الفصل السادس
*
*
*
*
*
*
لدقيقة كاملة .... لم يتمكن كنان من قول أي شيء .. أو حتى من إبداء أي ردة فعل وهو يحدق إلى وجه شقيقته الوحيدة لأول مرة منذ أشهر ...
رباه .... لقد كانت تبدو بالضبط كآخر مرة أيقظها من النوم .. قبل سنوات لا يذكر حقا عددها .. إلا أنه يذكر المناسبة بالضبط ... لقد كان صباح وصول خبر نجاحها في الثانوية العامة .. لقد كان هو من نقل إليها الخبر لحظة عرفه موقظا إياها من نومها به ..
جامدا مكانه .... ذاهلا ... تمكن من سماع صوت وردة الشبه هامس يقول :- هي جميلة ... كباقي أفراد عائلة الطويل كلهم ..
أطلق ضحكة متقطعة وهو يقول :- جميلة ! .. جمان لم تعتقد قط أنها جميلة .. دائما كانت تظن بأن الجينات الجيدة لآل طويل نسيتها بينما هي تتوزع بين أخوتها الأربعة ...
هزت وردة رأسها وهي تقول :- أنا لا أعني ذاك النوع من الجمال ... الجمال الشكلي ... عنصر يفقد قيمته تماما عندما يترافق مع سوء الخلق ... أنت بالذات يجب أن تعرف هذا جيدا ..
انتزعته كلماته من ذهوله وهو يلتفت نحوها مستنكرا ... ليرى بصرها مركز تماما على جمان وكأنها لم تفكر حقا بما كانت تقوله .. بينما تشير إليها قائلة :- انظر إليها ... إنها تمتلك ذلك السحر الكفيل بجعل أي قلب يذوب فور خضوعه لجاذبيتها ... حتى وهي غائبة عن الوعي .. تكاد تدفعني لنسيان تحفظي و الاقتراب منها ولمسها .. فقط كي أتأكد من أنها حقيقية ...
نظر إليها بينما هي تتكلم ... ترتسم في عينيها نظرة حالمة جعلته يفكر بشيء من ... في الواقع ... لم يعرف كيف كانت مشاعره وهو يتخيلها تلقي تلك الكلمات بينما هي تفكر بريان ... أتراها ترى شقيقه حقا بتلك الصورة ؟؟؟ كشيء لا تستطيع مقاومة الرغبة في الاقتراب منه لا لجمال شكله الخارجي ... بل لأنه يمتلك حقا ما يستحق اهتمام الآخرين ... كما كانت جمان بالضبط ؟؟؟
كما لم يكن هو قط في يوم من الأيام !!
قال بصوت أجش :- تستطيعين لمسها إن أردت ..
أجفلت وهي تنظر إليه .. وكأنها لم تتوقع دعوة كهذه منه .. فهز كتفيه قائلا :- لقد كانت تحب التواصل الجسدي مع الآخرين ... للأسف .. هي لم تنله كثيرا إذ أن أحدا لم يمتلك قط ما يكفي من العطاء كي يمنحها ما تريد .. أنا متأكد بأنها ستكون ممتنة لاقترابك منها ..
ثم ازداد صوته خشونة وهو يقول :- إن كان ما يقوله ريان حقيقيا ... وأنها قادرة على الإحساس بالأشخاص من حولها ... فأنا متأكدة بأنها ستشعر بوجودك ..
قالت برفق :- أظنها ستمتن أكثر لو أنك أنت من منحها ما تريده يا كنان ... صحيح ؟؟؟
رمش بعينيه مرتبكا ... قبل أن يعود لينظر إلى جمان .. متذكرا خلال لحظة كل ما خسره بفقدانه إياها ... وجد فجأة عينيه تغرورقان بالدموع وهو يقترب منها ... متذكرا بأنها الشخص الوحيد الذي أحبه يوما بصدق .. الشخص الوحيد الذي كان كنان يعرف يقينا بأنها إلى جانبه مهما حدث ... ضد كل العالم ..
مد يده يلامس أصابع يدها الباردة ... والمستقرة بدون حياة إلى جانبها .. تشوه نعومتها الخراطيم الموصولة بالغذاء السائل .. جاعلة إياها تبدو أكثر هشاشة ... تلك اللمسة الصغيرة ... دمرت كل حواجزه وجدرانه التي بناها قبل عام حول قلبه ... ليسقط كل تماسكه مرة واحدة وهو يهمس :- معا ... أنا وأنت .. ضد العالم بأسره .. وإلى الأبد .. ألم نعد بعضنا بهذا يا جمان ؟؟ لماذا أخلفت بوعدك الآن ؟؟؟ لماذا ؟؟
تراجعت وردة خطوة إلى الوراء وهي تشعر بالارتباك .. وبغصة في حلقها وهي تراقب مشهدا لم تحسب قط أن تراه ... كنان الطويل وهو يتخلى عن نذالته المعهودة ... فلا يبدو أكثر من مجرد شاب صغير يبكي خسارته شيئا مهما في حياته ...
لقد بدا في هشاشته المؤقتة هذه ... أقرب إلى ريان مما ظنت .. حتى والشبه الجسدي بينهما يتوقف عند القامة الطويلة لا أكثر ..
:- آه ... المعذرة ..
صوت أنثوي خافت جعلها تنتزع عينيها عن الشقيقين .. وتستدير نحو الممرضة الشابة التي نقلت نظرها بينهما بارتباط في البداية ... قبل أن يبدو التمييز على وجهها فور أن دققت النظر في كنان وهي تقول :- آه ... سـ .... سأعود لاحقا ... أنا سعيدة لأنك اخترت أن تدخل لرؤيتها حقا يا سيد كنان ...
كم مرة جاء فيها كنان الطويل لرؤية جمان دون أن يجرؤ حقا على دخول غرفتها ؟؟ تراجعت وردة وهي تتمتم :- أنا أيضا سأغادر ... تستطيع أخذ وقتك .. إذ علي الذهاب لـ .... ممممم .... لمراجعة الحسابات ..
سمعهما كنان تغادرا تاركتين إياه وحده مع جمان ... وكأنهما كانتا تخشيان أن يقرر الرحيل فجأة ... هه .. وكأنه حقا يستطيع الآن التخلي عنها بعد أن تمكن من العثور عليها مجددا ..
جلس فوق الكرسي المجاور للسرير ... ما يزال ممسكا بيدها وهو يهمس بصوت كان ليبكي وردة لو أنها ظلت وسمعته :- سامحيني يا جمان ... سامحيني ..
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Romansaالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me