الفصل السابع عشر

119 6 0
                                    

استيقظت سهام مبكرا وجالت بنظراتها في أرجاء الغرفة قبل أن ترمي بالغطاء بعيدا عنها وتستوي جالسة وهي تحاول أن تتنفس بانتظام. لقد أصيبت بالمرض بعد فقدانها لابنها ورغم خضوعها للعلاج لم تتحسن صحتها أبدا... مازالت تخضع إلى التصوير الاشعاعي وتحاليل الدم  دون أن يشخص مرضها... ربما ما تعانيه ليس عضويا وإنما ألم نفسي لا شفاء منه فبعد رحيل ابنها أصبحت الحياة أمامها صفحة سوداء لا نور فيها...

في ذلك اليوم الذي أحضره إليها أخوها لتراه في موعد الزيارة أقامت الدنيا وما أقعدتها بنواحها. لم يستطع أحد أن يأخذه منها وهي تبكي بحرقة وتقبله بشوق حتى أخافته فبدأ هو الآخر في الصراخ وصار البيت مأدبة عويل... وبالكاد استطاعوا اخراجه من هناك لإعادته لوالده. بعدها خرت من فورها أرضا وبدأها المرض الذي لم يجدو له شفاءً... ومنع عنها والدها زيارات ابنها تجنبا لانتكاسة أخرى قد تصيبها.

مضى حتى الآن شهر وهي على نفس الحال ولا تأكل إلا قليلا من الطعام حتى فقدت الكثير من وزنها وأصيبت بالهزال. ربما كانت هذه أنجع حمية لها منذ ازداد وزنها وراحت تخطط لاستعادة رشاقتها.

وقفت أمام المرآة وهي تشعر بالدوار... وجه شاحب وعيون يحاوطها السواد بدت كميت يتحرك بين الأحياء... تنفست بعمق حتى لا تسقط أرضا و خرجت من غرفتها تسير على مهل.

دلفت إلى المطبخ وكانت أمها وإخوتها في جدال حاد. لكنهم جميعا التزموا الصمت عندما شاهدوها هناك وعلت وجوههم الدهشة ... أسرع إليها أصغرهم وساعدها على الجلوس مكانه، وهو يقول: كيف حالك يا سهام...  ما الذي أخرجك من غرفتك وأنت على هذه الحال؟

هزت رأسها وهي تجيبه: أنا بخير... اطمئن...

اقتربت منها أمها وتلمست جبينها بحب وهي تسألها بحنو: أمازلت محمومة حبيبتي؟

أجابتها بتعب: لا أمي...

بقي أخويها الآخران يتأملانها بصمت وربما منتظرين أن تخلي وفاضها وتقول ما جاءت من أجله. فيما صمتت هي للحظات ثم نطقت : أريد رؤية أنس... اشتقت إليه...

أنثى بحروف شرقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن