الفصل السابع
*
*
*
*
*
*
:-آه ... مممم ... صباح الخير ..
كان ريان يرتب مجموعة من الكتب الجديدة التي وصلت لتوها عندما قاطعه الصوت الأنثوي المحرج .. التفت ممتنا لأول زبونة تدخل مكتبته بعد صباح طويل وممل دون أن يفعل أكثر من نفض الأغبرة عن الرفوف والكتب وقد اعتذرت وردة مجددا عن الحضور بسبب – خروج والدها عن السيطرة – كما تقول .. وحاجته لوجودها في البيت كي تساعد والدتها في العناية به ...
هو لم يكن يمانع إطلاقا غياب وردة إذ كان يعرف أنها ما كانت لتتأخر عن الحضور لولا الضرورة القصوى .. كل ما في الأمر أن وجود وردة حوله ومنذ أشهر طويلة .. بالضبط منذ حادث موت إيهاب ... ثم محاولة كامل قتله .. كان له تأثيرا مهدئا على روحه .. فلا يشعر بأن الأمور بخير .. وأنه حقا قادر على تخطي كل شيء إلا عندما تكون موجودة .. فتمنحه تلقائيا من قوتها الفطرية المثيرة للإعجاب ..
الزبونة المفاجئة كانت فتاة طويلة تعقص شعرها خلف رأسها على شكل ذيل حصان ... مألوفة الوجه إذ كانت تزور مكتبته مرارا خلال أيام الأسبوع برفقة ..... مممممم ... هكذا إذن ...
ترك الكتب من يده .. واستدار نحوها راسما على شفتيه ابتسامة مرحبة وهو يقول :- أهلا بك ... هل تبحثين عن كتاب معين ؟؟؟
نظرت حولها فجأة ... فبدت وكأنها تمنع نفسها بصعوبة من الالتفات وإلقاء نظرة نحو الباب الزجاجي المفتوح للمكتبة .. ثم قالت :- آه ... نعم .. لقد كنت أتساءل إن كانت رواية باولو كويلو الجديدة متوفرة أم لا ..
نظر إليها متفكرا وهو يقول :- ربما .... إلا أنك ستضطرين للعودة إلى الخارج وسؤال صديقتك المختبئة وراء الباب دون أن تدرك بأن طرف رأسها مرئي تماما لي .. إن كانت مدركة بأن هذه الرواية الجديدة قد لا تكون مناسبة لآنسة صغيرة مثلها ...
احتقن وجه الفتاة وقد بدت وكأنه قد أخذها على حين غرة بكلامه المباشر .. فاستسلمت لغرائزها والتفتت نحو الباب أخيرا .. دون أن تترك للفتاة المختبئة وراء الباب أي خيار سوى الخروج من مخبئها .. رأسها مغطى بالوشاح المألوف والموشى بالأزهار .. والذي لا يذكره ريان فقط من خلال شجارها مع كنان قبل أيام .. بل من خلال زياراتها المتكررة للمكتبة خلال الشهرين الأخيرين ..
عندما رآها تلاسن كنان في المقهى قبل أيام ... لم يتعرف إليها في البداية ... ربما لأنها كانت تترك زميلتها الطويلة تستلم الحديث في معظم الأحيان حينما كانتا تأتيان للزيارة ... حتى نظرت إليه .. والتقت أعينهما .. تعرف على الفور على الوجه المغطى جزئيا بالنمش .. وعلى النظرات الوجلة والخائفة نوعا ما .. وقد كانت نظرة الخوف هذه دائما تثير حفيظته في زبونته الصامتة التي صدمته بلسانها الطويلة .. وجرأتها في خداع كنان والسخرية منه أمام الجميع ..
الفتاة عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تواجه نظراته التي عرف بأنها قد خانته باللوم الذي يعرف أنه لابد وارتسم فيهما .. قائلة بحدة :- أنا لست فتاة صغيرة .. كما أنني أقرأ لباولو كويلو منذ سنوات ..
هز رأسه قائلا :- لن ترغبي بقراءة هذه الرواية ... ثقي بي .. لنقل بأنها ... حسنا .. مصنفة لمن فوق الثامنة عشرة ..
حدقت به والإهانة ترتسم في عينيها البنيتين وهي تقول :- أنا في الواحد والعشرين من عمري ..
عبس قائلا :- هذا ليس مبررا كي تقرأ فتاة مهذبة رواية تحمل محتويات خادشة للحياء بعض الشيء ..
تلفتت حولها بحركة درامية وهي تقول :- لم أجد لافتة تقول بأن هذا المكان يوزع النصائح الأخلاقية المجانية .. كما أنني زبونة .. وليس من حقك الامتناع عن بيعي شيئا أريده ..
نظر إليها للحظات ... ثم هز كتفيه قائلا :- أنت محقة ... من أنا لأمنعك من شراء شيء تريدينه حتى لو كان غير ملائم لفتاة مهذبة .. انت ناضجة على أي حال ..
احتقن وجهها بينما أخرج الكتاب الذي أرادته ... ووضعه لها في كيس بلاستيكي طُبِع عليه اسم المكتبة .. ثم سلمه إليها متناولا منها الثمن .. ثم راقبها وهي تتجه نحو الباب .. تسبقها صديقتها وكأنها تكاد لا تصدق تمكنها من الخروج من المكان بهذه السهولة .. لتلتفت الفتاة ذات النمش قائلة وهي ترفع رأسها بوقاحة :- لعلمك فقط ... أنا لست فتاة مهذبة على الإطلاق ..
هز رأسه وهو يقول بهدوء وكأنه يداهن طفلا صغيرا :- أنا لم أقل قط أنك كذلك ..
:- كما أن صديقك ذاك ... لم يكن أفضل مني أبدا ..
تنهد قائلا :- أنا أيضا لم أقل بأنه أفضل منك ...
صمتت للحظات ... ثم قالت :- لم أقصد أن أزعجه ... أنا أتصرف أحيانا بدون أن أفكر ...
فكر ريان بأن هذه ربما طريقتها التي كبحها العناد والكبرياء في الاعتذار .. فقال :- لست مضطرة للاعتذار مني أنا ... فلست من كذبت عليه وجعلت منه أضحوكة على مرأى من جميع رواد ذلك المقهى ..
عبست وكأن نواياها الحسنة كلها قد طارت مع الهواء ... وقالت :- صديقك كان يريد أن يغش مني في الامتحان ... وأنا رغم كل عيوبي ... وقحة .. وعنيدة ... ونعم ... أخترع الكثير من الكذبات الصغيرة .. إلا أنني لست غشاشة ... وعندما رفضت التعاون معه .. إذ أنني لم أقضي ليلي كله أدرس كي أساعد شخصا لم يتعب نفسه ببذل الجهد نفسه كما هو واضح .. قام بالتهجم علي في الشارع بعد خروجي من الكلية ...
نظر إليها متأملا .... ملاحظا الفتاة الأخرى التي كانت تنتظر في الخارج ... تنظر إليهما بقلق دون أن تجرؤ على العودة .. ثم قال :- أنا لا ألومك ... ولا أعاتبك .. أنا أعرف بأن كنان صعب ووقح ... بل ويحفز لدى الآخرين أسوأ ما لديهم .. إلا أنه من الداخل طيب القلب .. وبحاجة فقط لمن يفهمه ... مثلك أنت بالضبط ..
رمشت بعينيها وهي تحدق به مجفلة ... وجهها شاحب .. مما جعل النمش يبدو أكثر وضوحا فوق أنفها ووجنتيها .. خلال لحظة .. تلاشى كل تحامله عليها وهو يذكر نفسه بأنها كغيرها من الفتيان في عمر مضطرب كعمرها .. حيث يتجاوزون مرحلة النضوج قبل أن يكونوا مستعدين حقا ... عندما يطالبهم الكون بأن يقتحموا الحياة وحدهم بقوة وجرأة .. في حين أن كل ما يحتاجونه هو قلب حنون يفهمهم ... بالضبط كما كان هو قبل عام واحد ..
قال بهدوء :- يزورني كنان بعد الظهر في معظم أيام الأسبوع ... تستطيعين المرور متى ما أردت لتعتذري منه .. وأنا أرحب بك بعدها متى أردت في مكتبتي ..
نظرت إليه بعينيها اللتين كانتا تنطقان بذكاء واضح .. وقد بدا عليها أنها فهمت مغزى ما قاله .. وتساءل بفضول إن كانت سترحل فلا تعود أبدا .. أم أنها كانت ستتنازل عن شيء من طفوليتها وعنادها هذين .. في سبيل العودة من جديد ...
إلا أنها وبدون أي كلمة ... فتحت الباب .. ولحقت بصديقتها مغادرة المكان ...
أنت تقرأ
وقيدي اذا اكتوى(مكتملة)
Romanceالجزء الثاني من سلسلة في الغرام قصاصا بقلم المبدعة blue me حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me