الفصل السادس

217 7 0
                                    

غربت الشمس قبل قليل دون أن يرجع محمود إلى الحي.
تمددت نسرين على الأريكة بعد الصلاة وقد بلغت من التوتر أشده، ترمق ساعة الحائط كل بضع ثوان وتطلب من ياقوتة أن تطل من الشرفة علها تبصره بالشارع وقد عاد أخيرا من مطاردته تلك.
وضعت كفها على صدرها تحاول كتم تلك المشاعر المرعبة التي تنتابها وهي تردد بهمس بين شفتيها: يا رب... يا رب...
دخلت ياقوتة أخيرا من الشرفة فتعلقت بها عيونها وقبل أن تنطق أجابتها: لقد عاد...
استرخت نسرين على الأريكة حامدة الله فيما حركت الأخرى ملامحها مستفزة لها: جاء على حصانه الأبيض...
لم ترد عليها نسرين ما جعلها تجلس قبالتها وهي تصغي باهتمام: ها.. أخبريني كيف صارحك بحبه؟
حدقت بها للحظات قبل أن تجيب: لم يصارحني بعد..
تصنعت عدم تصديقها وهي تقول: عندما كدت أهشم الباب طرقا ورنا على الجرس خرج أحد الصبيان من الجيران وقال لي"نسرين بالمشفى، استدعى خطيبها الاسعاف ونقلوها صباحا" وعندما سألته من خطيبها هذا؟ قال لي "السيد محمود..." متى خطبتما؟... هل هذه هي نهاية العشرة بيننا تُخطبين ولا تخبريني !
علت الدهشت وجه نسرين وهي ترد باندفاع: ليس خطيبي... كل ما في الأمر أنه... أنه...
وغابت عنها الكلمات لتتابع بتيه: لا أدري... هو لم يحسم قراره بعد... لم يخبرني أي شيء وأرفض تأويل الأمور على منحى خاطئ...
صمتت ياقوتة لبعض الوقت ثم تكلمت: يبدو لي شابا مناسبا لك...
رفعت رأسها إليها: لماذا تقولين هذا؟
ردت: لا أدري... ارتحت له...

********

عندما ولج إلى داخل العمارة التقى بجاره وائل وهو ينزل الدرج، تبادلا إلقاء التحية فيما توقف وائل لبعض الوقت: طمني كيف سارت معك الأمور في مركز الشرطة؟
رد محمود بتعب: شكرا وائل. صديقك قام باللازم وأرسل دورية لتمشيط المنطقة التي ذكرتُها في المحضر... قال أنه سيتصل بك إن طرأ أي جديد.
رد وائل مطمنا له: سأكون بالمكتب صباحا وسأتتبع القضية بنفسي... اطمئن، الآنسة نسرين جارتنا وسلامتها تهمنا...
رد محمود: أتمنى أن تقبضوا عليه سريعا... لن أطمئن عليها وهو حر يصول ويجول براحته...
شقت الابتسامة شفاه وائل وهو يفكر في أن قلق محمود له مسوغ ثاني غير الجيرة التي تجمعه بنسرين، لكن علاقته به كانت عملية ولا تسمح له بالتدخل في خصوصياته لهذا لم يتجرأ على التعليق على الموضوع واكتفى بطمأنته من جديد: هل تشك في خبرتي !.. سبق لي وحققت في عدة قضايا من هذا النوع وسأعمل جاهدا للقبض على الجاني كن متأكدا من هذا...
شكر محمود جاره ثم افترقا فغادر وائل خارج العمارة بينما صعد هو الدرج. اطمأن قلبه للحظة فوائل محقق على قدر كبير من الحرص والمسؤولية وهو يؤدي واجبه بكل تفان، وصادف أنه جار لهم بنفس العمارة...
لم يكن احتكاكه به كبيرا فيما سبق لكن بعد الحادثة التي أُصيبت فيها نسرين أصبح هناك تواصل بينهما حتى أن محمود أخذ رقم هاتفه للاتصال به من أجل معرفة تطورات القضية بما أن نسرين مصابة ولم تظهر اهتماما بمعرفة الجاني. تفهم وائل حرص محمود ووعده أن يستدعيه للتعرف على المشتبه به إن تم القبض عليه لكن محمود ظل مصرا على أن يُقحم نفسه في كل التفاصيل...
وصل حتى باب شقته والتفت إلى باب شقتها. كانت نفسه في صراع هل يلقي عليها نظرة قبل أن يخلد للراحة؟
فكر في أنها قد تكون نائمة ولم يشأ أن يكون الجار المتطفل المزعج... فتح باب شقته ودخل وفور ولوجه بدأ بفك أزرار قميصه، يحتاج لحمام ساخن والخلود للنوم بعدها.
عندما سمعت هي طقطقة القفل عرفت أنه قد دخل شقته. شحبت ملامحها فجأة وأصابها شيء من الخيبة... كانت تتوقع أن أول ما سيقوم به هو رؤيتها قبل أن يفكر في النوم أو الراحة... نظرت إلى ياقوتة ولم تتجرأ على النطق بكلمة ففهمت الأخرى ما كان يجول بذهنها وقاطعت أفكارها: لقد أعددت طعاما لذيذا للعشاء ، ما رأيك في دعوة محمود.
ردت عليها دون تفكير: هو لم يكلف نفسه عناء طرق الباب والاطمئنان علي، وأنت تفكرين في دعوته للعشاء... ثم إن هذا لا يجوز، ماذا سيقول الجيران؟
وقفت ياقوتة: ومن قال أن الجيران سيعرفون بهذا.. ثم أنا هنا. كوني شاكرة لجميله على الأقل.
رتبت هندامها وتوجهت نحو الباب: لحظة وأعود... لربما هو جائع ولا يوجد ببراده شيء...
كانت نسرين ستعترض لكنها تعرف أن ياقوتة لن تستمع إليها، فكما يبدو هي مصرة على التقريب بينهما أكثر.
بعد رن طويل على الجرس خرج محمود وقد انتهى من ارتداء ثيابه فيما بقي يجفف شعره بالمنشفة.
ابتسمت ياقوتة في وجهه وبلباقة دعته للعشاء. لم يفهم هو بادئ الأمر إن كانت دعوة منها أو من نسرين لكنه لم يرفض وأخبرها أنه سيلحق بها بعد قليل.

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن