الفصل الثالث والثلاثون

12.9K 299 7
                                    

الفصل الثالث والثلاثون

هواء المساء العليل .... كان يعبث برقة بشعرها الأسود الطويل بينما هي تقف على الشرفة المطلة على شاطئ البحر الرملي .. من بعيد ... كانت قادرة على رؤية الشمس وهي تسير بأناة نحو الأفق ... توشك على أن تغيب خلال ساعات ... لأول مرة منذ فترة طويلة ... لا تشعر بالحزن ... لأن يوما آخر يوشك على أن يمر .. أن ينتهي ... آخذا معها آمالها وأحلامها ...
منذ أيام هي هنا برفقة أدهم ... منذ تزوجا وهربا خلسة من الحفلة الصغيرة التي أقامتها عائلتها على شرفهما ... في الرحلة التي خطط لأجلها بالتعاون مع والدتها ... في البداية ... علياء كانت خائفة ومتوترة ... من وجودها منفردة برفقة أدهم في شهر عسل قد يتوقع منها الكثير مما لن تتمكن من تقديمه له ... إلا أنه ومنذ فاجأها بالغرفة التي احتوت على سريرين منفصلين ... لم يمنحها أي سبب للخوف ...
كانا يقضيان كل دقيقة من النهار سويا ... كانا يتناولان الإفطار في صالة الفندق ... يخرجان ليتنزها على الشاطئ ... أحيانا يسبحان ... أحيانا يستكشفان المدينة والأسواق ... لقد كانا يسيران لساعات بين الطرقات .. أيديهما متشابكة .. ضحكاتهما عفوية وصادقة ... منذ متى لم تضحك علياء من قلبها ... من متى توقف الخوف من أن يكون جزءا من كيانها وحياتها ...
في المساء ... كانا يتناولان عشاءهما في زاوية رومانسية حضرت خصيصا لهما بناء على طلب أدهم ... كان يمسك يدها ... يقبلها بحنان بينما عيناه الداكنتان تخبرانها بمشاعرها ... يتبادلان الأحاديث .. علياء كانت تستمع إلى مشاريعه ... خططه ... وإلى شرحه للطريقة التي كان على اتفاق فيها مع نارا وغراء منذ البداية على أن تجمعانهما معا ... كان عليها أن تعرف وقد كان الأمر واضحا من البداية ... إلا أنها كانت أكثر تشوشا واضطرابا حينها من أن تدرك العلامات ... هه ... كل ذلك القلق حول ارتباط أدهم بنارا ... كان بدون فائدة وقد صارحها أدهم بأن شريكه في المكتب يحاول إقناع نارا بالزواج به منذ أشهر دون أن يتمكن من اختراق القوقعة التي خلفها حولها زواجها السابق ... بدلا من الغضب لخداع شقيقتها ونارا لها ... وجدت نفسها تبتسم برضا .. فلولا إقناع نارا لها بالعمل معها ... لظلت حتى الآن حبيسة غرفتها خائفة من ظلها إلى أجل غير مسمى ...
عندما كانا يعودان إلى غرفتهما .... كان أدهم يخلد إلى النوم على الفور مانحا إياها المساحة التي تحتاج إليها ... يدير لها ظهره فوق سريره المنفرد .. دون أن يوجه نحوها أي كلمة ...
لقد كان عند كلمته ... عندما وعده بأنه مستعد لانتظارها العمر كله ...
تذكرت كلمات والدتها وهي توصيها بأدهم بعد زواجهما ... أتراها حقا قادرة على أن تمنحه سعادة موازية لتلك التي يحاول بكل جهده تقديمها لها ...
أتراه يصبر حقا على خوفها الذي كانت لا تجد ما يكفي من الشجاعة لمحاربته ... وعلى ما تظهره من انعدام ثقة به وهي تتشبث بماضيها البشع مفضلة إياه عن المستقبل الي كان يعرضه عليها ؟؟؟
:- أشعر بالغيرة من نسائم البحر وهي تعبث ببشرتك وشعرك ..
أجفلت وهي تلتفت نحوه ... قادما إياها من داخل الغرفة عبر باب الشرفة المفتوح ... شعره مبتل بعد الحمام الذي أخذه بسرعة بعد عودتهما من رحلتهما إلى المدينة .. يرتدي قميصا أبيض وسروالا باهتا من الجينز ... ويبدو ... رباه ... هل من رجل يفوقه وسامة على وجه الأرض ؟؟؟
اقترب منها ليستند إلى حاجز الشرفة إلى جانبها دون أن يمسها وهو يقول :- حسنا .... ما الذي ترغبين بفعله الآن ... نستطيع أن نأخذ قاربا ونقوم برحلة بحرية وقد خفت حدة الشمس قليلا ... إلا إن كنت متعبة بعد نشاطنا هذا الصباح .. وترغبين بأخذ قسط من الراحة ... أستطيع الخروج قليلا وإجراء بضع مكالمات حول العمل ريثما تنامين قليلا ...
أن يتركها وحدها .... مجددا !!
لم تعرف علياء لم أحست بالوحشة فجأة وهي تتخيله خارجا بمفرده بينما هي حبيسة غرفتها بدونه ... لم تعرف من اين أتتها فجأة نوبة الشجاعة وهي تقف فوق الشرفة كما كانت تفعل مرارا منذ وصلا إلى الفندق قبل أيام .. تنظر إليه يقف إلى جانبها ... يحاول أن يخفي عنها شوقه إليها .. والألم الذي كان يبثه فيها بعدهما الإجباري ...
تمتمت :- أرغب بأن أرتاح قليلا ...
ابتسم بحنان وهو يقول :- هذا أفضل ... كي نتمكن من السهر هذا المساء .. إذ انني سمعت بإقامة الفندق حفلة مميزة بمناسبة أحد الأعياد المحلية ... سأتركك وحدك وأعود بعد فترة ..
عندما أراد أن يلتفت مغادرا ... فاجأته بأن مدت يدها تمسك ذراعه وهي تقول بصوت مختنق :- لا تذهب ..
التفت نحوها مجفلا ... نظراته متعلقة بأصابعها الرقيقة الممسكة بذراعه ... وكأنه لا يصدق بأنه تلمسه حقا بإرادتها الحرة ... قال بتردد :- إن ... إن كنت خائفة ... فأنا أستطيع البقاء قليلا حتى تخلدي إلى النوم ..
هه ... هو يظن كوابيسها قد عادت مجددا ... كالعادة يرغب بحمايتها ... حتى من خيالاتها الخاصة ..
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول :- لا ... أنا أريدك أن تبقى ...
اتسعت عيناه صدمة ... وهو يراقبها تقترب منه ... تكاد تلامسه وهي تقول بينما جسدها يرتجف :- أنا أريدك أن تبقى معي .... أريد أن تعيد برمجة جسدي يا أدهم ... أريد أن أنسى ما حدث لي بك ...
العاطفة العميقة والقوية في وجهه ... ما بين ألم وقهر وعشق خالص ... جعلت قلبها ينتفض بين أضلعها وهي تقول :- أريدك أن تمنحني ذكريات جديدة ... أن تمحو الماضي البشع بلمساتك .. أن تذكرني بما يعني أن أحبك .. وأن تحبني بالمقابل ..
بيدين مرتجفتين ... أمسك بذراعيها .. وهو يقول بصوت لاهث :- علياء ... عليائي ... أنا لا أريد أن أؤذيك .. لا أريد أن ... رباه ... إن كنت السبب في زرع أي نوع من الخوف فيك .. فأنا لن أسامح نفسي ..
هزت رأسها وهي تقول :- أي خوف أشعر به ... أنت قادر على قتله في مهده ... بوجودك .. بحبك ... أرجوك يا أدهم ... أرجوك ..
رباه ... أن تتوسل حبه ... كان أكبر بكثير من أن يتمكن من احتماله ... أمسك بيدها ... وسحبها إلى داخل الغرفة ... ينزل الستائر الثقيلة حاجبا إياهما عن العالم الخارجي ... بين الجدران العازلة للغرفة الصغيرة ... حيث لا وجود أبدا إلا لهما معا ... ولحبهما ... وإلى الأبد ...





وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن