الفصل السابع عشر
حدقت وردة بما كان يحمله كنان وهو يعود إلى الطاولة التي اختاراها في زاوية المقهى .. سائلة إياه بعبوس :- ما هذا ؟؟؟
أجابها ببساطة وهو يضع الصينية أمامها :- قهوة ...
وعندا تركزت نظراتها على الطبق المصاحب للقهوة قال :- أعرف بأنك تحبين كيك الشوكولا إلى جانب القهوة .. يتذمر ريان كثيرا من حبك للحلويات التي ترغمينه على شرائها لك كجزء من مصاريف العمل ..
هزت كتفيها قائلة :- على كل رب عمل جيد أن يدلل موظفيه وإلا تخلوا عنه ليعملوا في مكان آخر ..
قال متهكما :- هه .. وكأنك حقا يمكن أن ترغبي بترك ريان ..
قربت قدح القهوة من فمها لتحتسي شيئا منها قبل أن تقول بهدوء :- ومن قال بأن غريزة الحفاظ على الذات ... والرغبة ... يتفقان دائما بالضرورة ..
اختفت ابتسامته وهو ينظر إليها صامتا .... كلماتها الغامضة ... مفهومة له تماما .. إلا أنه لم يرغب بمناقشتها ... أو بمعرفة السبب الذي قد تتعارض معه رغبة وردة بالبقاء مع ريان ... مع غريزة الحفاظ على الذات لديها ...
أعادت القدح إلى الطاولة قائلة :- كان علي أن أخرج تاركة لريان المساحة التي يريد ... هو بحاجة لأن يبقى وحده قليلا .. كان هذا واضحا في طريقة تصرفه منذ الصباح ..
قال واجما :- حسنا ... أنت لم تتركيه وحده .. أنت تركته مع فتاة من الواضح أنه يعرفها جيدا ... ألا يثير هذا ضيقك ؟
قالت ببساطة :- تلك الفتاة زبونة معتادة في المكتبة ... ولو أنك تعرف ريان جيدا كما أعرفه أنا .. لعرفت بأنه يتصرف بنفس الطريقة اللبقة والدبلوماسية مع كل زبائنه .. إناث أو ذكور .. ربما هو بحاجة لقضاء بعض الوقت مع شخص غريب عنه ... لا يعرف أي شيء عن ظروفه الحالية .. عن اختفاء لقمان .. وعن القلق الذي يغمره ..
أن تعرف ريان إلى هذا الحد الذي لم يتمكن كنان حتى الآن من أن يصل إليه .. جعل شعورا بشعا ينمو داخله .. شعورا لم يستطع فهمه ..
أكملت مباغتة إياه :- كما أنني أردت إخراجك من هناك ... ربما أنت لا تستحق أن أفكر بصالحك .. إلا أن ريان سينسى فور أن يهدأ كل كلمة قالها لك في لحظة الغضب تلك .. في حين أنك أنت لن تنساها أبدا ..
انقبضت أصابعه وتكورت وهو يقول من بين أسنانه :- آه .... لم أتخيل أنك تهتمين لأمري إلى هذا الحد ..
:- لا .... الأمر لا يتعلق بك ... بل بريان .
لم يبد أنها قد لاحظت كم كانت كلماتها تغضبه وهي تتابع بكل بساطة :- أكره أن أقول هذا ... إلا أن وجودك في حياة ريان ... له تأثير إيجابي عليه ... إذ كما ترى ... هو رغم كثرة أفراد عائلته ... واهتمامهم البالغ به .. بعيد عنهم تماما ... يهتمون لأمره .. إلا أن أحدا لا يفهمه حقا ... أنت أقرب ما امتلكه ريان إلى صديق منذ وفاة إيهاب ... وعندما تكون حوله ... يكون مختلفا ..
رمش بعينيه وهو يحدق بها ... كلماته تبث دفئا نادرا ما أحس به داخل قلبه .. أن يعرف بأنه مهم حقا في حياة شخص ما ... شخص يهتم لأمره كريان ... الذي كان فعليا شخصا غريبا عنه طوال حياته حتى العام الماضي ... ثم وبينما كان يفكر بهذا ... فكرة غريبة صدمته فجأة ..
تمتم :- وماذا عنك انت ؟
قطبت قائلة :- ماذا عني أنا ؟؟؟
:- هل يهتم بك ريان بنفس الطريقة التي تهتمين فيها به ... هل هو حقا صديق مخلص .. كما أنت صديقة مخلصة كما أرى له ... هل يفكر بك ... وبصالحك ... بنفس الطريقة التي أراك فيا تفكرين به في كل لحظة .. في كل دقيقة .. وفي كل ساعة من وقتك ؟؟
وجهها كان جامدا للغاية قبل أن تقول :- لا ..
ثم تابعت وهي تشيح بوجهها :- أنا لا أعرف حتى إن كان يعتبرني صديقة حقا .. أم أنني فقط الفتاة التي أنقذته يوما مضحية بشخص غالي جدا عليها ... أهي الصداقة حقا التي تربط بيننا ... أم هو الامتنان ؟؟ بما أنني لن أجرؤ على طرح هذا السؤال عليه .. فأظنني لن أعرف الإجابة عليه أبدا
رغما عنه ... شعر كنان بشيء من التعاطف معها .. إذ أنه يعرف جيدا معنى أن يكون الشخص وحيدا .. تمتم:- حسنا ... نحن نبلي جيدا معا الآن ... صحيح ؟؟؟
نظرت إليه بارتباك وهي تكرر :- نحن ؟؟
:- نعم .... نحن نجلس معا منذ ما يزيد عن النصف ساعة دون أن يحاول أحدنا قتل الآخر .. ألا يعني هذا أنني ربما نستطيع أن نكون بطريقة ما صديقين ؟؟؟
عندما رأى الرفض الفوري في عينيها أسرع يقول :- أن نتظاهر بهذا على الأقل .. بينما نحاول إقناع والدتي بأنك خطيبتي .. وحتى .... حتى نعرف المزيد عن لقمان ... بما أن ريان ليس في حالة تسمح له بأن ...
عندما صمت ... تابعت برفق :- بأن يقف إلى جانبك ... في حين أنه يحتاج هو نفسه لمن يسنده ...
من الغريب ... كيف لهذه الفتاة الفظة والغريبة .. أن تقرأ أفكاره بهذه البساطة وكأنها مكتوبة على وجهه .. أيستغرب حقا التقدير والاحترام الذين يكنهما ريان نحوها ؟؟؟
لو أنه كان مخطئا ... وكان اهتمام ريان بها بعيد تماما عن النطاق الرومانسي ... فهو لا يملك إلا أن يتهم أخاه الأكبر بالغباء ... وربما بقصر النظر ...
تمتم :- إذن .... هل توافقين ؟؟؟
:- على ماذا ؟؟
هز رأسه وشبح ابتسامة يرتسم على وجهه :- أنت لست بالذكاء الذي تبدين عليه .. على صداقتنا بالطبع ..
ثم وقف وهو يمد يده نحوها قائلا :- إن كنت قد أنهيت قهوتك ... لنغادر هذا المكان .. بما أنك قد تخليت عن ريان لهذا النهار ... فهذا يعني أنك لا تمتلكين ما تفعلينه إلا مرافقتي و مجاراتي في أي فكرة مجنونة تخطر على بالي ... طبعا إن كنت شجاعة بما يكفي ..
حدقت به للحظات .. تتساءل إن كان غبيا بما يكفي .. أو ساذجا بما يكفي ليظن بأنها ستصدق نواياه الجيدة الغير موجودة .. إلا أنها فكرت بيأس ... وهل أملك ما أخسره ؟؟
متجاهلة يده الممدودة ... وقفت .. وقالت وهي تواجه عينيه بتحدي :- عزيزي ... أنت لن تكون أبدا مجنونا بما يكفي بحيث تمس حدود شجاعتي ..
ابتسم ... عيناه السوداوان تبرقان بعبث وانتشاء ... مما جعلها تتساءل للحظة .. إن كانت قد ارتكبت خطأ كبيرا للغاية ... خطأ لا يمكن الرجوع عنه ..
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Romanceالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me