الفصل الثاني عشر
أصابعه أحاطت بمعصمها قبل أن يصل رأس النصل إلى صدره ... كانت ترتجف ...سلاميات أصابعها الممسكة بمقبض السكين بيضاء من شدة ضغطها عليه .. أنفاسها كانت تردد داخل صدرها بعنف وهي تدرك فجأة ما كادت تفعله .. رفعت عينيها إلى وجهه الذي كان جامدا .. عيناه الداكنتان تبدوان كبركتين عميقتين لا قرار لهما .. كان عليها أن تشعر بالذعر لما أوشكت على فعله .. إلا أن الغضب الذي كانت تشعر به خلال تذكيره إياها بما كانت تحاول أن تنساه لعام كامل .. كان ما يزال يعصف بكل جوارحها .. يهز كيانها .. ويدمر كل تعقل لديها ..
ردة فعلها الأولى هي محاولتها انتزاع معصمها من قبضته .. بينما ازدادت قبضته شدة .. وامتدت يده الأخرى تمسك بكتفها تثبتها مكانها بحزم أرغمها على أن تعود لتنظر إليه وهي تزأر من بين أسنانها :- اتركني ... اتركني الآن ..
قال بصوت جامد :- هل ترغبين بقتلي يا بحر ؟؟؟ هل تريدينني ميتا حقا ؟؟
كانت قد توقفت عن التفكير منذ فاجأها قبل دقائق في المطبخ على حين غيرة .. كانت قد أسقطت أخيرا قناع الحكمة والتحكم .. وتركت العنان لكل الغضب داخلها .. القهر .. الإحساس بالخيانة .. الألم .. والندم ..
هدرت به :- أريد أن أمزقك ... أن أنهشك بأسناني .. تسألني إن كنت أكرهك .. أنا لم أكره إنسانا في حياتي كما كرهتك ... حتى عمي .. أنا لم أشعر يوما بالرغبة في إيذائه كما أشعر نحوك الآن ..
:- عمك .... عمك الذي منحك هذه الندبة ... هل منحك إياها بسببي يا بحر ؟؟
جزء آخر من درعها بدأ يتهشم ويتهاوى .. وهي تتذكر تلك اللحظات البشعة .. عندما استحال كل شيء أمام عينيها إلى أحمر قاني .. لم تعرف إن كان قد رأى تصدعها هذا في ملامحها التي فقدت ثباتها .. إلا أنها أجفلت عندما رفع معصمها فجأة حتى لامس نصله وجهه ... ذلك الجانب من وجنته التي كسته لحيته النابتة بلون رجولي داكن .. ذلك الذي طابق الجانب المشوه من وجهها .. وقال بصوت أجش :- امنحيني ندبة مماثلة إن كان هذا النوع من العدالة كفيل بإرضائك ... اغرزي نصل كراهيتك في أي جانب تشائين من وجهي و اوصميني بك يا بحر ... ندبة تمنحينني إياها بيدك .. أفضل ألف مرة من تلك التي تشوه روحي منذ عقود ..
رمشت بعينيها وهي تحدق في النصل الذي بدأ ينغرز بالفعل في بشرته الخشنة .. في اللون الأحمر القاتم الذي بدأ يلطخ حافة السكين الحادة .. لون أحمر ... أحمر قاني .. يدها حاولت التحرر من قبضته مجددا .. باضطراب هذه المرة .. إلا أنه لم يسمح لها ... ظلت يده تضغط على يدها الممسكة بالسكين .. وجهه جامد .. وكأن الألم الذي كانت طعنة السكين تسببه له لا تعني أي شيء في عالمه الذي كان مليئا بالظلمة والظلم والألم .. :- ما الأمر يا بحر ؟؟؟ ظننتك ترغبين في تمزيقي ... في نهشي بأسنانك .. ألست أنا من دفع عمك لفقدان عقله وإيذائك .. أليست معرفته بعلاقتنا هي ما دفعه لتشويهك وربما محاولة قتلك ؟؟
كلماته كانت ضبابية بالنسبة إليها وهي تحدق به لاهثة ... عيناها لا تريانه للحظة ... لا تلمحان السكين الذي كانت تحمله ... بل سكين آخر .. سكين عمها الأكثر ضخامة وشرا ... سكين عمها الذي لم يتردد لحظة واحدة وهو يشق وجهها بدون أي رحمة رافضا إلا أن يترك لها تذكارا بشعا عن أسوأ لحظات حياتها ... عيناها عادتا إلى عينيه .. عينيه السوداوين التين تلاشى جمودهما ... ليحل محلهما عاطفة عنيفة لم يسبق لها أن رأتها فيهما .. أهو غضب .. أو قهر ... أهو ندم ... لا تعرف ... إلا أنها كانت تلمس العذاب فيهما .. عذاب يضاهي عذاب تذكرها لتلك اللحظات الصعبة .. قالت بصوت مرتجف :- أردته أن يقتلني آنذاك ..
كانت قادرة على الشعور بجسده الضخم المطل عليها .. والقريب منها إلى حد كانت قادرة معه على تنشق رائحته الرجولية المميزة ... على استشعار دفئه المألوف .. على لمس هالته التي كانت دائما تجذبها حتى وهي عاجزة عن اقتحامها ... ينتفض وكلمتها تهزه هزا ... تابعت في شيء من الضياع :- لقد أردته أن يقتلني ... أنا من دفعه لتمزيقي أملا في أن يخترق قلبي بسكينه بدلا من وجهي .. لم أفكر حينها ... لم أفكر .. أردت فقط أن ...... أردت أن ...
أنفاسها كانت وكأنها تجد صعوبة بالغة في التقاطها ... كانت تستحيل إلى شهقات متقطعة وكل خلية منها ترتجف .. شفتاها تعجان عن النطق بما لم يجد صعوبة في فهمه .. أغمض عينيه بقوة وهو ينزل يدها من جديد إلى قلبه وهو يقول :- المرة القادمة التي تفكرين فيها بأخذ حياتك يا بحر ... خذي حياتي أولا ... لأنها ما عادت تعني أي شيء بدونك ..
هتفت بصوت نطق بالعذاب الذي كان يصارع داخلها :- توقف ...
:- افعليها يا بحر ... افعليها الآن ... اقتليني واخترقي قلبي بسيف حقدك ... هذا أرحم ألف مرة من أن أراه في عينيك .. أن أسمعه بلسانك .. وأن ألمسه في كل مرة اقترب فيها منك ..
أفلتت منها شهقة وهي تعود فتصرخ :- توقف ... توقف ..
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Romanceالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me