الفصل الرابع عشر

10.9K 292 11
                                    

الفصل الرابع عشر

*
*
*
*
*
*
كانت قمر تضحك على شيء ذكي ومفاجئ قالته الطفلة الصغيرة عندما أدركت بأنهما ما عادتا وحيدتين في الغرفة .. رفعت رأسها لتنظر إلى عيني عمران الزرقاوين .. والذي كان يقف مستندا إلى إطار باب مكتبها المفتوح .. ينظر إليهما صامتا .. تعلوا وجهه تعابير غريبة ... أهي الغضب ؟؟
على الفور تلاشت ضحكتها ليحل محلها عدم الارتياح بالضبط كما في كل مرة يجمعها مكان واحد بهذا الرجل .. أنزلت حلا عن حجرها وهي تقول :- هل أنت هنا منذ فترة طويلة ؟؟؟
قال بهدوء :- لقد وصلت لتوي ... ما الذي تفعلينه أنت هنا ؟؟
عبست وهي تحاول فهم سؤاله .. وإن كان يلومها من خلاله على قضاءها الوقت مع ابنته .. حتى تابع موضحا وهو يشير إلى ساعة معصمه :- من المفترض بك أن تغادري إلى منزلك منذ ساعات ..
لقد كان محقا ... إلا أن قمر التي أنهت عملها بينما انشغلت الفتاة في معظم الوقت بالتلوين والرسم على ورقة فارغة .. لم ترغب بأن تترك الفتاة على الأقل حتى ينهي والدها اجتماعه الذي عرفت بأنه سيستغرق فترة طويلة جدا ..
هزت كتفيها وهي تقول :- أنهيت بعض العمل الإضافي ..
:- هل كنت تعملين ؟؟؟ أم كنت تقضين الوقت مع حلا ؟؟
قالت بغضب وهي تقف كارهة شعورها بالضآلة إلى جانب حجمه الضخم :- هل تلمح إلى أي تقصير من قبلي في عملي ؟؟؟
تنهد وهو يعتدل في وقفته ... ويخطو إلى داخل المكتب قائلا :- ربما أسأت التعبير عما أريد قوله ... ما قصدته هو أنك لم تكوني مرغمة على البقاء مع حلا ... كنت تستطيعين الانصراف وتركها في مكتب سكرتيرة عمي كما من المفترض بها أن تفعل ..
قالت في دفاعية :- لقد كان علي عمل توجب علي إنجازه على أي حال .. كما أن حلا لم تكن عبئا على الإطلاق ..
:- حسنا ... أنا أشكرك على أي حال ..
شكره أسكتها ... وكأنها لم تتوقع أن يتمتع بالتهذيب الكافي كي يقوم بعمل كهذا .. ولغيظها .. أطلت من فمه ابتسامة ماكرة وكأنه يدرك بالضبط ما تفكر به .. وكأنه لم يعتذر إلا بهدف إرباكها ... قبل أن يلتفت نحو ابنته التي وقفت إلى جانب قمر .. تمسك بطرف تنورتها وهي تنقل نظرها بينهما بفضول .. وقال :- هيا يا حلوتي ... يجب أن نعود إلى البيت الآن .. العمة حبيبة تنتظرنا ..
:- لا ...
ردها التلقائي كان قاطعا وهي تتشبث بقمر أكثر وتتابع بعناد :- أنا لا أحب العمة حبيبة ..
عبس قائلا :- من غير اللطيف أن تتكلمي عن عمتك بهذه الطريقة .. هي تحبك وتهم بك دائما ..
:- هي تتشاجر معي وتمنعني من مشاهدة برنامجي المفضل ..
:- هل أنت جادة يا حلا ... هل سنناقش العمة حبيبة هنا والآن ؟؟
ركعت قمر إلى جانب حلا وقالت لها :- بابا محق يا حلا .. من غير المهذب أن تتكلمي بالسوء عن عمتك .. أنا متأكدة بأنها تمنعك من مشاهدة التلفاز حرصا عليك ..
:- لا ... هي تمنعني كي تتمكن من مشاهدة برنامج المسابقات الذي تحبه ..
قطبت قمر وهي تفكر بهذه العمة الأنانية .. عندما قال عمران :- لم لا نترك السيدة قمر لتعود إلى منزلها ونعود نحن إلى البيت ؟
ظهر التفكير في العينين الذكيتين للطفلة مما جعل قمر تتساءل عن الطريقة التي اجتمعت فيها البراءة والمكر في هذا الكائن الصغير الحجم .. قالت الفتاة :- أريد بوظة بالشوكولا في طريقنا إلى البيت ..
تنهد في استسلام وهو يقول :- إن طلبت أميرتي بوظة .. فهي ستحصل على بوظة ..
ثم رفع عينيه إلى قمر متفكرا ... مما جعل الشبه بين الأب وابنته رغم فارق الحجم يبدو جليا لها .. وقال :- ربما علينا أيضا أن نوصل السيدة قمر في طريقنا ..
أسرعت تقول وبدون تردد :- لا داعي لهذا ... أنا سوف ....
:- أنت سوف تضطرين للعودة إلى منزلك في سيارة أجرة في هذا الوقت المتأخر معرضة نفسك لكل الأخطار الممكنة بسبب اضطرارك للبقاء مع ابنتي .. ومهما حاولت إقناعي بأنك بقيت بسبب عملك الوهمي .. فأنا لن أصدقك .. وأقل ما أستطيع فعله هو توصيلك إلى بيتك سالمة ... إلا طبعا إن كنت خائفة مني ...
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيه وهو يقول :- أعني .... أعرف أنني عريس لقطة ... وجذاب ولا أقاوم ... وأنك على الأرجح تخافين من وقوعك في غرامي ... وأنا لن أتمكـ ...
:- توقف توقف ...
سدت أذنيها وهي تشعر بالحنق والغيظ من وقاحته .. هتفت بحدة :- بحق الله ... لو أنك آخر رجل في العالم .. لما ...
أدركت فجأة بأن الطفلة كانت تنقل بصرها بينها وبين أبيها بفضول واهتمام ... فأكملت من بين أسنانها :- سأسمح لك بأن توصلني ... لا لشيء ... فقط لأنني لن أجد سيارة أجرة في هذا الوقت ...
هز رأسه راضيا ... ومد يده لابنته التي اندفعت تمسك بها بحماس وهو يقول :- لنذهب إذن .... وأعدك بأن أحاول كبح جاذبيتي خلال رحلتنا القصيرة ... أكره العبث بقلوب المطلقات كما تعلمين إذ يكن في غاية الهشاشة في وجود رجل مثلي ...
غادر المكتب قبل أن تتاح لها الفرصة كي ترد عليه ... سرعان ما انقلب غيظها إلى تنهيدة استسلام وهي تدرك بأنه يتعمد استفزازها كي يزرع شيئا من الأمان داخلها ... فكرة أن يفكر رجل بفظاظته بهذه الطريقة كان شيئا غريبا .. الأغرب هو أن تفهم دوافعه دون أي صعوبة .. مدركة بأن طباعه الغير مهذبة تخفي ورائها أبا محبا ومتفانيا لابنة صغيرة مما يجعل إقدامه على إيذاء امرأة ضعيفة أم مستبعد ...
مدركة بأن حصولها على توصيلة مجانية هو أمر أكثر من مرحب به ... تناولت حقيبة يدها من حيث كانت قد وضعتها في الزاوية ... ولحقت بعمران وحلا إلى الخارج ..











وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن