الفصل الثالث عشر

11.4K 315 6
                                    

الفصل الثالث عشر




لم يكد اعتراف لقمان يصفعها في الصميم عندما خرج منه دون أي تحذير مسبق ... حتى دوى الضجيج من الطرف الآخر قاطعا كلامه بصيحة استنكار منه لم تكتمل ... قبل أن تنتهي المكالمة فجأة تاركة الفراغ التام دافعة إياها للتحدق أمامها بعينين ذاهلتين للحظة .... قبل أن تهتف رامية كل تحفظاتها مع الهواء .. حتى وهي تعرف أنها لن تلقى ردا :- لقمان ... لقمان ... ما الذي حدث ؟؟
عينا ثروت كانتا تتابعانها فجأة وهي تحاول إعادة الاتصال بلقمان دون فائدة بعد أن كانتا مركزتين في الطريق مانحتاها بعض الخصوصية خلال حديثها مع لقمان .. سألها بصوت مكتوم :- ما الذي حدث ؟؟
حدقت به متسعة العينين وهي تقول باضطراب :- لا أعرف ... حدث شيء ما فقطع المكالمة ..
:- ربما يقود في مكان لا تصل إليها إشارة الهاتف ..
:- لا .. لقد حدث شيء ما .. أنا متأكدة من هذا ..
رغما عنها ... صوتها خرج منها مرتجفا وهي تتذكر كلماته مساء الأمس عن مقتل الدكتور تيسير .. و شكوكه الأكيدة بأن القاتل كان يسعى وراء لقمان نفسه من خلال أشخاص مقربين إليه .. الذعر الذي كان يجتاح قلبها في تلك اللحظة كان صادما لها في قوته وعنفه .. أن يتعرض لقمان للأذى .. أن يحدث له أي شيء .. كانت فكرة لم تخطر على بالها حتى في أسوأ لحظات حياتها التي كان هو سببا لها .. أن تدرك هذا الآن .. أن تعرف ما يعنيه ..
راقبت ثروت وهو يحاول الاتصال بلقمان مستخدما هاتفه ... قبل أن يرميه على المقعد المجاور له وهو يقول بهدوء بدا لها زائفا :- أنا محق في تخميني على الأرجح ... سأوصلك إلى المنزل ثم ألحق به لأرى إن كان بحاجة إلي ... سيدة بحر ..
بعينين لا ترمشان نظرت إليه وهو يقول بشيء من الرجاء :- أتمنى لو امتنعت عن مغادرة المنزل لفترة .. على الأقل حتى نتأكد من زوال الخطر .. الرجال سيكونون في حمايتك .. كل ما عليك فعله إن أردت أي شيء هو إخبارهم به وسينفذونه على الفور .. على الأقل حتى يعود لقمان وتتحدثين إليه مباشرة ..
كانت بحر قد توقفت عن الاستماع إلى ما يقوله منذ دقائق .. عقلها توقف عن العمل منذ سمعة صيحة لقمان المبتورة والضجيج الذي سبق انقطاع المكالمة ..
جزء منها كان يعرف .. تلك الغريزة التي لم تفشل قط في تنبؤ المصائب .. بأن ما سمعته .. وما حدث للقمان .. لن يكون خيرا على الإطلاق ..











منذ الصباح ونارا ترميها بنظرات فضول وقلق كلما مرت بها ظانة أن علياء لا تراها .. مثيرة أعصابها وهي تتساءل عما ترى نارا تفكر به الآن وهي تتذكر مغادرة أدهم معها في منتصف الحفلة دون أن يخبر المرأة التي حضرت برفقته ..
أدهم الذي أصر على أن يوصلها إلى بيتها بنفسه .. لم يتفوه بحرف واحد طوال الطريق .. وكأنه قد نال كل ما يريده بسماحها له بمرافقتها ..أو ربما اهتمامه بسلامتها .. كان يفوق اهتمامه بتبادل أي نوع من الحديث معها .. وما الذي يمكن لرجل أن يقوله لزوجته السابقة التي يجد نفسه متحملا مسؤولية أمانها وقد كان الوحيد الذي عرف بما تعرضت له العام الماضي وأخفته عن الكون بأسره ؟؟؟
تركت ما بيدها بنفاذ صبر فجأة وهي تقول :- هلا قلت ما لديك يا نارا ... أنت تثيرين أعصابي بتجولك حولي ورمقك إياي بنظراتك الصاخبة هذه ؟؟
أطلقت نارا ضحكة متوترة وهي تترك مكانها حيث كانت تتظاهر بترتيب بعض الملفات قريبا من علياء .. واقتربت قائلة :- الأمر ليس كما تظنين .. أنا فقط كنت ... أتساءل ..
:- ممم عم تتساءلين بالضبط ؟
:- عن علاقتك بأدهم ؟؟؟
كبحت علياء زفرة إحباط وهي تقول :- ماذا عن علاقتي بأدهم ؟؟
هزت نارا كتفيها وهي تجلس مقابل مكتب علياء قائلة :- أنا لم أكن أعرف أنه زوجك السابق وإلا ما قبلت مرافقته إلى حفل تقيمه عائلتك ..
قالت علياء بهدوء :- أنت قلتها .. زوجي السابق .. وهذا يعني أن لا شيء إطلاقا بات يجمع بيننا .. وأن مرافقتك إياه لا تزعجني البتة ..
قالت نارا بتردد :- أتعنين بأن ... حسنا .. أنا سأكون واضحة تماما معك ... أنا .. أدهم ..
هنا ... لم تستطع علياء إيقاف نفسها من الهتاف بنزق :- هلا تكلمت يا نارا ؟؟؟
:- حسنا ... أنا أعرف أدهم منذ عام تقريبا .. وقد كان دائما صديقا جيدا ولطيفا معي .. هو حتى كان صبورا مع الولدين في كل مرة كانا يزورانني فيها في مكتبي ..
سألتها علياء بشكل مباشر :- هل يعجبك يا نارا ؟؟؟
لصدمة علياء .. أحست بالدماء تفور بين عروقها وهي ترى وجه نارا يحمر بحرج وهي تقول :- وهل تمزحين ؟؟؟ أدهم شاب وسيم وذكي و محترم .. طبعا هو يعجبني ... تبا ... هو يعجب الدكتورة فاتن صاحبة العيادة في الطابق الرابع .. وهي توشك على بلوغ الستين ..
أدارت علياء عينيها متظاهرة بأن معرفتها بأن زوجها السابق يذيب قلوب النساء في كل مكان لا تزعجها على الإطلاق .. بينما تابعت نارا بشيء من الحرج :- طبعا .. كان هذا قبل أن أعرف بأنه زوجك السابق يا علياء .. آخر ما أريده هو أن أسبب لك أي إزعاج .. أن أجرحك أو أؤلمك .. لو أن تقربي من أدهم يضايقك بأي طريقة .. فأنا سأكتفي به كصديق لا أكثر ..
الذعر زحف فوقها كظل بشع وهي تسأل نارا بصوت خالي من التعبير :- هل تحبينه ؟؟
أطلقت نارا ضحكة قصيرة وهي تقول :- نحن معشر المطلقات عندما نسعى نحو زواج ثاني فإن الحب يكون آخر ما نبحث عنه .. إذ نكون قد تعلمنا درسنا جيدا خلال زواجنا الأول ... ما نسعى إليه بعد ذلك هو رجل نستطيع الاعتماد عليه .. رجل نعرف بأنه قادر على أن يمنحنا بكل طاقته ... وحدسي يخبرني بأن أدهم من هذا النوع .. أنا لا أعرف سبب طلاقكما .. إلا أنني ...
ثم صمتت ... وكأنها أدركت بأن ما كادت تقوله لم يكن مناسبا .. وعلياء لم تكن بحاجة لأن تسمع التتمة كي تفهمها ... إذ عرفت بأن نارا قصدت بأن علياء على الأرجح كانت هي السبب في فشل زواجهما ... لا أدهم .. وقد كانت محقة تماما ...
تنحنحت نارا وهي تقول :- حسنا .... اممم ... إن كنت لا تمانعين سأخرج لتناول الغداء في الخارج ... لن أتأخر ..
علياء عرفت على الفور بأن نارا ستخرج برفقة أدهم على الأرجح ... ورغم تأكيدها لنفسها بأنها لا تهتم .. إلا أنها كانت تشعر بينما هي تراقب نارا تغادر بقلبها ينزف بألم وخسارة ... مدركة بأن هناك أشياء لا نستطيع أبدا أن نعوضها حتى لو شعرنا بالندم لاحقا للتخلي عنها ..










وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن