الفصل الثاني

366 15 1
                                    

أقفلت سهام هاتفها النقال ووضعته بجيب مئزر الطبخ، كانت أمها على الخط وهي تطلب منها المجيء حالا وضربت لها موعد عند أول الشارع... إلى أين تعتزم اصطحابها هذه المرة في الصباح الباكر؟

دخلت هناء المطبخ وأقبلت بفرح على حفيدها الذي كان في كرسيه يتناول فطوره وراحت تداعبه وتلاعبه.
التفتت إليها سهام وهي تخلع مئزرها: سأخرج لبعض الوقت أمي... هلا اعتنيت بأنس أثناء غيابي...
بدت هناء متفاجئة: هل من خطب؟
هزت رأسها نفيا وهي تبتسم: إنها أمي... يبدو أنها تعرضت لنزلة برد ولا تجد من يعتني بها... أنت تعرفين أن إخوتي الذكور لن يقوموا بأعمال المنزل... سأتفقد حالها وأعود... لن أتأخر.
بدت متفهمة وهي ترد عليها: بلغيها تمنياتي بالشفاء...
وضعت المئزر جانبا وقبل أن تخرج لم تنس أن توصيها بفادي: فادي نائم بالغرفة، لا تتركي أنس يدخل عليه ويزعجه أنت تعرفين طباعه...
أجابتها: لا تقلقي...

******

غادر اللحام بعد أن ثبت الباب الحديدي وقبض ثمنه فيما بقيت هي تجرب فتحه وإقفاله لترى إن كان يصدر صريرا. قابلها وجهه الباسم وهو يقطع آخر الدرجات باتجاهها: مرحبا كيف أصبحت؟
تجنبت إطالة النظر إليه وردت باختصار: بخير، شكرا...
تأملها للحظات لكنه خشي أن تتوارى من نظراته خلف الباب وتقفله فتدارك أمره وجعل الكيس الذي بيده قبالتها: اشتريت لك قفلا جديدا...
تأملت الكيس بصمت وأجابته باقتضاب: لقد تدبرت أمري... شكرا لك.
من الواضح أنها تحاول صرفه من أمامها... هذا الأمر يجعله أكثر اصرارا وتصميما على اقتحام عالمها المقفل. اقترب من الباب ليتفحصها ووجد أن القفل لا يزال مكسورا: يبدو أنك لم تتدبري أمرك كما يجب..
نظرت إليه بامتعاض: سأقفل الباب الحديدي ريثما أحضر عامل الصيانة.
اقترب من الباب وجثى على ركبتيه ليشتغل على القفل: لم يعد هذا ضروريا...
لم تجد كلمات لتصرفه بها عنها فاكتفت بعقد ساعديها أمامها وهي تراقب عمله بتجهم، فالتفت إليها بابتسامة: ألا أستحق أن تضيفيني شايا ساخنا..!
هزت رأسها بنعم ودخلت شقتها متوجهة إلى المطبخ.
وهي تعد الشاي كانت ملايين الأسئلة والتوجسات تجول بذهنها ، ماذا لو كان أحد أفراد أسرتها يراقبها من بعيد ويرصد خطواتها، مؤكد أنها في نظرهم فاجرة لا تستحق الرحمة فلماذا ترهق نفسها في تبريئ ذمتها... سيعتقدون أن محمود عشيقها و هذا ليس بغريب عن منطقهم الساذج!
لاحت منها التفاتة إليه وهو منهمك في عمله ثم عادت وسهمت أمامها تتذكر ذلك اليوم المشؤوم من أيام حياتها... في الحقيقة تحتفظ بالعديد من الذكريات التعيسة بألوان ونكهات مختلفة، لكن هذا اليوم بالذات له طعم خاص... لأنه ساعتها وفي سن مبكرة تعلمت أن الحب عيب والعشق حرام... على الأقل في شرع والدها...
ذات يوم في مراهقتها كانت وأختها تتسامران في الحديث عندما سمعتا صوت جلبة وصراخ والدهما يملأ الأرجاء... لم يكن هذا غريبا فكثيرا ما تنفجر براكينه بالمنزل لأسباب متعددة، تفهم أنه لا يستطيع أن يعيش دون أن يثبت رجولته بخشونته، لكن ما لم تفهمه يومها هو سبب دخول والدتهما عليهما وفي يدها أحد أنابيب الغاز، والذي سرعان ما انهالت به عليهما تعلمهما الأدب... ولم تعتقهما من ضربها المتواصل حتى تركت آثار سوطها على جسديهما الصغيرين.
في الأخير فهمتا أن أحد الشبان يرعى الأغنام قريبا من بيتهم وأن والدهما الفطن يشك في أن احداهما عاشقة له لهذا هو لا يتزحزح من جوار المنزل!
في الحقيقة الاثنتان لم تعرفا بوجود هذا الشاب حتى الساعة التي نالت منهما السياط... وبالنسبة للوالد حصل ما يفكر فيه أم هو مجرد وهم برأسه، ستظل بكل الأحوال هذه خطوة احترازية وقائية تجنبهما الخوض في مثل هذه الأمور أو حتى التفكير في الخروج عن الطوع والطاعة...
قضوا جميعهم على أحلامها في منبتها فلم تزهر يوما في ظل أسرة كتلك... بل لم تكن تعرف كيف تحلم حتى... أو أسوأ منه، كانت تخاف من أن يطلع أحدهم على أحلامها الجميلة فيدنسها بنعله القذر...

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن