أنني أكرهه .. أنني الومه هو ... أنني لن أسامحه أبدا على ما حدث .. وما الفائدة .. أخبرني ... ما الفائدة من لوم شخص لا يستطيع التحكم بعواقب أشياء حدثت له بينما كان طفلا صغيرا لا حول له ولا قوة ؟؟؟ ما الفائدة من كراهيتي له إن كان لن يعترف بها أبدا .. ما الفائدة إن سامحته أو لا ... في حين أنني لا أستطيع قط أن اسامح نفسي ..
اغرورقت عيناها بالدموع في أول بادرة للانهيار منذ إمساك الشرطة بالرجل الذي هددها طويلا ... لم يعرف أدهم إن كان عليه أن يشعر بالجزع لتفجيره كل ما كبتته من خوف وصدمة ... أم الراحة لأنها تفرغ أخيرا ما يتصارع داخلها ... عندما وصل تلك الليلة ليرى الرجل فوقها ... يحاول أن يخنقها بينما هي تنتفض تحت ثقله كالذبيحة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة ... لم يدرك إلا وهو ينهال على الرجل ضربا حتى كاد يقتله .. لم يتوقف حتى أدرك حاجتها إليه .. ليكتشف بأنها أثناء صراعها معه ... كانت قد سببت للرجل ما يكفي من الضرر بحيث تصبح هزيمته إياه أمرا مسلما به ...
عليائه القوية .. لقد كان يعرف بأنها إن كانت قد سمحت للرجل بأن يأخذها على حين غرة في المرة الأولى .. فإنها ما كانت لتسمح له بأن يفعل في المرة الثانية ... إلا أنها مهما كانت قوية .. فإن ما حدث لابد أن يهزها ... أحيانا .. عندما لم تكن تدرك بأنه ينظر إليها .. كان يراها تحدق في يديها .. ثم تنتفض وكأنها تستعيد ذكرى كل ما حدث .. قبل أن تمررهما فوق ذراعيها وكأنها تحاول أن تمحو كل الآثار القذرة لذلك الرجل عنها ..
قال بهدوء :- عم ترغبين بأن تسامحي نفسك ؟
ضحكت بمرارة وهي تقول :- هل تصدق حقا بأم هذا كله قد حدث لي بدون سبب ؟؟؟ أنا فعلت الكثير من الأشياء السيئة ... وكل هذا ما كان إلا عقابا على أفعالي ...
:- بحق الله يا علياء .... ربما أنت لست كاملة ... ولكن من تراه كاملا ؟؟؟
أمسك بذراعها ... وأرغمها على أن تنظر إليه .. وقال بصوت أجش :- ما حدث لك ... كان شيئا يذكرك بأنك بشر لا أكثر يا علياء ... وأن هناك أشخاص رغم كل شيء ... سيظلون يحبونك رغم كل عيوبك .. سيظلون يلاحقونك رغم الطريقة البشعة التي كنت دائما ترين نفسك فيها .. أملا في أن تمنحيهم يوما شيئا من عاطفتك .. أجفلت وهي تقول :- أتقول ... أتقول بأنك ... بأنك ما زلت ترغب بالزواج بي ؟؟
:- ولم لا أفعل ؟؟
تراجعت حتى أسندت نفسها إلى زجاج النافذة ... تحدق في وجهه المغلق وهي تقول :- أنا ما عدت في خطر .. وأنت ... أنت غاضب لأنني لا أحقد على لقمان .. أنت لست مضطرا للزواج بي ..
:- هل تقولين هذا لأنك تخططين للزواج من لقمان ؟؟
هتفت باستنكار :- هل أنت أحمق .. الرجل متزوج .. وإن جاء إلي زاحفا يرجوني أن أعود إليه فلن أفعل ..
اقترب خطوة وهو يقول :- لماذا ؟؟؟ ظننتك تحبينه ..
أطبقت فمها بقوة ... عيناها السوداوان الكبيرتان تنظران إليه بشيء من القسوة وهي تقول :- لا ... أنا لا أحبه ... ربما أنا لا أكرهه .. إلا أنني لا أحبه ..
:- هذا يعني أن لا شيء يمنعك من الاستمرار في الخطة الأصلية والزواج مني ..
أغمضت عينيها بإرهاق وهي تقول :- أدهم .... أنت لم تعد مضطرا لحمايتي ..
قال بصوت محترق بمشاعره العنيفة :- أنا لا أتزوج منك لأحميك ... كم مرة علي أن أقولها يا علياء .. أنا أتزوجك لأنني أحبك ...
تدفقت الدموع من خلف جفنيها المغلقين وهي تقول بألم :- أنا لا أستحق حبك هذا ...
اقترب منها ... حتى تمكن من إحاطة وجهها بكفيه ... ورفعه إليه كي يرغمها على أن تنظر إليه .. وقال برفق :- لم لا تتركينني أقرر ما أستحقه وما لا أستحقه ؟؟
عندما لم تقل شيئا ... عيناها تتضرعان إليه رغم كلماتها بألا يخذلها .. وكيف يستطيع أن يفعل .. كيف له أن يخذل المرأة الوحيدة التي أحبها في حياته ؟
قال هامسا :- تزوجي بي يا علياء .. كما كان يفترض بنا أن نفعل قبل أيام ... تزوجي بي غدا ..
هزت رأسها بعجز .. وهي تهمس من بين أنفاسها :- حـ .... حسنا ...
قربها منه أكثر .. حتى احتضنها تماما بين ذراعيه .. تشنجها لم يدم أكثر من لحظة قبل أن تسترخي .. سامحة له أخيرا أن يخدش أسواراها .. آملا في أن يتمكن من ان يهدمها كلها ذات يوم ..
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Lãng mạnالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me