الفصل الخامس عشر
*
*
*
*
*
*
من نافذة غرفتها .. كانت بحر قادرة على رؤية أفراد عائلة الطويل وهم يترجلون من سياراتهم .. الواحد تلو الآخر قبل أن يندفعوا إلى داخل المنزل .. أحاسيسها ملبدة , منذ أخبرها ثروت باختطاف لقمان ... وخطورة وضعه ..
وكأنها شخص آخر ... وكأن روحها قد انفصلت عن جسدها .. وباتت تحوم حولها تراقبها من بعيد ... وكأن ما يحدث لم يكن يحدث حقا .. وكأنها تعيش كابوسا .. تتوقع أن تستيقظ منه في أي لحظة ...
لقمان مفقود ... ويعتقد بأن الأشخاص الذين قتلوا تيسير .. بالإضافة إلى عدد من موظفي لقمان .. هم من قام بخطفه .. وعلى الأرجح ... من سيقومون بقتله أيضا .... في النهاية ...
أحست بالدماء تنسحب من وجهها ... وقد كانت تلك المرة الأولى التي يقولها عقلها بوضوح ... المرأة الأولى التي تصارح فيها نفسها بحقيقة الوضع ... أنها قد تحصل بعد كل شيء على ما كانت تتمناه .. فلا ترى لقمان بعد ذلك أبدا ..
( أنا أحبك يا بحر ... أحبك كما لم ولن أحب أي امرأة أخرى)
تقلصت أصابعها حول إطار النافذة الخشبي .... تشعر وكأن نارا تتقد في قلبها وهي تتساءل بمرارة .. لماذا الآن ؟؟؟ لماذا بعد كل هذا الوقت ... لماذا يا لقمان ؟؟؟
رغم كل ما كانت تشعر به من خوف .... دموع بحر كانت عصية عليها ... وحده لقمان ... ومشاعرها المتضاربة والعنيفة اتجاهه ... ما كان قادرا على استحضارها .. كلحظة حاصرها في مطبخه ليلة الأمس .. عندما واجهها بما كانت ترفض دائما الاعتراف به ..
:- سيدة بحر ...
لم تلتفت حتى نحو الخادمة ... التي تابعت وكأنها لم تكن تتوقع من بحر أي ردة فعل أخرى
:- السيد نعمان يطلب منك الانضمام إليه وإلى بقية العائلة في غرفة الاستقبال ..
بانحناءة طفيفة من رأسها .... تمتمت :- أخبريه بأنني سأكون هناك خلال دقائق ...
أتراه يحمل أخبارا عن لقمان ؟؟؟ أم تراه يطالبني بمغادرة منزله وقد أصبحت حماية لقمان لها بعيدة المنال ؟؟؟
مجرد تفكيرها بهذا ... بأنها تحتاج إلى حمايته كي تقف في وجه عائلته ... بأنهم يحاولون التعرض لها ظنا منهم أنها أضعف من أن تتمكن من حماية نفسها .. جعل دفقة من القوة تجتاحها ... وتدفعها للحاق بالخادمة ... تسير ببطء .. إنما بثقة .. في حين كان قلبها يخفق بقوة بين أضلعها .. أنفاسها عنيفة كمن يقبل على معركة لا يعرف إن كان أهلا لخوضها أم لا ...
قبل أن تصل إلى باب صالة الاستقبال .. كانت قادرة على سماع أصوات الجدال العالي ... صوت نعمان الطويل وهو يقول بصرامة :- يجب أن تعرف إن كان هناك من يرغب بإيذائه من ضمن منافسيه أو عملاءه يا ثروت
صوت ثروت المكتوم كان يقول :- إنه لقمان .... عدد الأشخاص الراغبين بإيذائه لا يمكن إحصائه.
صوت جعل بحر تتجمد مكانها قال بتوتر :- إنما القلائل منهم من يجرؤون على أن يتعرضوا له بهذه الطريقة السافرة ... هم أذكى من أن يخاطروا بإغضابه .. أو إغضاب عائلته ..
لقد كانت آمال الطويل ....
أحست بحر بالبرودة تجتاحها وهي تتذكر كل ما فعلته بها تلك المرأة ... كل ما دمرته في حياتها وروحها .. إن كانت بحر تلوم لقمان الطويل مرة على ما فعله بها ... فإنها تلوم آمال الطويل ألف مرة ... وبالرغم من أنها لم تسمح لها ليلة حفلة آل طويل بأن ترهبها ... إلا أن ذكرة تأثيرها الأسود في حياتها لم يتركها لحظة ...
صوت ثروت كان متشنجا وهو يقول :- لا أحد ممن أعرفهم يجرؤ على الوقوف في وجهه أو التعرض له ..
:- إن كنت تقول هذا .... فأنا لا أفهم كيف يعتبرك لقمان ذراعه اليمنى ... كان من المفترض بك أن تكون معه .. إلا أنك سمحت لأحدهم بأن يمسك به ..
بالرغم من أن الهستيريا في صوت آمال الطويل كانت حقيقية ... في توضيح صادق لمدى قلقها وذعرها حول اختفاء لقمان ... إلا أن بحر أحست بالامتعاض والرفض وهي تفكر بأن ثروت لا يستحق اللوم بهذه الطريقة ...
قال بجمود :- أنا كنت أتبع تعليمات لقمان الواضحة بألا أترك جانب السيدة بحر على الإطلاق ...لقد كان يعرف بأن أحدا يترصده .. وقد أرادها أن تكون آمنة .. سلامة السيدة بحر تأتي أولا بالنسبة للسيد لقمان ..
خفق قلب بحر وهي تصدق كل حرف قاله ثروت ... متذكرة رجال الأمن الذين كانوا يلاحقونها خطوة بخطوة منذ غادرت بيت لقمان للقاء قمر ... أترى لقمان استهتر بأمانه في سبيل أمانها هي ؟؟؟ أترى الأشخاص الذين تعرضوا له .. واختطفوه .. ما كانوا تجرأوا على المساس به لو أنه كان محاطا بما يكفي من الحماية ؟
صوت آمال الطويل كان هادرا وهي تقول :- أنا لا أهتم .... لقمان يأتي دائما أولا ... من تراه يهتم بشخص تافه كتلك المرأة ؟؟ هو من كان معرضا للخطر ... هو من أخذوه منا لأنك ظننت بأن امرأة لا قيمة لها تستحق أن تتخلى عنه لأجلها ..
هتف نعمان الطويل وكأنه يهدئها ... أم تراه كان يحذرها :- آمال ...
لم تنتظر بحر كي تسمع المزيد من الإهانة الموجهة بسببها نحو رجل لم يقم إلا بعمله .. دفعت الباب ودخلت إلى الصالة دون أن تطرق الباب ... ووقفت هناك فقط .. تنقل بصرها ببرود بين الأشخاص الخمسة الموجودين .. ليتوقف عند آمال الطويل ..
أنيقة كالعادة .... متكبرة ومتعالية كالعادة ... نظراتها فضحت كراهيتها الواضحة والموجهة نحو بحر .. أيضا كالعادة ...
أي من هذا كله لم ينجح في هز شعرة من رأس بحر ....
لقد كانت هي العنصر الأقوى .... لطالما كانت الأقوى بينهما ... وإلا ما وجدت آمال الطويل الحاجة قط لخلاص منها ...
لقد كانت دائما تهديدا لها ... للمرأة التي كما أحبت لقمان كأم ... كانت تعرف كأي امرأة أعمال باردة الدم بأنه نقطة قوة كانت تستخدمها بدون أي ندم لما يزيد عن الخمس و عشرين عاما ...
لو أن بحر ظنت ولو للحظة بأن ما فعلته بها آمال الطويل كان نابعا عن أمومتها .... لما وجدت صعوبة في مسامحتها .... إلا أن آمال الطويل ... كانت تفعل كل ما تفعله ... بدافع من أنانيتها البحتة لا أكثر ...
وكأنها قد لمحت مافي نظرات بحر من اتهام .... أو ربما معرفة ... لم تعرف قط بحر ما الذي رأته آمال في عينيها وجعلها تهتف فجأة بغضب :- وها أنت تقفين هنا غير قابلة للمس .. في حين أننا لا نعرف إن كان لقمان حيا أو ميتا ...
هتف نعمان الطويل بحزم من جديد :- آمال ... توقفي ..
بهدوء .. تلقت بحر كلمات آمال الطويل بدون أن تظهر أي شيء على وجهها الجامد .. قبل أن تقول :- ٍأكون ممتنة لو أنك احترمت وجودك داخل بيتي يا سيدة آمال ..
ارتداد آمال الطويل إلى الخلف شاحبة الوجه .. كان دليلا على مدى قسوة عبارة بحر القصيرة عليها ..
هذا المنزل الضخم ... كانت آمال الطويل المرأة الوحيدة المخولة باعتبار نفسها سيدته طوال السنوات التي تلت وفاة كاظم الحكيم .. أن تعرف بأنها قد خسرت حقا هذا الحق .. وأن المرأة التي انتزعته منها .. هي نفسها المرأة التي عرفت بأن ارتباطها بلقمان لن يعود عليها إلا بخسارته .. كان أقسى من أن تحتمله دون أن تفقد كل تماسكها وهي تهتف من بين أنفاسها :- بيتك ! .. بيتك !! .. أيتها الـ ....
لم تستطع إتمام عبارتها المشبعة بالكراهية عندما قاطعها نعمان الطويل وهو يمسك بمعصمها بين أصابعه بقوة أجفلتها .. ودفعتها للالتفات إليه وهو يقول بصرامة :- آمال ... نحن لم نأت لأجل هذا ..
كزت على أسنانها وهي تحاول انتزاع يدها من قبضته هي تقول :- انظر إليها يا نعمان ... انظر إلى وجهها الخالي من المشاعر .. هي حتى لا تهتم بما يحدث للقمان ... لا تهتم إن كان وحيدا الآن ... إن كان يتألم .. رباه ... ماذا لو أنهم أذوه ... ماذا لو أن شيئا حدث له ..
للحظة .. نسيت آمال كل ما يتعلق ببحر وعيناها تتسعان وقد صفعها الواقع ... أنفاسها كانت عنيفة وهي تردد بما يشبه الهستيريا :- ماذا لو أنهم قتلوه يا نعمان ... ماذا لو أن ...
:- توقفي ...
صوته الهادر لم يوقف بكائها الذي أفلت فجأة من أسفل قناع التماسك الذي كانت ترتديه منذ عرفت باختطافه .. أكرم كان من أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول لأبيه بصوت مكتوم :- سآخذها من هنا ...
أومأ أبوه برأسه موافقا ... وجهه الشاحب يقول بوضوح بأنه لولا قوة إرادة آل طويل والتي تسر في عروقه لانهار مثلها بالفعل .. راقب أكرم وهو يسحب والدته على خارج الغرفة .. ثم التفت إلى بحر التي كانت محافظة على ثبات ملامحها بمعجزة ..
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Romanceالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me