الفصل الثلاثون

11.4K 290 10
                                    

الفصل الثلاثون

كانت شمس مكورة فوق الأريكة إلى جانب أكرم ... يشاهدان معا برنامجا ترفيهيا كما كانا يفعلان كل مساء بعد تناولهما العشاء عندما كانا لا يخططان للخروج إلى مكان ما ... هذا المساء ... وبسبب المطر الغزير الذي استمر لساعات .. لغت شمس خططها لزيارة نورا وفضلت البقاء في البيت إلى جانب أكرم الذي كان بدوره في منزل لقمان في وقت مبكر من اليوم ... فجأة .... أطلقت شهقة قوية ويدها تقفز مرة واحدة نحو قلبها ... جسدها يتوتر وينتصب بعيدا عن أكرم الذي التفت إليها قائلا بقلق :- ما الأمر ؟؟؟ هل هناك ما يؤلمك ؟ تمتمت بوجل :- لا .. هو ليس ألما ... لا أعرف ما هو بالضبط .. إنما .... هذا الإحساس لم ينتبها من قبل إلا في حالات نادرة ... كانت دائما تجد متعة في تذكير قمر بالمرات التي كانت تشعر فيها بتوأمها عندما تكون في مأزق أو في حالة نفسية سيئة ... هذا التواصل النادر بينهما .... لم يحدث منذ فترة طويلة جدا .. آخر مرة كانت قبل سبع سنوات ... عندما ... قفزت من مكانها وهي تتناول هاتفها المرمي فوق منضدة القهوة ... صوت أكرم ورائها يهتف :- شمس ... ما الأمر ؟؟ قالت بأنفاس متلاحقة وهي تحاول الاتصال بقمر :- إنها قمر ... هناك خطب ما .. لم يناقش أكرم منطقها أو يسألها كيف عرفت .. لقد سبق وحكت له مرة عن مغامرات مراهقتهما عندما كانت كل منهما تشعر بهموم الأخرى عن بعد بسبب هذا التواصل النادر بينهما .. شحب وجهها وهي ترفع رأسها إليه :- هي لا ترد على اتصالاتي ... :- اتصلي بنورا ... اتصلت بها على الفور .... بينما تناول هو هاتفه ليتصل بضياء ... أيضا خالتها لم تجب عن اتصالاتها .. مما جعل الذعر يتصاعد داخلها أكثر فأكثر .. التفتت نحو خالد وهي تسمعه يتحدث إلى ضياء واجما .. قبل أن ينهي المكالمة قائلا بصوت لم تعرفه :- لترتدي ملابسك يا شمس .... سنغادر خلال دقائق .. سألته صارخة بهستيرية :- ما الذي حدث ؟؟ أين خالتي ؟؟ أين قمر ؟؟ وجهه كان مظلما وهو يقول :- لا أعرف ... لم أستطع أن أفهم شيئا من كلمات ضياء الهستيرية سوى أنهم في المستشفى ... وأن أحدهم في مأزق .. وسقط قلب شمس بين قدميها ... لم تشعر قمر في حياتها كلها بهذا القدر من البرد ... حتى البطانية التي طلبتها خالتها من الممرضة فوضعتها فوق كتفيها .. لم تبد ذات فاعلية ... لقد كانت ترتجف ... بينما هي تضم ركبتيها إلى صدرها فوق المقعد المعدني لصالة الانتظار في المستشفى .. ذاهلة .. ما تزال أذناها خدرتان وصوت ذلك الضجيج البشع ما يزال يصمهما ... ضجيج رصاصة كانت حتى الآن قادرة على سماع صفيرها وهي تشق الهواء في طريقها إليها ... لم يتخيل أحد إطلاقا أن تفعلها ناهد ... ذلك المسدس الذي كانت تحمله ... قمر ميزته على الفور .. كان ذلك الذي يحتفظ فيه خالد منذ سنوات في مكتبه ... ذاك الذي ورثه عن أبيه دون أن يجد الحاجة قط كي يستخدمه .. حتى الآن ... كان ذكرى ما حدث يتردد داخل عقلها وكأنه قد حدث لتوه .. وكأنه يستمر في الحدوث مرة بعد مرة بدون توقف ... إلى جانبها كانت تجلس نورا الشاحبة ... إلى الجدار كان يقف ضياء .. يبدو كطفل مذعور رغم محاولاته خلال السنوات القليلة الماضية أن يثبت لكل من حوله أنه قد استحال إلى رجل ناضج .. لم تدر قمر كم مر من الوقت وهي جالسة على هذه الحال عندما وصلت السيدة فخر ... السيدة الأنيقة والمتحكمة دئما بعواطفها كانت تبدو في حالة يرثى لها وهي تندفع عبر الرواق مذعورة .. لم تعرف قمر لم تذكرت صورتها خلال وجود خالد في المستشفى بعد تعرضه للحادث الذي اضطرها بعد ذلك كي تمنحه إحدى كليتيها كي تنقذ حياته .. عيناها كانتا واسعتان .. وجهها شاحب وقد ازدادت خطوط العمر عمقا على صفحته وهي ترى قمر .. هتفت بها على الفور :- ما الذي حدث ؟؟ ما الذي أصاب خالد ؟ لقد كان برفقتك ... لقد كان برفقتك يا قمر .. قمر لم تجد القوة لأن تجيبها بأي شيء ... في حين هبت خالتها واقفة وهي تقول بتشنج :- لم تكن قمر من أذاه يا سيدة فخر ... بل ابنة أخيك ... ابنة أخيك هي من هجم على قمر وأطلق النار عليها على مشهد من عشرات الأشخاص ... وخالد كان من اعترض الرصاصة بجسده حماية لها من الأذى .. ترنحت السيدة فخر ... وكادت تسقط فاقدة الوعي لو لم تمسك بها نورا وتساعدها على الجلوس ... حدقت فيها بعينين فقدتا اتزانهما وهي تسألها :- كيف هو الآن ؟؟ أين هو ؟؟ أرجوك أخبريني .. حاربت نورا الغصة التي خنقتها وهي تقول :- لا أعرف ... لا أحد يعرف بعد ... لقد تم نقله فور وصوله إلى غرفة العمليات .. إلا أنه ... توقفت نورا عن الكلام ... إذ أنها لا تستطيع منح المرأة وعودا هي غير واثقة من تحقيقها ... السيدة فخر انهارت فجأة ... بكائها مزق قلب نورا التي لم تجد ما تفعله لمواساتها غير التربيت عليها مهدئة .. :- أمي ... كان ذلك صوت عبير ... التي كانت تقف بعيدا منذ وصولها برفقة الجميع إلى المستشفى ... ذاهلة .. مصدومة ... لا تستطيع تخيل فعلة ناهد .. حتى في أبشع كوابيسها لم تتخيل أن تتمادى ناهد إلى هذه الدرجة .. أن تحاول إيذاء قمر بهذه الطريقة .. أن ينتهي بخالد في المستشفى مجددا بين الحياة والموت ... ولماذا ؟؟ لأنها هي من اقترح على ناهد أن ينتظرا خالد وقمر أمام منزل الأخيرة .. عارفة بأنه لابد سيوصلها بنفسه كي يتأكد من أمانها ... بأنها فرصة لا تقاوم كي تهاجم قمر وتحرجها فاضحة إياها في حيها وأمام جيرانها فتمنعها كبريائها إلى الأبد من التفكير بالعودة إلى خالد .. إلا أنها لم تتخيل ... رباه ... ناهد كانت أكثر منها ذهولا .. إن كانت تستطيع أن تسمي ردة فعلها ذهولا والناس من حولهما يمسكون بها ويأخذون السلاح الذي سقط من يدها على الأرض فور أن رأت خالد يسقط ... ناهد لم تكن ذاهلة ... ناهد كانت مجنونة تماما ... إجفال والدتها لرؤيتها إياها لم تستمر طويلا ... والدتها التي تعرفها أكثر مما ينبغي ... والتي أدركت على الفور ما يعنيه وجود عبير هنا .. قالت بصوت متهدج :- ارحلي يا عبير ... تدفقت دموع عبير من عينيها غزيرة وهي تقول :- أمي ... أرجوك ... :- ارحلي يا عبير ... أنا لا أستطيع النظر إليك الآن ... اذهبي .. اذهبي إلى بيتك ... قمر لم تكن على وعي بأي شيء يحدث حولها ... لا بوصول السيدة فخر .. لا بطردها لعبير ... لا برحيل الأخيرة باكية .. لقد كان قلبها في تلك اللحظة يقبع خلق الباب الذي فصلهم عن جناح العمليات ... حيث لا تعرف إن كان خالد سيخرج حيا أم لا .. عقلها كان ما يزال هناك .. حيث سقط بين ذراعيها بعد أن ضربته الرصاصة .. عيناه الخضراوان تحدقان فيها والوعي يتلاشى عنهما شيئا فشيئا ... الصرخات التي لم تدرك بأنها من أطلقها إلا متأخرة .. إذ كان صوت الطلقة البشع ما يزال يرن في أذنيها ... حتى الآن ... خائفة .. خدرة .. لم تكن قمر تملك إلا أن تنتظر ... وتنتظر ..





وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن