الفصل الثاني والثلاثون

11.4K 302 20
                                    

الفصل الثاني والثلاثين

نظر إليها عمران للحظات ... قبل أن يبتسم بهدوء وهو يتقدم نحوها .. ويجلس أمام مكتبها وهو يقول مخمنا فحوى الحديث الذي كانت تقصده :- لا بأس .. رغم أنني لا أمانع الانتظار أكثر .. يمكنك أخذ كل وقتك في التفكير حول الأمر يا قمر ..
اهتمامه أحرجها .. تورد وجهها قليلا وهي تقول :- لا تكن لطيفا معي ... عندما تجاملني بهذه الطريقة أشك على الفور بأنك تخطط لشيء ما ..
ارتسمت البراءة على وجهه الوسيم وهو يشير لنفسه قائلا :- أنا ! .. لماذا قد تظنين هذا ؟؟
:- حسنا .. لأنك لست لطيفا على الإطلاق ... معي أنا على الأقل ..
تنهد وهو يقول :- قمر .. أنا لا أستطيع أن أغير من طباعي .. أنا لا أحب المجاملة .. وأقول عادة ما أفكر به .. إنما أنا لن أمزح أبدا فيما يتعلق بحياتي الخاصة ومستقبل عائلتي .. كما أنني أبدا لن أكذب عليك ..
مال إلى الأمام كي تتمكن من رؤية الجدية في عينيه هو يقول :- ربما أنا لست لطيفا .. إنما أنا أهتم لأمرك .. ويهمني أن تتخذي قرارك بكامل قناعتك ..
صمتت للحظة .. ثم سألته :- هل حقا تهتم لأمري ؟
قال بدون تردد :- بالتأكيد ..
:- أتقول بأنك تحبني ؟؟
صمت ... يتأملها محاولا استشفاف ما ترغب بالوصول إليه من خلال سؤالها .. قبل أن يقول بهدوء :- أنا أبدا لن أكذب عليك يا قمر ..
:- أعرف ... ولن تخفي عني الحقيقة أيضا .. حقيقة أنك لا تحبني .. ليس كما أحببت زوجتك السابقة على الأقل عندما تزوجت بها ..
أعاد ظهره إلى الوراء وهو يقول :- وانظري أين انتهى بهذا الحب .. انظري إلى حبك لزوجك السابق وما فعله بك ..
كلمة زوجك السابق .. وخزتها دون أن تدرك السبب .. قالت بصوت مكتوم :- أتقول بأنك ما عدت تحبها ؟؟
:- أنا أؤكد لك بأنني ما عدت أحبها .. وأن ذكراها لن تشكل أي عائق أمام حياتنا معا يا قمر ..
:- ماذا عن حبي أنا لخالد والذي لم يمت بعد ؟؟
أحست قمر .. وكأن ذبذبات الهواء في فضاء الغرفة قد تجمدت فجأة مكانها بعد أن نطقت بعبارتها .. أن تفعلها وتقولها .. تطلب منها قوة هائلة لم تدرك أنها تمتلكها .. أن تعترف لنفسها .. وللرجل الذي يرغب بأن يتزوج بها .. بأنها ما تزال واقعة في حب زوجها السابق .. وحتى النخاع ..
قال :- أتظنينني لا أعرف صعوبة الأمر عليك ؟؟ أتظنينني لا أعرف بأنك ما زلت تكنين المشاعر له ؟؟
سألته بيأس :- لماذا ترغب بالزواج بي إن كنت تعرف ؟
:- لأنني اعرف بأنك قوية بما يكفي كي تتخطي الماضي .. بأنك لن تسمحي له بأن يحكمك .. بأنك إن نذرت نفسك لي .. إن تزوجت بي .. فلن تسمحي لرجل آخر بأن يقف بيننا .. بأن يكون عنصرا ثالثا في حياتنا الزوجية ..
صمتت للحظات ... ثم قالت بصوت خافت :- ماذا .. ماذا إن كنت أنت ... العنصر الثالث يا عمران ؟؟
:- ماذا ؟؟
قطب عابسا بشيء من الحيرة ... لتكمل بتشنج :- إن كنت تظن بأنني نبيلة بما يكفي كي أرفض السماح لرجل بأن يكون جزءا من حياتي بينما أنا زوجة لرجل آخر .. هل تعتقد بأنني سأسمح لنفسي بأن أتزوج برجل وأظلمه في حين أن قلبي ملك بالفعل لرجل آخر ؟
أخذ وقته .. في التفكير بكلماتها .. قبل أن يقول بصوت مغلق :- أتحبينه إلى هذا الحد ؟؟
هزت رأسها بحزن وهي تقول :- حبه لم يكن يوما خيارا ... وزواجي برجل آخر لن يكون ممكنا ما دامت روحي رافضة الاعتراف بالطلاق الذي مر عليه أكثر من عام ..
للحظة ... ظل ينظر إليها دون أن يقول شيئا .. قبل أن يطلق ضحكة قصيرة مغلفة بشيء من المرارة وهو يقول :- أن ترفضي الزواج من رجل بطريقة تدفعه للخروج مسرورا برفضك .. هو فن في حد ذاته ؟؟
قالت بحزن :- أنا أحترمك .. وأقدرك .. وأعرف أنني كنت لأكون سعيدة معك .. أنا أحب حلا ..
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تتابع :- وكنت لأدفع عمري كله مقابل أن أكون أما لها .. إلا أن أكبر خطأ يمكن لي ارتكابه بحقك .. هو أن اتزوج بك .. وأربطك بي .. في سبيل تحقيق حلمي بالأمومة لا أكثر .. أنا لا أستطيع أن أفعل هذا بك ..
أغمضت عينيها للحظة تحاول السيطرة على مشاعرها وهي تقول :- أنت تستحق أن تتزوج بامرأة تحبها حقا .. امرأة تعرف بأنها تريدك بنفس الطريقة .. لأجلك أنت .. لا لشيء تستطيع تقديمه لها .. زواجك السابق .. ليس مثالا .. ولا يعني إطلاقا أنك لن تتمكن من أن تحب من جديد .. أو أن تعثر على الأقل .. على امرأة تكون أنت رجلها الوحيد .. لا بديلا لن يكون أبدا كافيا في نظرها ..
قال بابتسامة متهكمة لم تصل إلى عينيه :- آه ... تعرفين جيدا كيف تثيرين غرور الرجل يا سيدة قمر ..
لاحظت كيف توقف فجأة عن مناداتها باسمها مجردا .. فاتسمت بشيء من الحزن والمرارة .. وإحساس عارم بالخسارة إنما بالراحة .. في حين قال بخفة :- حسنا ... على الأقل .. أنا لن أضطر للتغاضي عن ذوقي في النساء لأجلك .. إن كنت محظوظا .. المرأة التي سينتهي بي الأمر متزوجا بها .. ستكون سمراء فارعة الطويل كما أحب تماما ..
تنهدت وهي تراه يعود لطبعه القديم .. ثم قالت :- في يوم من الأيام ... ستقابل امرأة .. تفكر ألف مرة قبل أن ترميها بتعليقاتك اللاذعة هذه .. إن وجدتها ... تمسك بها .. فهذا يعني أنك لا تحتمل أن تسبب لها أي نوع من الألم .. حتى لو كان بالكلام ..
مرت لحظت طويلة ساد فيها الصمت بينهما ... ينظر فيها كل منهما الى الآخر .. تعابيره غير مقروءة على الإطلاق .. قبل أن يقف قائلا :- أشك بأن يحدث هذا يوما ... أتمنى ألا يؤثر زواجنا الذي لم يحدث بعلاقتنا المهنية .. أنا أحترمك يا قمر .. وحلا تحبك .. ولا شك ستطلب مني أن أحضرها لرؤيتك مرارا ..
ابتسمت قائلة :- زواجنا الذي لم يحدث .. لا يمنع على الإطلاق أن نظل صديقين يا عمران ..
ابتسم .. ثم اتجه نحو الباب ليفتحه .. ثم يقول قبل أن يغادر وهو ينظر إليها من فوق كتفه :- أتمنى فقط أن يدرك رجلك إلى أي حد هو محظوظ ..
ثم غادر ... تاركا قمر وحدها .. غارقة تماما في بؤسها .. وشوقها ..





وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن