الفصل التاسع عشر

10.7K 298 8
                                    

الفصل التاسع عشر




:- سيدة بحر .... هناك ضيفة تتمنى أن تراك ..

في غرفة الجلوس الصغيرة التي كانت تلجأ إليها في الماضي ... كانت تجلس بحر متقوقعة على نفسها ... تضم ركبتيها إلى صدرها فوق الأريكة العريضة .. تتساءل عما جعلها تترك كل جوانب المنزل الضخم فتبحث عن المكان الوحيد الذي كان من الأفضل لها أن تتجنبه ... في هذه الغرفة الصغيرة ... عرفت بحر أول رعب في حياتها عندما وجدت نفسها تحت رحمة لقمان ... في هذه الغرفة الصغيرة ... كانت بحر تهرب منه ... من مشاعرها نحوه .. من ابتزازه الدائم لحبها ... من ضعفها ... من إذلالها ... من خضوعها المشين .. في هذه الغرفة الصغيرة ... دائما كان يجدها ... دائما كان يسحبها من تقوقعها ... يرميها مجددا في متاهته التي لا دليل لها .. حيث كانت تضيع مرة بعد مرة عارفة بأنها أبدا لن تجد سبيلها هروبا منه ... لم تكن بحر راغبة في رؤية أي أحد ..... إلا أنها ما كانت لتسمح لأي كان الشخص القادم لرؤيتها باستشفاف ضعفها هذا ... زائرتها الغامضة في هذا الوقت .... قد تكون آمال الطويل ... وبحر .. لن تسمح لها أن تشهد منها أي لحظة ضعف .. قالت للخادمة بهدوء :- فلتنتظرني في غرفة الاستقبال ... سأكون هناك خلال دقائق ... انتظرت بعد رحيل الخادمة لخمس دقائق كاملة قبل أن تتحرك مستعيدة قوتها ... وتغادر الغرفة إلى حيث تنتظرها ضيفتها ... إلا أنها لم تكن آمال الطويل ... لقد كانت قمر ... قمر كانت تقف أمام لوحة سريالية كبيرة ... تحدق فيها دون أن يبدو عليها أي تمييز لتفاصيلها .. الغرفة المترفة الأثاث ... لم يبد أنها قد أبهرت قمر التي كانت متزوجة من رجل ثري لسنوات ... إلا أنها عندما التفتت نحو بحر ... فضحت شيئا من الرهبة في نظراتها وهي تقول :- لا أفهم كيف تستطيعين البقاء في مكان كهذا وحدك . حاولت بحر أن ترى المنزل من خلال عيني قمر ... وتذكرت المرة الأولى التي جاءت إليه مدعوة إلى عيد ميلاد جمان ... عندما صدمت بضخامته ... بامتداد أطراف الأراضي المحيطة به ... رهبة قمر لم تكن عائدة لفخامة المكان ... بل للطاقة السلبية التي كانت تغمره ... هذا المنزل ... كان منزل كاظم الحكيم قبل أن يرثه لقمان ... وما عرفته بحر عن الرجل ... كان يفسر وبوضوح تلك الطاقة السلبية ... نظرت بحر إلى اللوحة السريالية التي كانت مخيفة بحد ذاتها .. وقات بهدوء :- هو مكان للسكن ... مثله كأي مكان آخر .. استسلمت لعناق قمر .. وقبلتها على خدها ... ثم سمحت لها بأن تنظر إلى عينيها باحثة بقلق :- كيف أنت ؟ :- بخير .. :- بحر ... يداها الممسكتان بكتفي بحر اشتدتا وهي تقول :- لا تكذبي علي .. :- قد أخبرك بأنني لست بخير ... بأنني خائفة .. وبأنني أموت في اللحظة ألف مرة وأنا أفكر بمكانه .. بما تراه يعانيه .. إن كان حيا أو ميتا .. بأنني أكره نفسي ألف مرة لأجل هذا ... وأكون كاذبة في الوقت ذاته .. أنت لن تعرفي الحقيقة أبدا .. تنهدت قمر وهي تقول بحزن :- أ ما زلت غاضبة مني؟ :- الغضب ... شعور لا يعود إلا باستنزاف طاقة الشخص ... :- بحر ... هزت بحر رأسها وهي تقول :- لا ... لست غاضبة منك .. تراجعت محررة نفسها من قبضة قمر وهي تقول :- قد يكون لقمان ميتا الآن ... أن أحتفظ بغضبي منك لأنك كنت صريحة في التعبير عن رأيك .. غير منطقي أو مجدي على الإطلاق .. قال قمر :- بالضبط كاحتفاظك بالغضب من نورا .. ملامح بحر كانت جامدة وهي تقول :- أنا لست غاضبة من نورا .. :- حسنا ... أنت الآن تكذبين .. أشارت لها بحر نحو أقرب أريكة كي تجلس ... وجلست إلى جانبها مكررة :- أنا لست غاضبة من نورا ... أنا لا أشعر بأي شيء اتجاه نورا .. نظرت إليها قمر مليا ... ثم قالت :- أعرف بأنها قد خذلتك وقت حاجتك إليها .. كلنا فعلنا .. لكن .. قمر .. هي تحبك .. هي تريد أن تراك .. لقد كانت من أرسلني لرؤيتك ومحاولة إقناعك بأن تأتي إليها .. خاصة مع ما يحدث الآن .. أنت ستكونين أكثر أمانا معنا ... مع عائلتك .. لوت بحر فمها ساخرة وهي تقول :- من الجيد أن أعرف بأن سبب زيارتك لم يكن شوقك إلي ورغبتك في رؤيتي .. تجاهلت قمر سخريتها وهي تقول :- بحر .... ليس من العدل أن تسامحي لقمان دونا عنا .. قالت بحر بجمود :- أنا لم أسامحه .. :- أنت في منزله ... أنت تجلسين هنا كالزوجة الصالحة في انتظار أي خبر عنه .. انا أسمي هذا غفرانا .. وقفت بحر وهي تقول من بين أسنانها :- أنا .. لم .. أسامحه ... أنا فقط .. ارتجفت شفتاها ... ثم أشاحت بوجهها وهي تقول :- أين تراني أذهب يا قمر... إن لم أذهب إليه ؟؟ اغرورقت عينا قمر بالدموع وهي تقول :- إلينا .... تستطيعين المجيء إلينا ... ونحن سنكون في انتظارك .. في بيتك .. هزت بحر رأسها قائلة :- هو لم يكن بيتي قط .. وأنت تعرفين هذا .. هتفا قمر بإحباط :- وماذا عن هذا المكان ... هل تعتبرينه بيتا لك ؟؟؟ نظرت بحر حولها للحظات .. عيناها البحريتان زجاجيتان تماما وكأنهما لا تريان تفاصيل المنزل الكبير والمخيف .. قالت بصوت بعيد :- هو لم يتخل عني يا قمر .. اتسعت عينا قمر وهي تستمع إلى بحر تهمس :- هو أذلني .... أهانني ... أذاني .... هو قتلني ... يدها امتدت بدون وعي نحو بطنها المسطحة .... صوتها يتهدج رغما عنها وهي تقول :- هو قتلني ... قتل روحي ... إلا أنه لم يتركني أذهب .... لم يتخل عني ... هو أرادني .... ولم يرغب بي أحد قط ... بحر كانت تبكي .... قمر كانت قادرة على الإحساس بهذا ... إلا أنها لم تكن تذرف أي دموع في بكائها الصامت ... وهي تتابع :- هو أرادني ... هو انتظرني عندما رحلت ... رغم كل شيء ... حتى عندما عدت .. وأنا مسلحة بكراهيتي ... باستقلاليتي ... بغضبي ... لم أستطع أن أتعاطى مع هذه الحقيقة ... قمر .. أغمضت عينيها ... بينما سالت دموع قمر غزيرة ... وتابعت :- أن يخذلك شخص تعرفين بأنك لن تنالي منه سوى الألم شيء .... أن يخذلك شخص كنت تجدين فيه الأمان ... شيء آخر .. يد قمر امتدت نحو فمها تكبت نشيجها الذي كاد يفلت منها ... بصعوبة ... تمكنت من أن تقول بصوت مختنق :- بحر ... أنا آسفة ... شمس آسفة ... وخالتي أيضا آسفة ... أنا ... أنا لم أقصد أن أتخل عنك .. لم أقصد أن أخذلك .. :- أنا لا ألومك ... أنت لم تكوني في موقع يخولك للعناية بأي أحد يا قمر ... أنا ... لست غاضبة منك .. بالفعل ... قمر لم تكن آنذاك في حالة تسمح لها الاهتمام بأي أحد .. إلا أن هذا لا ينفي خذلانها لبحر .. تمتمت بصوت مرتجف :- ماذا أقول لخالتي يا بحر ؟؟ عينا بحر كانتا تنظران نحو النافذة ... وكأنها تأمل أن تتمكن من رؤية شيء من خلال زجاجها .. كمن ينتظر وصول شيء إنما يعرف بأنه لن يأتي .. وتمتمت :- لا شيء يا قمر ... لا شيء ..











وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن