الفصل العشرون

10.8K 295 22
                                    

الفصل العشرون

:- دعني أرى ذراعك ...
انكمش مبتعدا ... ملتصقا بالجدار أكثر .. صوتها المهدئ لا يساهم البتة في تخفيف إحساسه بالوجل والحذر .. جزء من عقله المشوش ذكره بأنه يعرف هذا الصوت .. وأن هذا الصوت يرتبط عادة بالأمان الذي كان نادرا ما يشعر به ...
:- قيد .... أنا لن أؤذيك ... دعني أرى ذراعك .. أظنها مكسورة ..
من خلال عينيه المتورمتين ... نظر إلى وجهها الأسمر .. متعرفا إلى ملامحها المألوفة ...
:- أرجوك ... دعني أهتم بك ..
:- دنيا .... هل دنيا بخير ؟؟؟
:- هي بخير ... لقد كنت معها منذ دقائق ... هي والقط ... هما بخير .. أقسم لك ... دعني أرى ذراعك ..
بعد لحظات من التردد ... منحها ذراعه ... لتحيطها بيديها برفق لم يكن كافيا ليمنعه من إطلاق أنين ألم مكبوت ... قالت بشفقة :- تستطيع أن تصرخ إن أردت ... لن يلومك أحدهم ...
لم يصرخ ... ولم يمنحها هو السبب الذي يمنعه من أن يصرخ ... هو لن يمنح أحدا أي دليل ضعف يمسكه ضده ...
:- هي ليست مكسورة ... إنما مرضوضة بشدة ... من الأفضل أن تستخدمها بحذر خلال الأيام القادمة ..
لم يقل شيئا ... وهي لم تتوقع منه أن يفعل ... المرات القليلة التي كان يدور بينهما أي حوار .. كان حديثهما دائما أحادي الجانب ...
بهدوء ... ويدين ثابتتين ... بدأت بتنظيف جروحه .. تلك التي خطت فمه ... أخرى شقت جبينه ... تمتمت بشبح ابتسامة :- أتساءل إن كنت سأراك يوما أكثر تمردا من أن تنال عقابك صامتا ..
عندما لم يرد ... رفعت ذقنه تنظر إلى عينيه الصامتتين ... وقالت بهدوء :- لماذا لم ترحل يا قيد ؟؟؟ تستطيع أن ترحل ... أن تخرج من هنا ... فلا تعود أبدا ... ما الذي يبقيك ؟؟؟
قال بخشونة :- ما يبقيك ... ما يعيدك مرة بعد مرة ..
تنهدت وهي تقول :- أنا لا أملك خيارا آخر ... كما أنني إن رحلت .. من تراه يهتم بك ...
:- ومن تراه يهتم بهم هم ؟؟
:- هم ليسوا مسؤوليتك .... أنت لست مكلفا بحمايتهم ...
:- أنت أيضا عاجزة عن حمايتهم ...
نظرت إليه مليا ... حزن عميق يغمر عينيها وهي تقول :- يوما ما ... سأثبت خطأك ... وأكون موجودة عندما تحتاج أكثر من أي وقت آخر إلى حمايتي ..

فتح لقمان عينيه فجأة ... يحدق بالظلمة من حوله .. أنفاسه عنيفة ... ثقيلة .. كان يشعر بالألم في كل خلية من جسده مع كل نفس يخرج منه .. ذراعه .. التي كان يقدر بأنها لن تعود مجددا لما كانت عليه إن قدر له يوما أن يخرج من هذا المكان ... أعلى كتفه .. حيث كان الحرق ما يزال طازجا .. و ... وصدره ... حيث كان لقمان يشعر بشيء من الذعر من أن يخذله قلبه في أسوأ لحظة ممكنة ...أغمض عينيه كما كان يفعل منذ أسره .. هاربا من الظلمة لتلك التي كان يصنعها بيديه ... متعهدا بأنه لن يقضي دقيقة قادمة من حياته في قلب الظلمة من جديد ... بأنه لن يغلق عليه بابا ... ولن يكون وحيدا في غرفة منفردة ما عاش ...
لو قدر له أن يعيش ... وهو ما يشك به ...
( لم أعهدك متخاذلا إلى هذا الحد )
رفع عينيه المتسعتين نحو ذلك اظل في الزاوية ... أغمض عينيه للحظة من جديد .. ثم فتحهما وهو يقول بصوت أجش :- أنا أهلوس ... أنا أهلوس لا أكثر ..
( هل أبدو لك كهلوسة ؟؟ )
:- أنت ميتة ... لقد رأيتك ميتة ... لقد قتلوك أمام عيني ...
( لماذا ؟؟؟ لماذا قتلوني يا قيد ؟؟ )
اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول :- بسببي ... بسببي أنا ... أنا لم أستطع حمايتك ..
صوتها الذي كان يضج داخل عقله قال بحزن :-
( لم تكن مهمتك أنت أن تحميني يا قيد ... لقد كانت مهمتي انا أن أحميك )
هتف بخشونة :- لا تناديني بهذا الاسم ...
( أتريدني أن أناديك بلقمان ؟ )
:- لا ..
( لماذا ؟ )
أشاح بوجهه عن صورتها التي كانت بالضبط كما عرفها في الماضي ... دافئة ... حزينة ... قوية .. إنما عاجزة .. وقال بصوت مختنق :- لأنني لا أستحق بأن أكون لقمان بعد الآن ...
( هل ترغب بأن تكون قيدا ؟؟؟ )
عندما لم يقل شيئا .... تابعت ..
( عندما كنت قيدا ... أنت كنت عاجزا .. كما كنت تقيد غيرك بك .. أنت كنت تكوي نفسك بك .. أنت لم تتمكن من التمرد حتى اعتنقت نفسك ... حتى آمنت بأن جزءا منك لا يمكن إلا أن يكون لقمان )
قال بصوت مكتوم :- ومن يكون لقمان ؟؟؟
( أنت أخبرني ... أنا لم أعاصره ... أنا لم أعرفه قط )
:- لن ترغبي بأن تعرفيه ... هو أقل قيمة من أن يعجبك ..
( حدثني عنه )
مئات الصور تلاحقت أمام عينيه وهو يتذكر العشرين سنة الماضية .. فتمتم :- هو رجل قاسي .. ظالم .. متجبر ... هو شخص لم يحب قط شخصا غير نفسه في حياته ..
( هل أحببت نفسك حقا ؟ )
صمت للحظة ... ثم قال :- لا ...
( وماذا عنها .... ماذا عن بحر ؟؟؟ )
أغمض عينيه بقوة وهو يردد اسمها :- بحر ...
( أنت لن تمتلك القوة للقتال حتى تؤمن بنفسك يا قيد ... كما فعلت منذ عشرين عاما ... أنت ..... )
صرير الباب أسكتها ... ذلك الصرير الذي دفع قلب لقمان للخفقان بقوة كادت توقفه ... بذعر غير منطقي .. نقل بصره بين الباب الذي كان يفتح ببطء وتلك الزاوية التي باتت خالية تماما في تلك اللحظة .. ليدرك سخافة شعوره ذاك فيكاد يضحك من جديد .. رباه .. لقد بدأ يفقد عقله بالفعل ..
:- أرى أنك أفضل الآن ...
لم يرد لقمان ... كما لم ينظر إلى الرجل الذي فور أن أخبره لقمان بما يريد .. تركه لساعات يتعذب باستسلامه وضعفه ..
:- أحضرت لك طعاما ... أنا لن أقبل طبعا بأن تموت جوعا بعد كل ما تكبدته من عناء..
لقد كان يحضر له طعاما بين كل حين و آخر .. وهو .. عارفا بأنه إن لم يأكل .. فقد كل قوته .. كان يسمح له بإطعامه ... ذلك الاستسلام الكريه لشخص يجد متعة في الإحساس بضعفك ..
رجل آخر كان يحمل الصينية ... بالإضافة إلى طاولة صغيرة ... ومقعد انتصب أمام لقمان خلال لحظة ... عندما خلت الغرفة إلا منهما .. جلس الرجل أمامه ... ينظر إليه بهدوء ... الضوء الشاحب القادم من الباب المفتوح و الذي كان الرجل أبخل من أن يمنحه سواه .. يسبغ غموضا على ملامحه ..
لثلاث دقائق كاملة ... لم يتحدث أحدهما ... ظل كل منهما ينظر إلى الآخر .. قبل أن يقول الرجل بهدوء :- أظن الوقت قد حان كي نتحدث حقا ..











وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن